السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سكر حلفا الجديدة .. بقلم: عباس أبوريدة
نشر في سودانيل يوم 22 - 05 - 2020

وجودي في كنانة أتاح لي فرصة التجوال بين مصانع السكر المختلفة ، قضيت فترة ً في سكر عسلاية وكان تحت الإنشاء وفترة ً أخرى في سكر سنار وثالثة في سكر حلفا الجديدة.
كما التحقت بمعهد تنكنولجيا صناعة السكر لدى إفتتاحه بكلية الهندسة بجامعة الخرطوم والذي تم إنشاؤه كهدية من حكومة ألمانيا تحت إشراف خبير السكر الألماني البرفيسور ديليفير بمنحة قدرها خمسة ملايين مارك كأول معهد من نوعه في إفريقيا والشرق الأوسط لخدمة صناغة السكر في السودان والتي كانوا روادها الأوائل . ولعل الألمان حرصوا عى تعزيز وجودهم في السودان بعد خسارتهم لعطاءات تنفيذ مشروعات سكر سنار وسكر عسلاية وربما ملوط لصالح الشركات الإنجليزية.
في أعقاب إنتهاء الفصل الدراسي الأول أقام لنا سعادة السفر الألماني حفلا ً بهيجا ً في السفارة الألمانية وعبر عن سروره بنجاح البرنامج ووعد بمتابعته ودعمه المستمر . حضر الإحتفال قيادات صناعة السكر في السودان ولفيف من أساتذة البرنامج من جامعة الخرطوم .
كان علينا أن نتوجه بعدها إلى إحدى المصانع العاملة لإستكمال البرنامج العملي ، كانت الخيارات المتاحة هي مصنع الجنيد وحلفا وسنار ، كنت أميل لمصنع الجنيد لمعرفتي به وبعض مهندسيه ِفقد زرته مرات عديدة أثناء الدراسة الجامعية ولقربه من العاصمة ولكني تنازلت للزملاء محمد تاج الدين ( الكاملين) وعبد العظيم الحليو (مدني) وقبلت أن أتوجه على مضض لحلفا الجديدة مع زميلي محمد علي سليمان الضو.
بدأنا الرحلة على متن حافلة مواصلات الجزيرة الفخمة لمدينة القضارف حيث قضينا اليلة هناك في فندق العامل قبل أ ن نستكمل الرحلة لحلفا الجديدة ضحى اليوم التالي .
كانت المرة الأولى التي أشق فيها أرض البطانة وسط تداعات ٍ لصور ٍ شتى لها منها وصف أستاذي تاج الين إبراهيم عمر في تقديمه لمسرحية المك نمر على مسرح الدامر الثانوية ب " الأرض الخشنة الناعمة التي تسامت فيها اروع قصة حب ٍ وتسطرت أبشع فصول مأساة " وقفزت بخاطري ابيات العباسي بصوت الشريف عبد الرحمن الجيلي في الذي جسد دور حمد ود دكين وظلت عالقة بذهني منذ سمعتها . كانت المسرحية من بطولة العبيد فضل المولى و الشريف عبد الرحمن الجيلي ومرتضى ثالح شيخ العرب .
