غموض حول مدينة بابنوسة..خبير عسكري يكشف المثير    إصابات وسط اللاعبين..بعثة منتخب في السودان تتعرّض لعملية نهب مسلّح    برمجة دوري الدرجة الثالثة المنطقة الشمالية بكوستي    اتحاد الخرطوم يعتمد لجنة تسيير لنادي أركويت    في البدء كانت الكلمة    حكاية    "يارحمن" تعيد الفنانة نانسي عجاج إلى القمة.. أغنية تهز مشاعر السودانيين    حرب مفروضة وهُدنة مرفوضة!    البرهان : وجود الإخوان في الجيش ادعاءات كاذبة    تنويه عاجل لهيئة مياه الخرطوم    توضيح روسي بشأن بناء قاعدة عسكرية في السودان    تفاصيل مرعبة بشأن"الانفجار الضخم" في نيالا    كامل إدريس يوجه برفع كفاءة قطاع التعدين    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان عثمان بشة يدعم صقور الجديان بأغنية جديدة    شاهد بالفيديو.. الفنانة ريماز ميرغني تغني في "حنة" زواجها "السمحة يا نوارة فريقنا" والجمهور يبارك: (ربنا يسعدك يا محترمة)    طريقة فعّالة لمحاربة الرغبة بتناول الحلويات والوجبات السريعة    باحث أميركي يكشف تفاصيل مرعبة عن قصة سقوط مدينة الفاشر    ثنائية مبابي بمرمى بيلباو تنهي معاناة ريال مدريد في "الليغا"    شاهد بالصورة والفيديو.. جمهور مواقع التواصل بالسودان يحتفي ويتغنى ببسالة ورجولة مدافع المنتخب "إرنق" في إحتكاك مع مهاجم المنتخب الجزائري بعدما قام بالتمثيل    شاهد.. سعد الكابلي ينشر صورة رومانسية مع زوجته "كادي" بعد حفل زواجهم الأسطوري ويتغزل في أم الدنيا: (مصر يا أخت بلادي يا شقيقةْ)    شاهد بالفيديو.. معلق مباراة السودان والجزائر: (علقت على مباريات كبيرة في كأس العالم وما شاهدته من الجمهور السوداني لم أشاهده طيلة حياتي)    شاهد بالصورة.. عرسان الموسم "سعد وكادي" يغادران مصر في طريقهما لأمريكا بعد أن أقاما حفل زواج أسطوري بالقاهرة    شاهد بالصورة والفيديو.. الخبراء بالأستوديو التحليلي لمباراة السودان والجزائر يجمعون على وجود ضربة جزاء صحيحة لصقور الجديان ويعبرون عن استغرابهم الشديد: (لماذا لم يرجع الحكم المصري للفار؟)    تصريحات ترامب المسيئة للصومال تثير غضبا واسعا في مقديشو    قرار عاجل لرئيس الوزراء السوداني    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    دراسات: انخفاض ضوء الشتاء يغيّر نمط النوم    كم مرة يجب أن تقيس ضغط دمك في المنزل؟    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    إدارة ترامب توقف رسميا إجراءات الهجرة والتجنيس من 19 دولة    إدارة التعدين بولاية كسلا تضبط (588) جرام و (8) حبات ذهب معدة للبيع خارج القنوات الرسمية    الخرطوم تعيد افتتاح أسواق البيع المخفض    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    شبان بريطانيا يلجأون للمهن الحرفية هربا من الذكاء الاصطناعي    الأمين العام للأمم المتحدة: صراع غزة الأكثر دموية للصحفيين منذ عقود    بشكلٍ كاملٍ..