في الرد على د عبد القادر محمد أحمد، مدير ديوان الضرائب الأسبق تداولت الصحافة الاجتماعية ما نسب للدكتور عبد القادر محمد أحمد المدير الأسبق لديوان الضرائب من منشور نعى فيه على وزارة المالية تمسكها بأيلولة شركات القوات المسلحة لها، باعتبار أن هذا لا يمثل نوعاً من الولاية على المال العام، وأن للقوات المسلحة الحق أن تنشئ من الشركات ما تشاء واستند في ذلك إلى بعض الحجج القانونية وبعض نصوص قانون الشركات وقانون المعاملات المدنية، وخلص إلى أن ممارسة الجهات الحكومية للتجارة لا غبار عليها، وإنما الاشكال في ممارسة المسؤولين في الدولة للتجارة قائلاً: (أرجو أن لا يخلط الناس بين ممارسة الجهات الحكومية للتجارة وبين ممارسة المسؤولين في الدولة للتجارة والأخير هذا هو المرفوض). والحجج التي استند عليها د. عبد القادر أدنى ما يمكن أن يقال عنها إنها لا تستند على صحيح القانون، وتوحي بأن القوات المسلحة هي صاحب الحق المطلق في السيطرة على المال العام الذي تحت يدها، وهذا القول يخالف المفهوم المستقر للولاية على المال العام ويفتح الباب أمام كل جهة حكومية في أن تنفرد بالتصرف في المال العام الذي تحت يدها بعيداً عن الجهة ذات الأحقية وهي وزارة المالية. وذلك لما يلي: 1- سارت النظم المؤسسية المستقرة للحكومات على وجود جهة مركزية واحدة تملك الحق في الاشراف على كل المال العام، وتكون مسؤولة عنه، وذلك من خلال تحديد أوجه تحصيله واكتسابه وكيفية استثماره وتحديد طرائق صرفه، وهي ما تمثله وزارة المالية في النظام السوداني، أو ما قد يطلق عليه في نظم أخرى مصطلحات مختلفة مثل وزارة الخزانة أو دائرة المالية أو وزارة الاقتصاد. وللوزارة بهذا المعنى حق التصريح بإنشاء الشركات الحكومية التي تمارس الأنشطة التجارية والرقابة عليها وأن تؤول لها عائداتها، ولا يوجد في القانون السوداني نقص في هذا الجانب يمكن أن تستغله القوات المسلحة للاستفراد بالشركات التي تملكها، فقد نصت عدد من التشريعات على هذه الصلاحية لوزارة المالية من بينها قانون الاجراءات المالية والمحاسبية لسنة 2007 الذي ذكر في مادته التاسعة عشر مسؤولية وزارة المالية عن استثمارات أجهزة الدولة في المستوى المعني في أي شركة خاصة أو عامة أو مصرف أو أي جهة مماثلة وتتولى دفع نصيب أجهزة الدولة في المستوى المعني في تملك الاستثمارات واستلام نصيبها من العائد .وبالطبع فإن القوات المسلحة لا تخرج عن تعريف أجهزة الدولة ولا تعد جزيرة معزولة عن بنائها العام، ومن ثم يتعين أن تعود عائدات الشركات التي تملكها بما فيها عائدات الأرباح لوزارة المالية وليس للقوات المسلحة. 2- ذهب د. عبد القادر إلى أنه لا يوجد في الدستور أو أي قانون آخر ما يمنع الجهات الطبيعية أو الاعتبارية مجموعات أو أفراد من تكوين شركات. ويبدو أن هذا الفهم الخاطيء للقانون هو الذي مد للدكتور عبد القادر في تبني المفهوم غير الصحيح للولاية على المال العام والذي يخالف ما استقرت عليه التشريعات المنظمة في السودان. ذلك أن سلطة الوحدات الحكومية في إنشاء الشركات مقيدة بموافقة وزارة المالية بما لها من ولاية على المال العام، فقد أوضح قانون الاجراءات المالية والمحاسبية لسنة 2007 في مادته الخامسة عشر (على الرغم من أحكام قانون الشركات لسنة 1925 أو أي قانون يحل محله لا يجوز لأي من أجهزة الدولة إنشاء أي شركة أو هيئة أو صندوق أو المساهمة في أي منها إلا بموافقة الوزير) والوزير المعني هو وزير المالية. وإلى نص مماثل ذهبت لائحة الاجراءات المالية والمحاسبية لسنة 2011 .