منظمة من أجل السودان تدعم القطاع الصحي بمعدات طبية بقيمة مليون دولار    شاهد بالفيديو.. "فك العرش".. العريس أحمد العربي يرقص بطريقة مثيرة في حفل زفافه على أنغام (خليهم يقولوا كتير الناس بقولوا) وساخرون: (عاوز يمرق لكن الإعلامي الجواه حاميه)    شاهد بالصورة والفيديو.. مواطن سوداني للبرهان: (إن الله إذا أحب عبداً حبب الخلق فيه رغم عن أنوفهم وأمضي ربنا بحبك ونحنا معاك والشعب كله معاك)    الهجرة الدولية: نزوح 1730 شخصاً من المزروب وأبوقمرة    أسعار الذهب إلى أين؟    ريجيكامب… بين الغموض والاختبار الحقيقي!    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي "تفضح" الراقص الشعبي "عكرمة" خلال حفل بالقاهرة    الشمالية تدشن قافلة لإعمار الخرطوم    بعد 6 أسابيع.. ديمبلي يخفف أزمة إنريكي    مباحث ولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    مباحث ولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي "تفضح" الراقص الشعبي "عكرمة" خلال حفل بالقاهرة    بعد أدائه القسم في «الشيوخ».. ياسر جلال يستعين ب مشهد كوميدي ل «مرجان أحمد مرجان»    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    شاهد بالفيديو.. الزعيم السياسي مصلح نصار عن علاقته القوية برئيس مجلس السيادة: (البرهان زي الدنيا ولا أشك في وطنية حميدتي)    عرض قدمه بوتين لترامب.. "إنهاء حرب أوكرانيا مقابل هذا الطلب"    ميسي يسجل هاتريك ويتوج ب"الحذاء الذهبي"    جواز السفر لم يعد حلما.. أميركيون يتخلون عن جنسيتهم    وزير سوداني يكشف عن خسائر كبيرة للميليشيا    الطاهر ساتي يكتب: من يرُيد سلاماً..!!    التوقف الدولي وغرف الإنعاش    المسابقات تعاقب التحرير وتعتبره خاسراً أمام النيل وتوقف لاعبه لمدة عام    شاهد بالصور والفيديو.. بعد توقف دام لأكثر من عامين.. مطار الخرطوم يعود رسمياً للعمل ويستقبل أول طائرات ركاب    بالصورة.. الفنانة رؤى محمد نعيم تفاجئ الجميع وتلمح لإعتزال الفن (ربنا يسخر لى أي عمل أو شغل غير الوسط الفنى قولوا آمين)    وزير الخارجية المصري: ننسق مع السعودية لإنهاء الحرب في السودان بسرعة    رحيل ليونيل ميسي فجّر أزمة "ركلات حرة" في برشلونة    فينيسيوس يقتحم قائمة الأغنياء خلف رونالدو وميسي    حكومة الجزيرة تدعم مركز القلب بمدني بمولد كهربائي 550 KV    الوجه المظلم للأدوات الرقمية في العمل    الرئيس التركي: الصراع في السودان"يؤلمنا بشدّة"    القبض على الفنانة عشة الجبل    الذهب السوداني.. لوبيات تتحكم وسلطة خانعة    محافظ بنك السودان المركزي تلتقي مديري عموم المصارف وتؤكد على الإصلاح المؤسسي واستقرار النظام المصرفي    إيقاف جميع التعاملات النقدية في ولاية سودانية    تطوّرات مثيرة في جوبا بشأن"رياك مشار"    ولاية الجزيرة تُصدر قرارًا بإيقاف التعاملات النقدية وتفعيل التحصيل والسداد الإلكتروني    هل يصل الذهب إلى 100 ألف دولار؟    "الصمت الرقمي".. ماذا يقول علماء النفس عن التصفح دون تفاعل؟    شريف الفحيل: تهديد جمال فرفور سبب مغادرتي السودان وتقديمي اللجوء في كندا    رحيل علي «كايرو».. نهاية حكاية فنان أثار الجدل وكسب القلوب    محل اتهام!!    بنك الخرطوم يعيد تشغيل فرع الكلاكلة: إيذانًا بعودة الحياة الاقتصادية    وفاة صحفي سوداني    لجنة أمن ولاية نهر النيل: القبض على مطلق النار بمستشفى عطبرة والحادثة عرضية    شاهد بالفيديو.. الفنانة هبة جبرة تهاجم الناشطة "ماما كوكي": (تسببتي في طلاقي وخربتي بيتي..ما تعمليني موضوع وتلوكيني لبانة وشريف الفحيل دفعتي)    هكذا جرت أكاذيب رئيس الوزراء!    جريمة اغتصاب "طفلة" تهز "الأبيض"    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    وزير الصحة يشارك في تدشين الإطار الإقليمي للقضاء على التهاب السحايا بحلول عام 2030    حادث مرورى لوفد الشباب والرياضة    عملية أمنية محكمة في السودان تسفر عن ضبطية خطيرة    السودان..محكمة تفصل في البلاغ"2926″    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    الاقصاء: آفة العقل السياسي السوداني    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة إلى أبي، غابرييل غارسيا ماركيز .. بقلم: رودريغو ماركيز، مخرج سينمائي .. تعريب: احمد المكاشفي
نشر في سودانيل يوم 16 - 08 - 2020

منذ ان ترحلتَ عن دنيانا قبل ست سنوات ظل حال البشر الى حد كبير مثلما كان دائمًا: قسوة مذهلة الى حد الابداع، وتضحية تلامس في سُموِّها عنان السحاب، وألوان من السلوك بين ذلك كثيرا.
