شهدت الأسابيع الأخيرة تحركات مستمرة ومنسقة من قوى الثورة المضادة، اتخذت اشكالا وأساليب متنوعة، ولكنها موحدة المقصد، وهو محاصرة حكومة الفترة الانتقالية كخطوة أولى لإسقاطها. نلاحظ ان تلك التحركات التي تدار من مركز واحد، ولكنه متعدد الاذرع، هي تصعيد مقصود بهدف هزيمة الثورة. فتغريدات غندور وبيانات الحزب المحلول، ونشر الأخبار المضروبة، واثارة الفتن القبلية في كل ربوع بلادنا، وتسيير المظاهرات، ومضاعفة آثار الازمة الاقتصادية والمضاربة في أسعار العملات وتباطأ القوات الامنية وغيرها هي حلقات في مخطط واحد، يدار من مركز واحد، له جيوبه النافذة في جهاز الدولة العسكري والمدني. ونجد، رغم خطورة ما يجري، ان قوى الحرية والتغيير تعاني من الانشغال بالصراع غير مبدئي، وما مواقف حزب الامة الأخيرة وتوقيتها، ومحاولات التكويش وتكبير الكوم من بعض التنظيمات، والخلاف الحالي حول انتخابات تجمع المهنيين، واستطالة ما يدور في جوبا، الا مظاهر لاستسهال الخطر القادم. سأعرض اليوم نماذج من تلك التحركات، وهي بعض ما يدور في الجبهة النقابية وبالتحديد ما تقوم به قيادة اتحاد العمال المحلولة. شارك المهندس يوسف عبد الكريم رئيس اتحاد العمال المحلول، يوم الخميس 14 مايو 2020، باسم الاتحاد في فعالية نقابية دولية. فقد تحدث، اون لاين، في احتفال في العراق بمناسبة عيد العمال العالمي، وقُدم في الاحتفال كرئيس لاتحاد عمال السودان. والأغرب ان ذلك الخبر تم نشره في موقع اتحاد العمال في النت. وهو موقع يمارس عمله كالمعتاد، ويواصل نشاطه بحماس لينشر ما تقوم به القيادة المحلولة. وفي نفس اليوم، الخميس 14 مايو 2020، شارك اون لاين، في لقاء نقابي دولي انعقد في تركيا، تحت عنوان " الحياة العملية في ظل الجانحة ". وتمت المشاركة أيضا باسم وصفته رئيس اتحاد عام نقابات عمال السودان. كما أصدرت قيادة اتحاد العمال المحلولة في 13 مايو الجاري بيانا حول زيادات الأجور التي أعلنها وزير المالية. والغريب حقا ان نفس القيادة المحلولة اعترضت، في بيان طويل، على قرار لجنة تفكيك تمكين الإنقاذ الذي استدعت بموجبه الضباط الثلاثة للنقابة العامة لعمال التعليم المحلولة. وكانت الاستدعاء للتحقيق في اتهامات حول ممارسات مالية فاسدة تمت من قبل تلك القيادة المحلولة. هذه مجرد نماذج من ممارسات وانشطة تلك القيادة المحلولة التي تتجاهل، جهارا نهارا، قرارات الحل. كما انها قامت في الشهور الماضية بجولة عالمية واتصالات بمنظمات نقابية دولية تتباكى على الحريات النقابية في السودان. وتقول، بقوة عين لا حد لها، ان الحكومة تتدخل في العمل النقابي، ولا تسمح بحرية النشاط النقابي. ورد في الواتساب حديث عن مذكرة قدمتها تنظيمات نقابية للممثل المقيم للسكرتير العام للأمم المتحدة، ولكنها لم تنشر في موقع الاتحاد المحلول. وقدمت المذكرة باسم النقابات والمنظمات الآتية: نقابة المحامين السودانيين، واتحاد عام نقابات عمال السودان واتحاد الصحفيين السودانيين، والاتحاد العام للمرأة السودانية واتحاد المعلمين السودانيين، واتحاد الزراعيين السودانيين ورابطة المحاميين الوطنيين. ورابطة القانونيات السودانيات ومنتدى شباب المحاميين السودانيين ومنظمة محامون لأجل الوطن. وأدعت المذكرة المرفوعة للمم المتحدة: " إن تجربة وأداء الحكومة الانتقالية خلال الاشهر الماضية منذ تأسيسها كشفت عن ممارسات تتناقض مع المبادئ المستقرة في مجال إدارة العدالة وإرساء أسس حكم القانون بما يتناقض مع شعارات التغيير، ويمثل لجوء الحكومة الانتقالية المفاجئ والآحادي للتقدم بطلب للأمين العام، على نحو ما أسلفنا، تخبطاً وانتهاج لمسلك لا يتوافق مع مبادئ الحكم الرشيد من حيث إيكالها إنجاز مهامها الاساسية لبعثة أممية دون سبب ظاهر أو مقنع. ومن ثم، كان على المجتمع الدولي أن يحجم عن تشجيعها على السير في هذا الطريق ويدعوها للتصدي