مياه الخرطوم تعلن إيقاف محطة سوبا    فيلم ملكة القطن السوداني يحصد جائزة الجمهور    إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والمواد الخطرة بنهر النيل    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    العطش يضرب القسم الشمالي، والمزارعون يتجهون للاعتصام    إخطار جديد للميليشيا ومهلة لأسبوع واحد..ماذا هناك؟    إحباط تهريب أكثر من (18) كيلوجرامًا من الذهب في عملية نوعية    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    إحباط تهريب أكثر من (18) كيلوجرامًا من الذهب في عملية نوعية    بالصورة.. مذيعة سودانية كانت تقيم في لبنان: (أعتقد والله اعلم إن أنا اكتر انسان اتسأل حشجع مين باعتبار اني جاسوسة مدسوسة على الاتنين) والجمهور يسخر: (هاردلك يا نانسي عجرم)    وصول 260 ألف جوال من الأسمدة لزراعة محاصيل العروة الشتوية بالجزيرة    شاهد بالفيديو.. التيكتوكر المثيرة للجدل سماح عبد الله تسخر من الناشطة رانيا الخضر والمذيعة تغريد الخواض: (أعمارهن فوق الخمسين وأطالبهن بالحشمة بعد هذا العمر)    شاهد بالصورة والفيديو.. بثوب فخم ورقصات مثيرة.. السلطانة تشعل حفل غنائي بالقاهرة على أنغام "منايا ليك ما وقف" والجمهور يتغزل: (كل ما نقول نتوب هدى عربي تغير التوب)    مصر.. تحذيرات بعد إعلان ترامب حول الإخوان المسلمين    شاهد.. بعبارة "كم شدة كشفت معادن أهلها" صورة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تزين شوارع العاصمة السودانية الخرطوم    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة إلى أبي، غابرييل غارسيا ماركيز .. بقلم: رودريغو ماركيز، مخرج سينمائي .. تعريب: احمد المكاشفي
نشر في سودانيل يوم 16 - 08 - 2020

منذ ان ترحلتَ عن دنيانا قبل ست سنوات ظل حال البشر الى حد كبير مثلما كان دائمًا: قسوة مذهلة الى حد الابداع، وتضحية تلامس في سُموِّها عنان السحاب، وألوان من السلوك بين ذلك كثيرا.
شيء واحد جديد حدث بعد وفاتك يا ابي: جائحة كرونا. نشأ هذا الوباء، على حد علمنا، في سوق للمواد الغذائية حيث قفز الفيروس من أحد الحيوانات إلى إنسان. خطوة صغيرة واحدة لفيروس صغير، لكنها قفزة كبيرة من نوعها. لقد تطور هذا الفيروس خلال آباد زمنية تفوق الحصر، عبر آلية الانتقاء الطبيعي، ليصبحَ ذلك الوحش الصغير الضاريء الذي ترتعد منه فرائص العالم اليوم. لكن ليس من العدل أن أشير إلى هذا الفيروس بمثل هذه الاوصاف، وأنا آسف إذا كانت كلماتي قد أساءت إليه. فهو في الواقع لا يُضْمِر مشاعر سيئة تجاهنا. بل ان كل ما يفعله هو انه يأخذ ويأخذ، لأنه يستطيع، وبين البشر وفيروس الكرونا وجه شبه في هذا الجانب، ليس في ذلك شك.
لا يمر يوم دون ان أرى او اسمع فيه إشارة إلى روايتك "الحب في زمن الكوليرا"، أو إلى روايتك الاخرى "مائة عام من العزلة". من المستحيل عدم التكهن بما كنتَ ستخرج به من كل هذه الاحداث التي افرزتها الجائحة. لقد كنتَ دائمًا مفتونًا بالأوبئة، الحقيقي منها والمُتَخيّل، وكذلك بالأشياء والأشخاص الذين يعودون.