شيء واحد جديد حدث بعد وفاتك يا ابي: جائحة كرونا. نشأ هذا الوباء، على حد علمنا، في سوق للمواد الغذائية حيث قفز الفيروس من أحد الحيوانات إلى إنسان. خطوة صغيرة واحدة لفيروس صغير، لكنها قفزة كبيرة من نوعها. لقد تطور هذا الفيروس خلال آباد زمنية تفوق الحصر، عبر آلية الانتقاء الطبيعي، ليصبحَ ذلك الوحش الصغير الضاريء الذي ترتعد منه فرائص العالم اليوم. لكن ليس من العدل أن أشير إلى هذا الفيروس بمثل هذه الاوصاف، وأنا آسف إذا كانت كلماتي قد أساءت إليه. فهو في الواقع لا يُضْمِر مشاعر سيئة تجاهنا. بل ان كل ما يفعله هو انه يأخذ ويأخذ، لأنه يستطيع، وبين البشر وفيروس الكرونا وجه شبه في هذا الجانب، ليس في ذلك شك.
لا يمر يوم دون ان أرى او اسمع فيه إشارة إلى روايتك "الحب في زمن الكوليرا"، أو إلى روايتك الاخرى "مائة عام من العزلة". من المستحيل عدم التكهن بما كنتَ ستخرج به من كل هذه الاحداث التي افرزتها الجائحة. لقد كنتَ دائمًا مفتونًا بالأوبئة، الحقيقي منها والمُتَخيّل، وكذلك بالأشياء والأشخاص الذين يعودون.
لم تكن قد وُلِدتَ بعد عندما اجتاح وباء الإنفلونزا الإسبانية العالم، لكنك نشأتَ في بيت كان عامراً بالحكي، ولا بد أن الطاعون، مثل الأشباح والندم، كان بمثابة مادة أدبية جيدة وخصبة. كنتَ تُحدِّث ان الناس كانوا عندما يذكرون أحداث الماضي البعيد كانوا يقولون إنها وقعت في أيام المُذَنّب، وهي على الأرجح إشارة إلى مرور مذنب هالي في أوائل القرن العشرين. مازلتُ أذكر كم كنتَ متشوقًا لرؤية هالي بأمِّ عينيك عندما عاود الظهور في نهاية الألفية. رؤية المُذَنّب ملأتك بالدهشة؛ شدَّك جداً ذلك المشهد الكوني الغامض والصامت الذي يلوح في سماء كوكبنا مرة كل 76 سنة، وهي مدة تقارب حياة الانسان على ظهر هذه البسيطة. وكُنتَ تتساءل: هل حدوث هذه الظاهرة هو مجرد صدفة؟ هل هو ذرء للرماد في العيون مرة أخرى، ربما؟ لقد كنتَ ملحدًا فيما اعلم، لكنك كنتَ ايضا تقول إنه لا يُعْقَلُ الا توجد قوة كبرى محركة للكون والحياة، اتذكر ذلك؟ على كل حال ربما انك الآن أبصر منّي بحقيقة هذا الامر.
الوباء العام يعود. يحدث هذا برغم الخطوات الكبيرة التي مشاها الجنس البشري في دروب العلوم والتقنية. اليس عجيباً، مع كل هذا التقدم، ان يكون الانحباس في الدُور هو أفضل دفاع لدينا في وجه الوباء! الاختباء في الكهوف من الوحش المفترس! إنها لحظة لإظهار التواضع والإقرار بقلة الحول لأولئك الذين لديهم على الأقل بعض القابلية للتواضع. أما في نظر الذين يعوزهم هذا الاستعداد للتواضع فإن هذا الوباء شيء مزعج لابد من سحقه والقضاء عليه.
دولتان عزيزتان عليك حبيبتان لقلبك، اسبانيا وإيطاليا، كانتا من بين المناطق الأكثر تضرراً بالجائحة. بعض أصدقائك القدامى يتخندقون في عقر بيوتهم في برشلونة ومدريد وميلانو وغيرها من المدن التي كنتَ انت والوالدة تترددان عليها كثيراً وعلى مدى عقود. لقد سمعتُ العديد من الأشخاص من هذا الجيل يقولون إنهم مصممون على تجنب الموت بسبب الكورونا بعد عقود من البقاء على قيد الحياة برغم امراض السرطان والطُغاة والوظائف والمسؤولية والزواج.