لمسئولياتها." وتمضي المذكرة لتقول: " أن الوثيقة الدستورية التي تسعي الحكومة الانتقالية في السودان إلى إنفاذها بمساعدة الاممالمتحدة، لا تتمتع بدعم وموافقة غالبية القوي السياسية النشطة في ساحة السياسة السودانية ولا تعبر عن طموحاتهم. كما أن في ثنايا هذه الوثيقة من الاحكام والمواد ما يعزز روح التفرقة والتمييز بين مكونات وقوى المجتمع المدني السوداني، ويميز بينهم بسبب انتماءاتهم السياسية، الامر الذي يتجافى مع مقاصد وأهداف ميثاق الاممالمتحدة والمواثيق الدولية الأخرى في مجالات حقوق الانسان والحقوق السياسية والاقتصادية والقواعد المستقرة في القانون الدولي. وأضافت بأنها، " إذ ترفض انشاء بعثة سياسية اممية في السودان، لا تريد أن ترى الاممالمتحدة تناصر حكومة انتقالية، لا تزال تفتقر للأجماع الوطني ولم تأت بها انتخابات ديموقراطية، في مواجهة القوي السياسية السودانية الأخرى، وأكدت مواصلة جهودها ضمن جبهة وطنية عريضة لمناهضة هذا التوجه بالطرق الوطنية، القانونية منها والسلمية. وناشدت الأمين العام للأمم المتحدة والسادة رئيس وأعضاء مجلس الامن الدولي بإرجاء البت في الطلب المقدم من رئيس وزراء الفترة الانتقالية في السودان وعدم تنفيذه، الي أن تجري حوله مشاورات وطنية واسعة حتي يحوز الرضي والاجماع، أو حتي يتم تعديله بما يتوافق مع الارادة الوطنية الجامعة مشيرة الى ان عملية الفرض القسري لبعثة الاممالمتحدة المقترحة علي الشعب السوداني، دون أية مشاورات، وفي إهمال تام لرأي قوي المجتمع الحية، ستسفر– دون أدني شك – عن نتائج وخيمة ستؤثر علي مستقبل واستقرار السودان وانتقاله الديمقراطي." هذه نماذج من عمل منظم يستهدف اسقاط الثورة تحت شعارات وادعاءات كاذبة. والغريب ان نفس من حل النقابات المنتخبة بعد انقلابهم في 1989، وصادر ممتلكاتها، واعتقل شرد كوادرها واعتقا قادتها وعذبهم وقتلهم في اقبية بيوت الاشباح، والذي فرض فرضا على النقابات، يحدثنا الان عن الحريات النقابية. وإذا تناسوا فأننا لن ننسى ما فعله مؤتمر الحوار النقابي المزعوم بالحركة النقابية السودانية وبمؤسساتها وقوانينها وهياكلها وكوادرها وتاريخها المكتوب. ولن تغيب عنا، ولو للحظة واحدة، ما فعلوا خلال ثلاثين عاما بنقابات بلادنا. عندما نقارن ما تقوم به قوى الثورة المضادة من تصعيد محموم لنشاطها في مختلف الجبهات بما تقوم به قوى الثورة والتغيير نري واقعا مقلقا ومربكا. فالقوى التي أنجزت أكبر تنظيم جبهوي في تاريخ السودان الحديث وقادت واحدة من أعظم الثورات، لا تستوعب الإطار الأكبر، ولا تهتم للتحديات الراهنة للواقع السياسي المعقد. ولا تدرك مصاعب الانتقال الديمقراطي، وهو موثق في التجارب العالمية الشبيهة، ولا تفطن لان فكفكة دولة شمولية استمرت لثلاثين عاما ليست نزهة. والاهم ان تستوعب ان الحفاظ على التحالف الواسع حتى انجاز برنامج الحد الأدنى الذي يجمع هذه القوي مطلب لا تراجع عنه. ونذكر قوى الثورة ان امامها مصاعب لا حد لها، وان التمسك بالعمل معا حتى انجاز مهام المرحلة الانتقالية والموثقة في برنامج قوى الحرية والتغيير، لا يمكن اجتنابه أو تحاشيه تحت أي شعارات ومقولات أو قفز على المراحل. وان الجلوس معا لمناقشة السلبيات بهدف معالجتها ومن ثم تخطيها هو المنهج السليم حاليا. ان للعمل الجبهوي قواعده وآلياته ومناهجه وله طرق معالجة مشاكله، وكيفية استخدام أسسه للمحافظة على العمل المشترك، ومراعاة ما يصدر من الجسم الجبهوي وما يصدر من التنظيم الفرد، والمواظبة على مراجعة وتقييم الاعمال الجارية، والتدارس الموضوعي حول ما تم وما سيتم. ولتنظيماتنا السودانية تجارب ثرة منذ أيام الاستعمار ومرورا بمختلف الأنظمة التي تعاقبت على الحكم في بلادنا، ولشباب بلادنا من المعرفة المكتسبة ما يضيف لتلك الخبرات التاريخية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.