في الحقيقة عندما تتأمل موقف عبد العزيز الحلو و اصراره على فكرة فصل الدين عن الدولة و تأكيده على العلمانية و بغيرها سينفتح الباب على تقرير المصير نجده قد أكد على أن حركته قد كانت الأقرب على أن تعطي الشعب السوداني موعده مع الحضارات و تأكد على موقفها في موعدها مع التاريخ. و لا غرابة في ذلك لأن الرجل عبر ثلاثة عقود قد خبر ما قاله كلود ليفي اشتروس أي أن الفكر الديني محدود القدرات في حقوله و كثير الطموح في زعمه و كل ذلك قد أختبره الرجل في حربه ضد وحل الفكر الديني. صحيح كانت الحركة الاسلامية و ثمرتها المرة الانقاذ هي التي تقوم بالدور الذي يؤكد بأن النخب السودانية قد غاصت عميق في وحل الفكر الديني و قد أصبح وحل الفكر الديني كعب أخيل النخب السودانية و الى الآن نجد ظلال كل ذلك الوهم في صمت الكل عن أحزاب الطائفية و تأمر الكل ضد الكل في صمتهم عن كل ما يطيح بركائز أي عمل واعي و جاد يؤدي الى فكرة التحول الديمقراطي و الا كيف نستطيع الحديث عن الديمقراطية في حضرة الامام و مولانا و أحزابهم التي تؤكد على روح الطائفية؟ و كيف نستطيع الحديث عن الديمقراطية في حضرة الأستاذ الذي ينسب اليه الحزب و اضطراب تلاميذه بشكل يكرس الى فكرة الأبوية المستحدثة التي تؤكد على سلطة الأب و ميراث التسلط و تنفي فكرة الفرد و العقل و الحرية روح فكر الليبرالية السياسية كمفتاح للديمقراطية في السودان؟ و حتى تتضح لنا الرؤية يمكننا ان نضع انجاز الشعب السوداني لثورته المجيدة أي ثورة ديسمبر و كانت دليل قاطع على تقدم الشعب و سقوط النخب التي كانت تتحدث عن فكرة الهبوط الناعم الى لحظة انفجار شعارها الذي يفضح كساد النخب. حرية سلام و عدالة و الثورة خيار الشعب. شعار الثورة يتطابق مع معادلة الحرية و العدالة روح الفكر الليبرالي الذي يؤكد على فكرة الشرط الانساني في انجاز السياسة لتوسيع ماعون الحرية و تأسيسها لحقوق الانسان لتتخذها مبتدأ و تجعلها نقطة الانطلاق و في الوقت نفسه تتخذها نقطة الوصول و هنا تتلقي أهداف ثورة ديسمبر مع موعد الشعب السوداني مع الحضارات و لأول مرة في تاريخ الشعب السوداني يتقدم الشعب و يستطيع بشعار الثورة ان يقول ما قالته الحضارات الاخرى أي حضارات الشعوب الحية و هذا ما عجزت عن قوله النخب الفاشلة. و هنا يصبح قول شعار ثورة ديسمبر فعلا يقود الشعب السوداني باتجاه بوابة الخروج من حيز المجتمعات التقليدية و يسوقها باتجاه المجتمعات الحديثة و الخروج من حيز المجتمعات التقليدية لا يمكن أن يكون بغير الخروج من وحل الفكر الديني الذي نجده قد سيطر على فكر النخب السودانية و نجده في فكر أحزاب الطائفية و أحزاب الحركات الاسلامية من كل شاكلة و لون. في وقت يعلم فيه الكل بأن البشرية لم تفارق الجهل و الفقر و المرض الا بعد مغادرتها للفكر الديني بشهادة من من تتبع فكرة النشؤ و الارتقاء و قد وصل لرأي بأن البشرية في سبيل ترسيخ فكرة العيش المشترك قد تجاوزت العرق و الدين الا عند النخب السودانية. مطالبة عبد العزيز الحلو بالعلمانية هي دعوة للنخب السودانية بأن تعي أن ترسيخ فكرة العيش المشترك لا يمكن تحقيقها بغير أن يكون الدين داخل الدولة و ليس العكس بأن تكون الدولة داخل الدين كما رأينا كل ذلك في عجز النخب و كسادها الفكري منذ خروج الاستعمار و هي تلعب على فكرة البوتقة الصاهرة و خصوصية المجتمع السوداني و في النهاية لم نجد في ساحة الفكر السوداني غير مجافات فكرة الانسانية التاريخية التي تقوم على الاخلاق و ليس الدين. و الاصرار على وحل الفكر الديني يجعل عبد العزيز الحلو كاليتيم حول مائدة اللئام و هم النخب السودانية و هو أي عبد العزيز الحلو ليس يتيم لأنه الاقرب لشعار ثورة ديسمبر عندما ردد الشعب السوداني كل البلد