ليس الموت بفعل الكرونا فقط هو الذي يخيف المرء، بل الظروف التي تكتنف هذا الموت: خروج نهائي من الحياة بدون وداع، وبحضرة غرباء يرتدون زي كائنات فضائية، وعلى وقع هدير آلاتٍ لا قلب لها ولا عاطفة، ومُحاطاً بأشخاص آخرين في مواقف مماثلة، ولكن بعيدًا عن الاهل والاحباب، وجهاً لوجه مع اكبر مخاوفك: العُزلة.
لقد كنتَ تتحدث كثيراً عن كتاب دانيال ديفو "A Journal of the Plague Year" كأحد أعظم الكتب التي تأثرتَ بها، ولكنني، حتى أمس القريب، كنتُ قد نسيتُ أنه حتى الرواية المفضلة لديك "Oedipus Rex" كانت تدور حول جهودِ ملِكٍ في محاربة طاعون اجتاح مملكته. لطالما كانت المفارقة المأساوية لمصير ذلك الملك في طليعة ذكرياتي، إلا ان الطاعون هو الذي أطلق العِنان للقوى التي عجلت بنهايته. لقد قلتَ ذات مرة إنّ الهاجس الذي يتملكنا بشأن الأوبية العامة هو أنها تذكرنا بمصائرنا الشخصية. فبرغم الاحتياطات والرعاية الطبية والعمر والثروة، يمكن لأي شخص ان يموت بفعل الجائحة. فلا عجب اذن ان المصير والموت هما من الموضوعات الأثيرة لدى الكثير من الكُتّاب.
أعتقد أنك لو كُنتَ معنا الآن، لكنتَ، كما كان شأنك دائمًا: مفتونًا بالإنسان. كُنتَ ستُشفق على ضعفنا، ستتعجب من ترابطنا، وتحزن من هول المعاناة، وتغضب من قسوة بعض القادة، وتنفعِل ببطولة المرابطين في الخطوط الأمامية؛ كُنتَ ستستمع باهتمام لقصص العشاق الذين تحدوا القيود التي افرزتها الجائحة ليكونوا معًا ولو اقتضى ذلك تعرضهم لخطر الموت. والأهم من ذلك كله، كُنتَ ستكون كما كنت دائمًا: محبوباً لكل الناس.
قبل بضعة أسابيع، في الأيام القليلة الأولى لانعزالنا في المنزل، كُنتُ اجهدُ لفهم ما عسى أن يعنيه كل هذا، او على الأقل ما يمكن أن ينتج عنه. لكنني فشلت. فقد كان المشهد ضبابياً للغاية. بل حتى بعد أن تكيّفنا اكثر مع الوضع -- كما يحدث عادةً في النهاية حتى في الحروب الأكثر رعباً-- فإنني ما زلت غير قادر على فهم كل ما جرى ويجري بطريقة مُرضية.
يقطعُ كثيرون بأن الحياة لن تعود أبدًا كما كانت قبل الجائحة. من المحتمل أن يقوم البعض منا بإجراء تغييرات كبيرة في حياتهم، وسيجري المزيد منا بعض التغييرات، لكنني أميل الى الظن بأن القسم الاكبر من الناس سيعودون إلى عادتهم القديمة. لكن هذه الجائحة أثبتت بجلاء أن الحياة يمكن ان تختفي بطرق غير متوقعة، ولذا يجب أن نحرص على ان نُنفق أعمارنا القِصار بوعي وحذر لتحقيق اقصى فائدة ومتعة .
لقد بدأت القيود المفروضة على الحركة تخفُ في بعض الأماكن، وشيئًا فشيئًا سيحاول العالم العودة الى الحياة الطبيعية. إن حُلُم الخلاص الوشيك من براثن الوباء الرهيب جعل الكثيرين ينسون الوعود التي قطعوها مؤخرًا للآلهة، كما إن الدافع لتفهّم واستلهام تأثير الوباء في اغوار نفوسنا وعلى الانسانية بأكملها قد جعل يتضاءل، بل حتى الكثيرين منا ممن يتوقون لفهم ما حدث سوف يميلون إلى تفسيره بطريقة تُرضيهم. فهاهو التسوّق يهدد بالعودة بقوة ومن جديد كأبر مُخدِّرٍ مُفَضّلٍ لدينا.
ما زلتُ في الضباب. يبدو أنني مُضطرٌ الان إلى انتظار المبدعين --الموجودين الان والذين سيأتون في المستقبل -- ليعينونني على استيعاب التجربة المشتركة التي افرزتها الجائحة. إنني أتطلع إلى ذلك اليوم. إن من شأن أغنية أو قصيدة أو فيلم أو رواية تتفتق عنها عقول هؤلاء المبدعين ان تضعَ قدميّ أخيرًا على الطريق الى حيث تختبيء أفكاري ومشاعري حول هذا الأمر برمته. وحين أصل إلى هناك، فأنا متأكد من أنه سيظلُ مُتَعَيَّنَاً عليّ القيامُ ببعض التنقيب بنفسي.
في غضون ذلك، يمضي كوكب الارض في دورانه الابدي، وتبقى الحياة كما كانت: غامضةً وقويةً ومذهلةً. وكما كُنتَ تقول بشاعرية كثيفة: لا أحد يعلِّم الحياة أيَّ شيء!
ابنك: رودريغو
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.