لم تكن قد وُلِدتَ بعد عندما اجتاح وباء الإنفلونزا الإسبانية العالم، لكنك نشأتَ في بيت كان عامراً بالحكي، ولا بد أن الطاعون، مثل الأشباح والندم، كان بمثابة مادة أدبية جيدة وخصبة. كنتَ تُحدِّث ان الناس كانوا عندما يذكرون أحداث الماضي البعيد كانوا يقولون إنها وقعت في أيام المُذَنّب، وهي على الأرجح إشارة إلى مرور مذنب هالي في أوائل القرن العشرين. مازلتُ أذكر كم كنتَ متشوقًا لرؤية هالي بأمِّ عينيك عندما عاود الظهور في نهاية الألفية. رؤية المُذَنّب ملأتك بالدهشة؛ شدَّك جداً ذلك المشهد الكوني الغامض والصامت الذي يلوح في سماء كوكبنا مرة كل 76 سنة، وهي مدة تقارب حياة الانسان على ظهر هذه البسيطة. وكُنتَ تتساءل: هل حدوث هذه الظاهرة هو مجرد صدفة؟ هل هو ذرء للرماد في العيون مرة أخرى، ربما؟ لقد كنتَ ملحدًا فيما اعلم، لكنك كنتَ ايضا تقول إنه لا يُعْقَلُ الا توجد قوة كبرى محركة للكون والحياة، اتذكر ذلك؟ على كل حال ربما انك الآن أبصر منّي بحقيقة هذا الامر.
الوباء العام يعود. يحدث هذا برغم الخطوات الكبيرة التي مشاها الجنس البشري في دروب العلوم والتقنية. اليس عجيباً، مع كل هذا التقدم، ان يكون الانحباس في الدُور هو أفضل دفاع لدينا في وجه الوباء! الاختباء في الكهوف من الوحش المفترس! إنها لحظة لإظهار التواضع والإقرار بقلة الحول لأولئك الذين لديهم على الأقل بعض القابلية للتواضع. أما في نظر الذين يعوزهم هذا الاستعداد للتواضع فإن هذا الوباء شيء مزعج لابد من سحقه والقضاء عليه.
دولتان عزيزتان عليك حبيبتان لقلبك، اسبانيا وإيطاليا، كانتا من بين المناطق الأكثر تضرراً بالجائحة. بعض أصدقائك القدامى يتخندقون في عقر بيوتهم في برشلونة ومدريد وميلانو وغيرها من المدن التي كنتَ انت والوالدة تترددان عليها كثيراً وعلى مدى عقود. لقد سمعتُ العديد من الأشخاص من هذا الجيل يقولون إنهم مصممون على تجنب الموت بسبب الكورونا بعد عقود من البقاء على قيد الحياة برغم امراض السرطان والطُغاة والوظائف والمسؤولية والزواج.
ليس الموت بفعل الكرونا فقط هو الذي يخيف المرء، بل الظروف التي تكتنف هذا الموت: خروج نهائي من الحياة بدون وداع، وبحضرة غرباء يرتدون زي كائنات فضائية، وعلى وقع هدير آلاتٍ لا قلب لها ولا عاطفة، ومُحاطاً بأشخاص آخرين في مواقف مماثلة، ولكن بعيدًا عن الاهل والاحباب، وجهاً لوجه مع اكبر مخاوفك: العُزلة.
لقد كنتَ تتحدث كثيراً عن كتاب دانيال ديفو "A Journal of the Plague Year" كأحد أعظم الكتب التي تأثرتَ بها، ولكنني، حتى أمس القريب، كنتُ قد نسيتُ أنه حتى الرواية المفضلة لديك "Oedipus Rex" كانت تدور حول جهودِ ملِكٍ في محاربة طاعون اجتاح مملكته. لطالما كانت المفارقة المأساوية لمصير ذلك الملك في طليعة ذكرياتي، إلا ان الطاعون هو الذي أطلق العِنان للقوى التي عجلت بنهايته. لقد قلتَ ذات مرة إنّ الهاجس الذي يتملكنا بشأن الأوبية العامة هو أنها تذكرنا بمصائرنا الشخصية. فبرغم الاحتياطات والرعاية الطبية والعمر والثروة، يمكن لأي شخص ان يموت بفعل الجائحة. فلا عجب اذن ان المصير والموت هما من الموضوعات الأثيرة لدى الكثير من الكُتّاب.