دار فور و كل البلد نوبا و كل البلد فونج و لكننا نجد أن النخب السودانية تصر على أنها لا تسمع فكرة ترسيخ فكرة العيش المشترك. و محنة عبد العزيز الحلو هي محنة الشعب السوداني مع نخبه التي لا تجيد التفكير خارج اطار الفكر الديني لذلك نجدها تتجاهل إعمال العقل الذي لا تقوى عليه أحزاب وحل الفكر الديني و عندما نتحدث عن العقل و العقلانية نتجه باتجاه عقد اجتماعي تصبح فيه الأخلاق هي موتور التاريخ و حينها يصبح الدين مبتدئ بعد حدود العقل محترم لسلطان العلم و هنا تتضح فكرة النزعة الانسانية الغائبة من رفوف المكتبة السودانية و بغيابها تضيع قدرة النخب السودانية في اعتمادها على نفسها و على قدرة العقل الانساني في ترسيخ فكرة مجد العقلانية و ابداع العقل البشري. لهذا السبب نجد أن أعتى العقول في ساحة الفكر السوداني لا تقوى على مفارقة وحل الفكر الديني و نجده متمثل في أحزاب الطائفية و أحزاب الفكر الاسلامي من كل شاكلة و لون اضافة لفكر النسخة المتخشبة من فكر الشيوعية السودانية و هي كدين بشري لا تكف عن تقديم الحلول النهائية أي فكرة انتهاء الصراع الطبقي شأنها شأن الأحزاب الدينية الأخرى في فشلها بتقديمها لحلول نهائية في زمن قد أصبحت فيه مسيرة الانسانية تراجيدية و ماساوية بلا قصد و لا معنى. و هذا يقودنا لسؤال مهم جدا لماذا يصر أصحاب النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية على الماركسية الاسلامية و قد دفع ثمنها غاليا حسين مروة و ربما ايضا نستطيع اضافة الاستاذ عبد الخالق محجوب؟ و هنا تأتي الاجابة عبر اعادة اكتشاف غرامشي و فكرة المثقف العضوي الذي يفارق فكر الايدولوجيات المتحجرة و تأتي أفكار هشام شرابي و فكرة النقد الحضاري الذي يتخطى الماركسية التقليدية و الماركسية الاسلامية التي مازال يرزح تحت نيرها الشيوعي السوداني الذي مازال داخل الحزب أو من خرج و لكن مازال تحت تاثير الماركسية الاسلامية لذلك كان عنوان المقال أن عبد العزيز الحلو يتفوق على الماركسية الاسلامية. لذلك و بكل سهولة يمكننا القول أن عبد العزيز الحلو يفوز بالسابق و هو على بعد أميال تفصل بينه و بين فكر حيدر ابراهيم علي الذي يتلاعب بفكرة لاهوت التحرير لكي ينام هانئ تحت نير الماركسية الاسلامية و يستطيع بكل سهولة و يسر أن ينتقد عبد العزيز الحلو على فكرة طرح العلمانية و تترك له هو كمثقف يتلاعب بفكرة لاهوت التحرير حتى لا يجبر على مفارقة القطيع الذي لا يقوى على الخروج من وحل الفكر الديني و ان لم يكن ذلك ماذا حقق لاهوت التحرير لأمريكا اللاتينية؟ و ان كانت لحيدر ابراهيم علي اجابة فيقدمها لادغار موران صاحب الفكر المركب الذي أوصله للعلمانية التي لا تحابي الأديان و في نفس الوقت تسمح للدين كأمر فردي يبتدئ بعد حدود العقل و غيره كثر أمثال كلود لوفرت و قد فارق الشيوعية قبل قيام الحزب الشيوعي السوداني فالسودان لم يعد جزيرة معزولة عما يجري حول العالم. و على نفس المنوال نجد الحاج وراق في ندوة ينادي بمهادنة الطائفية و النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية بشكل يدلل على سيطرة وحل الفكر الديني في رؤس النخب السودانية. اما الطامة الكبرى فتتمثل في طرح الشفيع خضر و المساومة التاريخية و هي مسألة المصالحة بين يسار سوداني رث و يمين غارق في وحل الفكر الديني ماذا تسمي هذا الطرح فكر أم لعب عيال؟ فالحاج وراق و حيدر ابراهيم علي و الشفيع خضر هم نتاج يسار سوداني نترك القارئ أن يبتكر له ألقابه أما النور حمد فمازال يتحدث عن فكر ديني و فكر وثني فهذه النماذج تعطي عبد العزيز الحلو الاصرار على فكرة العلمانية لأنها هي الضامن الوحيد له في غياب نخب واعية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.