وكأني أرى الحوار بين "ريا" و "حمد ود دكين ورهطه "وأسمع مفرداته عندما شارف رهط "ود دكين" ديار "ريا" قام أحد مرافقيه بمناداتها عندما لم تلقي عليهم التحية قائلاً :
بالضيفان تمُّري لا سلام لا كلام
صدقوا اهل المثل توب العرب صح لام
"ريا" ردت عليه :
حبابكم عشرة ومن دون كشرة والف سلام
يا وجوه العرب المتلي ما بتلام
انا بت الرجال اهل الدرق والسيف
بت الما بهموا بي حساب الخريف والصيف
بت البحجو لى المرقوب بكرموا الضيف
انا "ريا" كان شفتكم افوتكم كيف ؟؟
: فرد عليها قائلا ً
من وين في الاهل كفاك فخر يا بنية ؟
ردت عليه "ريا" :
انا بت البيوت المن بعيد معنيه
بى فوق السما نفوسنا وبيوتنا حنيه
انا بت ابكبس في النسبه بطحانيه
عندها بادر ود دكين قائلاً:
عبد الله ابكبس عز البطانه وفخري
في راس العرب بنعد ماهو الوخري
كريم وهميم وصميم كان للقبائل دخري
بت شيخ العرب هيلك صحيح تفتخري
توقد ناره ديمه الما بكوس الجمره
وفي الضيفان يهوش سكينو دايماً حمره
بي كاس ما عبر لبنو بيجيك بالعمره
هيلو الشكرة هيلو الرئاسه هيلو الامره
فهنا تدخل أحد مرافقي ود دكين للتعريف به :
عملتي حسابو ضيفك وكرموا وجبتيه
يخجل كان سألتي وإسمو ما عرفتيهو
إسم شيخ العرب سامعابو ما شفتيه
ده خريف البطانه الفيها مالوا مشارك
هيلوا السارحه هيلوا الصاهله هيلوا البارك ما وقع ليك كلامي ساكته لي شنو خبارك فخرك ود دكين جاك في فريقك زارك
تداعت أيضا ً صولات وجولات الطيب ود ضحوية ورفيقه طه الضرير ومشاويرهم مع الهمبتة والهمباتة .
اما مسدار الصيد للحردلو شاعر البطانة الفحل ، فكنت كأني أراه بين الكثبان وبين تجمعات الشجيرات المتناثرة فقد كان الوقت خواتيم الخريف وتباشير فصل الشتاء:
الشم خوخت بردن ليالي الحرة
والبراق برق من منا جاب القرة
شوف عيني الصقير بي جناحو كفت الفرة
تلقاها ام خدود الليلة مرقت بره
تعرف لي مشاهد الرقاد والفرة
فلاخ المصب بيه بتبين تِتْورَّا
فوق حيا فوق محل من الصعيد منجرة
شاحد الله الكريم ما تلقي فيه مضرة
أب عراق فتق قرنو المبادر شرا
الباشندي عمت مهشيشب الدرة
من النقرة كل حين فوق عيلو منصرة
ها الايام محاريها القليعة ام غرة
قدمت من هنا وبي أضانا سمعت كرَّة
فوق كرتوت شخيتيراً تِخَيِّن خرَّ
قلاتو الوهاط بي لشغة قبل ام حرَّة
يا باسط النعم تسقيها في ها المرَّة
جاهن منقلب وقتاً عصير وشفاف
وكاسب ليلو بيهن من صدف ماخاف
ديل الطبعهن دايم الأبد عياف
وفي نايط السروج لقين بقيلاً جاف
حجار المزار المن بعيد بنشاف
جرَّن فوقو اللي التعفر عاف
من عند المضيق مرقن هناك بسناف
ديل قسين على القوي والمتلنا ضعاف
لونن من بعيد متل البليلي نضاف
حُرْد ومعصرات من شبة الأكتاف
لي الناس البغنولن يجروا القاف
ماليات الخشم من كامل الأوصاف
قبل الوصول إاليها كنت أتصور أن حلفا الجديدة وخشم القربة هما إسمان لبقعة جغرافية واحدة ووجدتها أحد أضلاع المثلث الخزان والمصنع والمدينة . حلفا الجديدة تتلقى شريان حياتها الإقتصادي من خزان خشم القربة عبر مشروع مؤسسة حلفا الزراعية والتي تفوقت في أنتاج القمح والسكر ، في حين تتلقى مصدر الطاقة بالكامل من مصنع السكر صاحب الإنتاجية العالية والمنتجات المبتكرة . وجدت حلفا مدينة النظام والرخاء والوفرة قد تصل لحد التخمة في حين كانت المدن الكبرى الأخرى تكابد المشقة وشظف العيش وإنعدام السلع .
