لا شك أن العالم ما بعد الكورونا لن يكون كما كان قبلها، فمنذ الآن بدأت بوادر هذا العالم تتشكل و سيشهد العالم تحولات سياسية و إقتصادية سيكون لها بالغ الأثر في تشكيل ملامح العلاقات بين دول العالم أجمع. ففي إيطاليا تم إنزال علم الإتحاد الأوروبي في أكثر من مكان و أبدت إيطاليا و دول أخرى كأسبانيا إستياءهما الشديد من طريقة تعامل الإتحاد الأوروبي مع أزمة كورونا حيث وجدت تلك الدول نفسها وحيدة في مواجهة الفيروس و بدى أن الإتحاد الأوروبي مهدد بالتفكك حال إنتهاء هذه الجائحة. فربما يكون أول عمل تقوم به إيطاليا و إسبانيا بعد زوال الوباء هو إتباع خطى بريطانيا و مغادرة البيت الأوروبي دون رجعة ولا شك أن دولاً كانت تتوق للإنضمام للإتحاد مثل صربيا ستعيد النظر في هذا الشأن، و لربما نرى تحالفات جديدة على شاكلة إتحاد دول الشمال الأوروبي و إتحاد دول الجنوب الأوروبي كل على حدة. لقد كشف هذا الوباء ضعف و هشاشة أنظمة الدول المتقدمة ، و ظهرت أمريكا بوجهها الحقيقي وهي تعاني مثلها كمثل أي دولة نامية غير قادرة على توفير الكمامات و وسائل الوقاية لأطبائها و أجهزة التنفس لمرضاها. إذن هي لم تكن سوى عملاق من ورق سقط عند تعرضه لرياح قوية. الصين ، وبالرغم من أنها منبع الوباء إلا أنها نجحت إلى حد كبير في إختبار الكورونا ، فقد بدت أكثر إستعدادا و حزماً في مواجهة الفيروس و أثبتت تفوقها إقتصاديا و علميا. و ما أن بدأت تسيطر على الوباء محلياً حتى بدأت الحرب الناعمة و الدبلوماسية الطبية ، فسارعت بإرسال المساعدات و إرسال الفرق الطبية إلى العديد من الدول المتأثرة بالمرض کإيطاليا و صربيا وغيرها من الدول شرقاً و غرباً. خطوات قد تجعلها تتربع على عرش أقوى دول العالم لسنوات قادمة. هذا الوباء لم يكتف بإظهار علاقات الدول على حقيقتها ولكنه أيضا أعاد ترتيب الأولويات ، فقد إكتشف العالم حقيقة كان يهملها لسنوات و هي أنه يستطيع أن يتخلى عن وسائل الترفيه التي يصرف عليها الملايين سنويا ولكنه لا يستطيع الإستغناء عن مقدمي الرعاية الصحية ، والقطاع الصحي الذي لا يحظى بالدعم المادي الكافي. و إن كان هنالك درس واحد على العالم أن يتعلمه من هذه المحنة فهو أن يلتفت إلى العلماء و الأطباء و الأساتذة و الممرضين و المسعفين و عمال النظافة و أن يعطيهم ما يستحقونه من إحترام و من كسب مادي لقاء جهودهم الكبيرة. و حين إنشغلت دول العالم الأول بنفسها عن غيرها ، عرفت الدول النامية التي إعتادت أن تكون مستهلكة لا منتجة أن عليها أن تعتمد على نفسها ، فظهرت مبادرات محلية لصنع المعقمات والكمامات ووسائل الحماية، وأثبتت نجاحها فكما يقول المثل الحاجة أم الإختراع ، و لكنها أيضا أثبتت أن المشكلة لم تكن نقص الإمكانيات أو العقول المفكرة لكنها نقص الإرادة و السعي إلى السهل دون الحاجة للعمل. نقص الإرادة والدافع هو ذاته ما نحتاجه على مستوى شخصي ،فكم من مرة تحججت وتكاسلت عن تطوير نفسك بحجة أنه لا وقت لديك ، أو أنك لا تقرأين الكتب لأن الوقت لا يسمح بذلك؛ فجاء الحجر المنزلي ليبطل صحة ذلك العذر. سينتهي هذا الوباء عاجلا أم آجلا بإذن الله، لكنه بالتأكيد لن يكون الوباء الأخير فهذا ديدن الوبائيات في التاريخ القديم و الحديث. لكن من الضروري ألا يمر مرور الكرام و ألا يتم نسيان الأمر إلى أن يفأجئ العالم بالوباء القادم. النقاط التالية فيها بعض التوقعات لما سيكون أو لما يجب أن يكون عليه الوضع بعد الأزمة : * زيادة ميزانية الصحة و زيادة أجور العاملين بالقطاع الصحي. *زيادة الصرف على العاملين في قطاع النظافة و الحفاظ على البيئة. *وضع ميزانية مخصصة للبحوث العلمية و توفير منح للراغبين في التخصص في علم الأمراض و علم الفيروسات و علم الوبائيات والصحة العامة. *أن تكون هناك لجنة دائمة مخصصة للطوارئ الصحية تقوم بوضع خطط سنوية للتصدي للأمراض الوبائية بحيث تكون على إستعداد تام للمواجهة عند حدوث الأزمات الصحية. *في الدول المتقدمة أتوقع أن يتم الإعتماد بشكل أكبر في المستقبل على الروبوتات في المجال الصحي، كما حدث في الصين التي استخدمت الروبوت للتعقيم و إيصال الأدوية و لمتابعة حالة المرضى. *أتمنى أن يستمر الإنتاج المحلي للمعقمات و أدوات الحماية للأطباء و أن يتطور العمل ليشمل الإنتاج المحلي لبضائع أخرى. فهذا سيوفر فرص عمل جديدة ،و يقلل من الإستيراد و قد يفتح المجال للتصدير. * أتوقع أن يتم تسهيل شروط التدريب و التخصص الطبي للأطباء الراغبين بالتخصص في الدول الأوروبية وذلك لتغطي حاجتها من الأطباء في المستقبل.خاصة وأن الكثير من الأطباء ممن عايشوا هذه الجائحة قد تأثروا بسبب التوتر و الضغط النفسي الزائد عليهم بل أن بعضهم قال في مقابلات تلفزيونية أنه للأسف يفكر في ترك الطب بعد إنتهاء الأزمة. *إعتدنا أن الدول تقوم بعمل ملاجئ كي تستعملها في حال الحروب فلا عجب أن تقوم الدول بعمل مستشفيات ميدانية كبيرة و وضع مخزون من الأدوية و الأجهزة الطبية لتكون جاهزة للإستعمال وقت الوبائيات. *الكثير من الشركات قد تعتمد نظام العمل من المنزل لبعض موظفيها، فالعمل من المنزل يقلل الزمن الضائع في المواصلات من و إلى العمل و يزيد الإنتاجية، وقد يقلل أيضا من الإزدحام في أوقات الذروة. *و أخيرا ، أتوقع أن يزدهر العمل في مجال الديكور المنزلي فلا شك أن الناس سيسعون لتصميم منازلهم بطريقة أفضل لكي يستطيعوا البقاء فيها دون ضجر إذا اضطروا للبقاء في الحجر المنزلي مستقبلا. لقد عرف العالم أن الحدود ما هي إلا خطوط حبر على الخريطة، فهذا الفيروس لا يستثني أحداً، فالكل سواء في هذه المحنة..لقد إكتشف الإنسان عجزه الكامل و ضآلته أمام قدرة الخالق، فهلّا إعتبرنا ؟! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.