من المؤكد أن مفهوم الحرية كان وما زال يثير فوضى فكرية عارمة في ذهن زعتر ويسبب له اضطراباً فلسفياً مزمناً لا يمكن معالجته بالكبسولات التوفيقية ولا بحقن التطرف القادم من اقصى اليمين أو أقصى اليسار ، لهذا وذاك ظل زعتر متورطاً في معركة فكرية دائمة مع مفهوم الحرية ذلك المفهوم الضبابي الدائم التفلت والذي يأبى الاحتكام للمنطق ويرفض الخضوع لطبيعة الأشياء! حينما كان زعتر يافعاً ، كانت بلاده خاضعة للاحتلال الأجنبي وعندها سمع زعتر أن الحرية تعني " تحرير الوطن من الاستعمار وانتزاع كامل السيادة الوطنية عبر كافة وسائل النضال بما في ذلك الكفاح المسلح" في ذلك الوقت توصل زعتر إلى استناج نهائي وهو استحالة أن يكون الإنسان حراً بينما يرزح وطنه تحت الاحتلال الأجنبي! عندما أصبح زعتر شاباً وتحرر وطنه من نير الاستعمار ، تسلطت على البلد حكومة وطنية جائرة ، وعندها تحور معنى الحرية عند زعتر وصار يعني" التخلص من الاستبداد الوطني وتحقيق الديموقراطية بشتى طرق النضال بما في ذلك الثورة الشعبية"! لما اعتقل زعتر والقى به في غياهب السجن ، وجد تعريفاً جديداً للحرية داخل السجن وهو "حق الانسان المسجون في الحصول على بعض الامتيازات الصغيرة مثل شم الهواء وممارسة الرياضة والاختلاط بالسجناء الآخرين! لما هاجر زعتر إلى إحدى دول الغرب وتزوج أجنبية بغرض الحصول على الجنسية الأوربية تغير تعريفه للحرية فصار يعني "حق الانسان في تغيير جنسيته بشتى الوسائل بما في ذلك حق الزواج من خارج الملة"! حينما عاش زعتر في بلاد الغرب انبهر بمفهوم الحرية الغربي القائم على مبدأ "دعه يعمل دعه يمر" فأصبح معنى الحرية هو " حق الانسان في فعل ما يشاء دون أي تدخل من قبل المجتمع أو الدولة" ! لما صار زعتر أباً وأصبح أولاده في طور المراهقة ، حاول تعريف الحرية الغربية بالمفهوم الشرقي فتوصل إلى تعريف هجين مفاده " الحرية هي تعبير عن نزعة فطرية إنسانية ويجب أن تمارس ضمن ضوابط اجتماعية مقررة سلفاً حتى لا تتحول إلى فوضى"! وعندما حاول زعتر فرض المفهوم الهجين للحرية على أولاده فوجيء باقتحام السلطات الاوربية لحياته العائلية بحجة حماية حرية الأولاد من استبداده الشخصي! حينما شاخ زعتر واصيب بداء عضال ، راح يتساءل مغمغماً : هل يطير الطائر في السماء بحرية لأنه يحلق فيها كما يشاء أم أنه ليس حراً بأي حال من الأحوال لأن جاذبية الأرض ستعيده إليها حياً أو ميتاً في نهاية المطاف؟! وهل الجاذبية نفسها حرة في جذب الناس والأشياء إليها أم أنها أيضاً مرغمة على فعل ذلك؟! ثم راح آخر تعريف غربي للحرية يرن في ذهنه وهو " حق الإنسان في إنهاء حياته إذا لزم الأمر دون أي تدخل من قبل الدولة أو المجتمع! فيصل علي سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر [email protected]