وصلنا المصنع بعيد منتصف النهار فابى زميلنا الباشمهندس محمد خير مختار ألا ّ ان يستضيفنا في منزله العامر الفخيم بحديقته الغناء وغرفه الفسيحة وتولى تعريفي بالأهل في مدينة حلفا بشرى حمد حميدة في إدارة مؤسسة حلفا الجديدة الزراعية وزوجته عالية أحمد مصطفى أبوريدة وفي مدينة المصنع العم سعد سليمان صاحب البقالة الراقية التي تعج بكافة أصناف البضائع والمعلبات إستجابة ً لمتطلبات موظفي المصنع وزواره من المواطنين والأجانب على حد ٍ سواء . لا غرو فقد نقل العم سعد لحلفا الجديدة تجربته التجارية في مدينة "تسني" و عبر الحدود مع أرتريا والتي إبتعد عنها بعد أن إتهمته السلطات الأثيوبية بمساعدة ثوار أرتريا.
إضافة ً للبقالة التي كان يديرها جلال وحسبو بكفاءة عالية ، إشتهر العم سعد كتاجر جملة على نطاق واسع في المنطقة خاصة في مجال التمور إ ذ كان هو مركز الإستقبال للعجوة العراقية المفضلة لأهل الشرق .
كان العم سعد على علاقة متميزة مع إدارة مصنع السكر ومؤسسة حلفا الجديدة الزراعية وإدارة خزان خشم القربة وطافة الجهات الحكومية كما كان له تواصل مع جل زعماء عشائر البطانة من شكرية وبطاحين وهوسا وبني عامر وفلاتة .
كان العم سعد يحرص على جمع الأهل في منزله كل يوم جمعة فكانت فرصة ً طيبة ً لي أن ألتقي بطيف ٍ واسع ٍ من الأهل وأن أكتسب معارف وخبرات حياتية جديدة .
لم يكتفي الباشمهندس محمد خير مختار بتعريفي بالأهل في منطقة حلفا بل تولى لا حقا ً تعريفي بأهلنا آ ل ياسين عند زيارتي له في سقادي شرق .
امسياتنا كان يعطرها لفيف من الزوار على رأسهم الأستاذ عبد المحمود أحمد عبد المحمود مدير مدارس البنين ( شقيق الدكتورة فاطمة عبد المحمود) كان يتحفنا بسيلٍ من ذكرياته في ربوع السودان خاصة ً منطقة كادقلي . كما تشنف أسماعنا معزوفات موسيقية رفيعة منها سمفونيات بيتهوفن أعادت لنا ذكريات حفلات الفرق الموسيقية الأجنبية الزائرة في قاعة الإمتحانات بجامعة الخرطوم .
عند وصول عائلته ، انتقلنا من منزل محمد خير إلى ميز المهندسين وعرفنا فيه على كوكبة نيّرة ضمت ابراهيم عجباني ، عبد الله التوم ، شريف عبد القادر ، ابوزيد ، عبد المنعم محمد علي ، محمد الفاتح ، بكري سيد أحمد ، الريح عبد الخير ، مصطفى كاكوم ، كما كان من زوار الميز الدائمين أبوقصيصة ، عبد المحمود أحمد عبد المحمود ، فاروق النص ، عثمان الشيخ ، واحمد عباس وعبد الواحد ولكن جنقا كبير طهاة الميز كان بلا منازع نجم الفكاهة وحبيب الجميع غلى إختلاف أذواقهم .
مجالس مصانع السكر دائما ً عامرة بالظرفاء ففي حلفا كان ابراهيم عجباني وفي كنانة معاوية بدوي وعبدالله الأمين وفي سنار النعيم الأمين .
ضحى اليوم الأول لوصولنا تم ترتيب لقاء لنا مع مدير عام المصنع المهندس محمد أحمد حسن الشيخ السائح ، رحب بنا في المصنع وقدم لنا توجيهات قيمة في كيفية الإستفادة من البرنامج العملي . إجتمعت لديه اللباقة والمهارة العلمية والأسلوب الإداري الحديث . وجدنا لديه إلماما ًومعرفة واسعة بمشروع كنانة وصناعة السكر في السودان .