أعتقد أنك لو كُنتَ معنا الآن، لكنتَ، كما كان شأنك دائمًا: مفتونًا بالإنسان. كُنتَ ستُشفق على ضعفنا، ستتعجب من ترابطنا، وتحزن من هول المعاناة، وتغضب من قسوة بعض القادة، وتنفعِل ببطولة المرابطين في الخطوط الأمامية؛ كُنتَ ستستمع باهتمام لقصص العشاق الذين تحدوا القيود التي افرزتها الجائحة ليكونوا معًا ولو اقتضى ذلك تعرضهم لخطر الموت. والأهم من ذلك كله، كُنتَ ستكون كما كنت دائمًا: محبوباً لكل الناس.
قبل بضعة أسابيع، في الأيام القليلة الأولى لانعزالنا في المنزل، كُنتُ اجهدُ لفهم ما عسى أن يعنيه كل هذا، او على الأقل ما يمكن أن ينتج عنه. لكنني فشلت. فقد كان المشهد ضبابياً للغاية. بل حتى بعد أن تكيّفنا اكثر مع الوضع -- كما يحدث عادةً في النهاية حتى في الحروب الأكثر رعباً-- فإنني ما زلت غير قادر على فهم كل ما جرى ويجري بطريقة مُرضية.
يقطعُ كثيرون بأن الحياة لن تعود أبدًا كما كانت قبل الجائحة. من المحتمل أن يقوم البعض منا بإجراء تغييرات كبيرة في حياتهم، وسيجري المزيد منا بعض التغييرات، لكنني أميل الى الظن بأن القسم الاكبر من الناس سيعودون إلى عادتهم القديمة. لكن هذه الجائحة أثبتت بجلاء أن الحياة يمكن ان تختفي بطرق غير متوقعة، ولذا يجب أن نحرص على ان نُنفق أعمارنا القِصار بوعي وحذر لتحقيق اقصى فائدة ومتعة .
لقد بدأت القيود المفروضة على الحركة تخفُ في بعض الأماكن، وشيئًا فشيئًا سيحاول العالم العودة الى الحياة الطبيعية. إن حُلُم الخلاص الوشيك من براثن الوباء الرهيب جعل الكثيرين ينسون الوعود التي قطعوها مؤخرًا للآلهة، كما إن الدافع لتفهّم واستلهام تأثير الوباء في اغوار نفوسنا وعلى الانسانية بأكملها قد جعل يتضاءل، بل حتى الكثيرين منا ممن يتوقون لفهم ما حدث سوف يميلون إلى تفسيره بطريقة تُرضيهم. فهاهو التسوّق يهدد بالعودة بقوة ومن جديد كأبر مُخدِّرٍ مُفَضّلٍ لدينا.
ما زلتُ في الضباب. يبدو أنني مُضطرٌ الان إلى انتظار المبدعين --الموجودين الان والذين سيأتون في المستقبل -- ليعينونني على استيعاب التجربة المشتركة التي افرزتها الجائحة. إنني أتطلع إلى ذلك اليوم. إن من شأن أغنية أو قصيدة أو فيلم أو رواية تتفتق عنها عقول هؤلاء المبدعين ان تضعَ قدميّ أخيرًا على الطريق الى حيث تختبيء أفكاري ومشاعري حول هذا الأمر برمته. وحين أصل إلى هناك، فأنا متأكد من أنه سيظلُ مُتَعَيَّنَاً عليّ القيامُ ببعض التنقيب بنفسي.
في غضون ذلك، يمضي كوكب الارض في دورانه الابدي، وتبقى الحياة كما كانت: غامضةً وقويةً ومذهلةً. وكما كُنتَ تقول بشاعرية كثيفة: لا أحد يعلِّم الحياة أيَّ شيء!
ابنك: رودريغو
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.