وتهدف مثل هذه النصوص إلى تمكين وزارة المالية من التأكد من أن الشركة التي تنشؤها الجهة الحكومية تتوافق مع أهداف هذه الجهة وتخدم الصالح العام وأنها لا تخلق منافسة غير مشروعة أو تضر بالاقتصاد الوطني، وأنه توجد قواعد قانونية وإجرائية كافية تجعل عائدات الشركات تنساب إلى الخزينة العامة. وبناء على هذا فمن غير المستساغ عقلاً أن تقوم الجهات الأمنية بما فيها القوات المسلحة أو الشرطة أو أجهزة الاستخبارات باعتبارها الجهات المنوط بها السهر على أمن البلاد واستتبابه باستثمار أموال الدولة في قطاعات ليس لها علاقة بمجال عمل القطاعات الأمنية، مثل مجالات اللحوم والتجارة العامة والزراعة والنقل ومجالات البناء والتعليم والصحة وغيرها من المجالات التي يتعين أن تقوم بها وحدات متخصصة في الدولة أو من خلال القطاع الخاص. 3- أورد د. عبد القادر أن ممارسة الجهات الحكومية للتجارة أمر غير مرفوض. ولعمري فإن هذا المفهوم لا ينطبق إلا عندما تختل منظومة الأدوار المؤسسية، فتنصرف الجهة الحكومية المسؤولة عن أمن الناس والسهر على استتباب أمنه إلى ممارسة الاستثمار والتحول إلى تاجر في السوق العام. ويتحول المسؤول عن حماية الناس إلى مزاحمتهم في العمل التجاري. وقد روى السيد إبراهيم منعم منصور وزير المالية الأسبق أن اللواء أحمد عبدالوهاب - طيب الله ثراه - نصح الرئيس جعفر نميري عندما قرر إنشاء مؤسسة عسكرية للزراعة وأخرى للتجارة بأن يوقف قيام المؤسستين لأن هذا ليس من مهام الجيش في بلادنا، وأنه يدخل (الفساد) وسط كبار الضباط. وذكر له أنه كان في رحلة تفقدية في المدرعات الجنوبية ووجد قائد الحامية بملكال وهو برتبة عميد قد زرع فول سوداني بقي لحصاده أقل من شهر، فأمره أن يقلع الفول قبل العاشرة صباحاً، وإلاّ يعتبر نفسه موقوفا ويسبقه إلى الخرطوم. وفشلت كل الوساطات في إثنائه عن ذلك. 4- إن أخطر ما يمثله حجب وزارة المالية عن استثمارات الأجهزة الأمنية هو إمكانية تجنيب الأموال والإيرادات الحكومية، فالتجنيب ببساطة هو احتفاظ الجهة الحكومية بكل أو بعض ايراداتها والتصرف فيها بمعرفتها بعيداً عن إشراف وزارة المالية المباشر وإعطاء المسؤولين الحكوميين حق التصرف في تلك الأموال بعيداً عن القواعد الاجرائية المرعية، مما يؤدي إلى شل يدي وزارة المالية في التصرف في المال العام وتوزيعه التوزيع الصحيح. فأموال الشركات التي تتبع للأجهزة الأمنية لم تكتسبها من جهدها الخاص أو غنائمها وإنما هي في الأصل مال حكومي يمتلكه الشعب السوداني، ويتعين أن يؤول إلى الوزارة المعنية بذلك. أبوذر الغفاري بشير عبد الحبيب عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.