من إبتكاراته عقد لقاءات للإدراة العليا مساءا ًبمنزله لمناقشة سبل ترقية العمل وتذليل الصعاب وعدم ترك الأمور للقنوات الروتينية الجامدة . وكان نتاج ذاك أن المصنع كان يتجاوز طاقته التصميمية التي كانت تبلع ستون ألف طن في الموسم . كان دولاب العمل يسير بتناغم كبير بين الإدارات فلم يشهد الموسم شحا ً في المواد الكيميائية اللازمة لبياض السكر أو مواد التعبئة او الوقود اللازم لإنتاج البخار وتشغيل معدات الحصاد .
إدارة كنانة كانت حريصة جدا ً على الإشراف والمتابعة المستمرة ، فقبيل وصولنا لحلفا، قامت إدارة الشركة بتكليف المهندس فاروق النص مدير عمليات الإنتاج بالإشراف عليناأنا وزميلي محمد علي سليمان وكتابة تقارير دورية كما فوضت الإدارة المالية بصرف مستحقاتنا المالية من خزينة المصنع خصما ً عليها .
كنت حضورا ً مع لفيف من الزملاء في محكمة حلفا الجديدة لحضور القضية المرفوعة ضد زميلنا عبد الله التوم . ملخص القضية أن المفتش الزراعي عبد الله التوم دهس أحد أبناء السكان أثناء تجواله بالغيط إتهمه ذوي المجني عليه بالقيادة بإهنال والسرعة الزائدة وتمت إستجوابات عديدة لعمال الغيط ومساعدي المفتشين . كان الحضور كبيرا ًمن جانب أسرة المجني عليه ومن جانب موظفي المصنع .اذكر أن القاضي سأل والد الفقيد إن كان يريد العفو فرد قائلا ً "أنا أريد العفو ؤلكن أخوتي لا يقبلون ذلك"
كانت المرة الأولى التي أسمع عن "أبورنات" بعد أن إستشهد القاضي بمقولته عن شوارع السودان . حكم القاضي بالبرءاة وعدنا في تظاهرة فرح كبيرة مع صديقنا للمصنع في ختام الشهر الأول توجهنا لصراف المصنع لإستلام مستحقاتنا المالية فوجدنا جمعا ً من الناس امام شباك مكتبه فنادانا ( بصوت ٍ يسمعه الجميع ) قائلا ً " إما ان ان اصرف لكما أو أن أصرف لكل هؤلاء " . اخترنا طبعا ً أن يصرف لكل أولائك ونعود نحن في وقت ٍآخر .
في إحدى رحلات العودة للخرطوم كان يجلس بجانبت في المقعد الأخير في البص شخص عر َّف نفسه بأنه بروفيسور علم إجتماع في إحدى جامعات فلوريدا بالولايات المتحدة ، جاء لحلفا الجديدة مع أحد طلابه للدراسات العليا لتكملة بحث عن حلفا الجديدة بإعتبارها من افضل مشروعات أعادة التو طين في العالم.
بعد مشاهداتي للحياة البرية وتنوعها في البطانة ، شاهدت في سينما حلفا الجديدة قيلم "عرس الزين" للمخرج الكويتي خالد الصديق ، الفيلم من بطولة علي مهدي، تحية زروق . قصة الفيلم مستمدة من رواية عبقري الرواية العربية "الطيب صالح" بنفس الاسم الفيلم استغرق عرضه حوالي الساعة والنصف . كان الزحام شديدا ً عند مدخل السينما ولكن النظام كان دقيقا ً ويُحظى بالإحترام من الجميع ، كان واضحا ً أن جمهور حلفا الجديدة يغلب عليه أهل السلوك الراقي ، ولا حظت ذلك في سلولكهم تجاه الزبائن في المتاجر خاصة ً الدكتور "وردي" صاحب صيدلية "وردي" .
سوق حلفا الجديدة كان غاية في النظافة مبني على طراز حديث موحد وتتوسطه فسحة كبيرة تجعل الوصول للمحلات ميسرا ً كما تتيح سرعة التدخل في الحالات الطارئة كما أن هناك مجال واسع لخطط التوسعة المستقبلية . به مكتب للخطوط الجوية السودانية والتي عدت على متن إحدى رحلاتها الرفيعة المستوى للخرطوم عبر مدينة كسلا، كما أن السوق به مكتبة كبيرة ومطاعم متنوعة على مستوى عال ٍ من الخدمة .
زرت في معية الزملاء خزان خشم القربة والتقينا بكوكبةٍ طيبةٍ من المهندسين الخبراء التابعين لوزارة الري . قدموا لنا شرحا ً وافيا ً عن نشأة الخزان ودوره في النهضة الزراعية إذ أن هدفه الأساسي الري وليس التوليد الكهربائي .
خزان خشم القربة هو أول محاولة للإستفادة الفعّالة من مياه نهر عطبرة الموسمي والتي شاهدناها تدمر كثير من القرى غلى الجانبين قبيل أن تصب في مجرى النيل الرئيسي في مقرن عطبرة في حين يتحول مجرى النهر إلى مستنقعات متناثرة في فصل الشتاء. خزان خشم القربة يبدو صغيرا ً بالمقارنة مع خزان سنار الذي زرته أثناء زيارتي لمصنع سكر سنار .
أثبت مصنع حلفا أن صناعة السكر هي نواة ً لتجمع سكاني كبير ونهضة إجتماعية رائدة قبل أن يكون ومشروعا ً ذو عائد إقتصادي فقط . مصنع حلفا توظيف فعتَال لمياه نهرعطبرة لتوليد الطاقة وإستخراج خيرات الأرض الكامنة والتأكيد غلى الميزة النسبيىة للسودان لإنتاج السكر ومشتقاته . فصناعة السكر تشكل مدخلا ً هاما ًلصناعات ٍ شتى منها العسل الذهبي والعسل الأسود والورق ووقود السيارات وأنواع الحلوى والعلف الطبيعي والغازوهول أو الوقود الأخضر كانت فترتي في حلفا من الأيام النضرات ، عملت فيها أبحاث قيمة ودراست عديدة واكتسبت مهارات رفيعة فصناعة السكر فيها من تطبيقات الهندسة ومعداتها ما لا يوجد في سواها . عملت أبحاث عن ميكنة الحصاد ورفع كفاءة أجهزة الطرد المركزي وطرق إزالة الألوان من السكر الخام ومجالات أخرى . كانت إستفادتي كبيرة من تجهيزات ضبط الجودة والمراجع العلمية والدوريات وسجل الأبحاث السابقة في المصنع . كما تعلمت كثيرا ً من الخبرات للمهندسين وكبار الفنيين في مختلف الأقسام .
وتعرفت في فيها على إخوة أفاضل وبقعة غالية من بقاع الوطن الحبيب .
ودّ عت حلفا ولكنها بقيت في الذاكرة وبقيت سيرة أهلها العطرة زادا ً في شعاب الحياة .
ودعتها وقد استبشرت بالغد الزاهر على ترابها بما حباها الله به من كنوز فقد كان مشروعها قابلا ً للتوسع رأسيا ً وأفقيا ً دون عناء كبير ، علينا فقط أن نشمر ساعد الجد لإستثمارها بعد عقدين من الزمان من السكون فلا نهضة لمن لا يعمل :
لا تُحبطن َّ وتهدر جهدك الغالي إنَّ الموارد فيها الغث ُّوالغالي
تسعى لمجد ٍ عزيز ٍ أنتَ تطلبه ُ وما بذلت له المكنون والغالي
فما بلغت َ مقاما ً أنت َ تقصده ُ وما ظفرت َ بطيب النفس ِوالبال ِ
لا تياسن َّ ففي الأزمان ِ متَّسع ٌ لكل طالب مجد ٍ باسق ٍعالي
شمِّر وأبذل للعلا جُهد اً لا يخدعنَّك حسن الظن ِّ والفال ِ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.