بسم الله الرحمن الرحيم كل الشعب السوداني، بكل فئاته قادة وسياسيين، حكومة ومعارضة، أحزابا حكومية ومعارضة، أفرادا وجماعات، أصبح لا هم لها ولا شغل شاغل لها سوي الانتخابات.. كيف لا وهي الأولي منذ نحو ربع قرن.. كيف لا وهي تشهد مشاركة أكبر عدد من الأحزاب على مر عمر الوطن.. كيف لا وعد الناخبين هو الأعلى منذ الاستقلال.. كيف لا وهذا العدد الغير مسبوق من المراقبين المحليين والدوليين.. كيف لا وكثير من الأحزاب ظلت مترددة ما بين مشاركة ومقاطعة حتي قبيل الانتخابات بسويعات قليلة!!! حزب الأمة كان أكثر الأحزاب على الإطلاق التي تلجلجت في أمر المشاركة في الانتخابات.. فلم يحسم الحزب موقفه النهائي حتي الآن- قبل أقل من 48 ساعة من موعد الانتخابات!!! فالحزب قد أصدر يوم أمس الخميس الموافق 08/04 بيان ورد فيه إنه قد قرر مقاطعة الانتخابات على كافة مستوياتها!!! حتي هنا والأمر يبدو واضح ومفهوم.. غير أن البيان أشتمل على منح رؤساء الحزب ببعض المناطق بالولايات المختلفة الحق في اتخاذ القرار الأخير بالمشاركة في الانتخابات على المستوي المحلي، وأعتقد أيضا التشريعي الولائي.. وهنا يحدث اللبس والغشاوة التي لم تفارق مواقف حزب الأمة القومي في الفترة الأخيرة.. فقصدر البيان يقول بقرار الحزب بمقاطعة الانتخابات على كافة مستوياتها!! ثم يزيل البيان بالسماح بالمشاركة في بعض مستويات الانتخابات!! ونقول لمن أصدروا البيان، إن المشاركة على أي مستوي من مستويات الانتخابات تعني عدم المقاطعة الكاملة.. فيا ليتكم استخدمتم عبارات أخري أكثر تحديدا وتعبيرا ووضوحا.. حتي تريحونا ونعرف أنكم قاطعتم أو أنكم شاركتم!!! أما أن تتركونا هكذا، فهذا ليس بالصواب في حق المواطن والناخب السوداني. قرار حزب الأمة القومي بمقاطعة الانتخابات مع السماح لرؤساء الحزب ببعض الولايات بالمشاركة، يعني ضمنا وبكل وضوح المشاركة في الانتخابات، ولا يمكن لأي شخص عاقل أن يفهم غير ذلك.. فهذا تلاعب مرفوض بالألفاظ والكلمات في زمن أحوج ما نكون فيه للوضوح والابتعاد عن اللبس والتلبيس. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فقد أثبت حزب الأمة استمراره في تخبطه الذي لازمه طوال الفترة الماضية فيما يتصل بالانتخابات والتحالفات تحديدا، بأن أصدر بيانا آخر بعد وقت قصير من وقت إصدار البيان الأول الذي أعلن فيه مقاطعة الانتخابات مع السماح لبعض أفرعه بالولايات بالمشاركة، نزع فيه- البيان الأخير- الحق الذي منحه لبعض الولايات بالمشاركة، وحصر أمر المشاركة على ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.. ولسنا ندري هل اتخذ قرار منح بعض أفرع الحزب حق المشاركة على المستويين المحلي الولائي من قبل القيادة الاتحادية إنفرادا دون الرجوع إلى من سمح لهم بدء بالمشاركة؟؟؟ أم إن القرار جاء هكذا جزافا واستعلاء دون مشورة أحد؟؟؟ فإذا كان القرار قد أتخذ من عل دون مشورة من منحوا بدء حق المشاركة، فهذه طامة كبري تنم عن ضعف الهيكلة والمؤسسية داخل الحزب العريق!!! أما إذا كان الأمر قد تم بمشورة أفرع الحزب بالولايات التي سمح لها بالمشاركة، فلماذا إذا التراجع عن قرار السماح لها بالمشاركة بعد سويعات قليلة من إصدار البيان الأول الذي سمح بالمشاركة؟؟؟ هذا السؤال البسيط في ظاهرة يمكن له يستوعب آلاف الأجوبة ويثير آلاف من الأسئلة الأخرى!! كما أشتمل بيان المقاطعة على تبرير قرار عدم المشاركة في الانتخابات بعمليات الفساد والتزوير التي رافقت العملية الانتخابية.. وهذا قرار جرئ وحكيم إن كان يقوم على حقائق، وعلى دراسة للواقع السوداني وتاريخ البلاد وحاضرها ومستقبلها، وعلى فهم لمتطلبات عملية التحول الديمقراطي والعملية الانتخابية هي الأول منذ حوالي ربع قرن من الزمان بهذا الحجم وعلى هذه المستويات المختلفة. غير أنني لا أعتقد أن قرار المقاطعة جاء بناء على دراسة متأنية للواقع السوداني وللمواضيع التي سقت أعلاه، بل إنه قرارا بني على رؤية ضعيفة، أعتقد إنها أكثر هشاشة حتي من القرار المتخذ نفسه.. والدليل على ذلك أن البيان الذي صدر بالمقاطعة تبعة بيان آخر صدر بعد سويعات قليلة من البيان الأول سحب فيه الحق الذي منح لبعض أفرع الحزب ببعض الولايات دون سواهم.. كما أن البيان الأول زيل بالاستعداد على العمل المشترك والتعاون مع الفائز.. فكيف لنا أن نفهم ذلك؟؟؟ فهمونا .. بارك الله فيكم!!! محطة أخري من محطات تخبط حزب الأمة المستمر.. الأستاذة مريم الصادق المهدي القيادية الثانية في الهرم المؤسسي لحزب الأمة- التي والله كنت حتي ليلة أمس أعتقد إنها من بين أميز السياسيات السودانيات- فقد حاولت خلال اللقاء الذي جمعها وآخرون في نشرة العاشرة مساء الخميس 08/04 بالتلفاز القومي أن تستهل حديثها بأن جهاز التلفاز القومي قد فقد حيدته بسبب تغطيه للحملة الانتخابية للرئيس البشير وبدأت بكيل التهم والتنديد.. ولهمجرا– رغم أن السؤال الذي وجه لها كان حول موضوع آخر تماما.. وكررت الأستاذة مريم هروبها من الرد على الأسئلة بطريقة أفقدتها الموضوعية وأضاعت عليها فرصة توضيح موقفهم للمواطن السوداني الذي كان يرجوا أن يفهم لماذا قرر الحزب المقاطعة والمشاركة في ذات الوقت، بل حتي في ذات البيان.. فقد سألها مقدم النشرة عن التضارب الذي احتواه البيان من المقاطعة والمشاركة، فأجابت بالنفي على السؤال، مؤكدة أن حزبها قد قرر المقاطعة الكاملة للانتخابات بكل مستوياتها، وأن البيان بحوزتها.. فطلب منها أن تقرأ الفقرة العاشرة التي تنص على السماح لبعض أفرع الحزب بالمشاركة في حين أن صدر البيان يقول بالمقاطعة الكاملة على كل المستويات؟؟ وبدلا من الفقرة العاشرة بدأت الأستاذة مريم في قراءة الفقرة التاسعة، وعندما حاول المذيع تنويهها للخطأ وأنه طلب إليها قراءة الفقرة العاشرة وليست التاسعة، أصرت هي على مواصلة قراءة الفقرة التاسعة.. قبل أن تستدرك بالقول بأنه صدر بيان جديد ثان عقب البيان الجديد الأو، يلغي هذه الفقرة – الفقرة العاشرة- ويحصر حق المشاركة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق– وكل ذلك في ظرف سويعات قليلة قبل سويعات أقل على قيام الانتخابات الأكبر في تاريخ البلاد. وقد عجزت الأستاذة مريم – كما كان الحال مع كل الأسئلة التي وجهت لها- عن الرد على سؤال كيفية مقاطعة الانتخابات ثم التعهد بالرغبة في التعاون مع الفائز.. ولم تجد الأستاذة مريم إلا أن تكرر أن قرار المقاطعة صدر عن رئيس الحزب الرجل الحكيم وهو قرار صائب من رجل حكيم.. وأنهم في حزب الأمة مع قرار الرجل الحكيم، و..و..!!! فإذا كان الحزب قد قرر مقاطعة الانتخابات لأنه تأكد لهبما يدع مجالا للشك أنها مزورة وشهدت حالات فساد – كما يقول الحزب بذلك، رغم أننا لم نسمع أو نشاهد أي دليل عملي قدم من قبل الحزب أو الأستاذة مريم في حديثها التلفازي يوم أمس أو من قبل ما يؤكد هذه الاتهامات ، فهذا يعني أن المزور معروف في نظر الحزب، وأن الذي زور الانتخابات يريد أن يحكم أو أن يظل في سدة الحكم، وهو – بلا كثير عناء وتفكير- المؤتمر الوطني، كما صرح بذلك الأمام الصادق أكثر من مرة وكذلك بنته الأستاذة مريم وغيرهما من قيادات الحزب!! فإذا كان تزوير الانتخابات قد منع حزب الأمة القومي من المشاركة في الانتخابات، رغم أن مشاركة حزب الأمة القومي لن تعد نزالا مع المؤتمر الوطني وحده، حيث أن هناك عدد كبير من الأحزاب مشاركة في الانتخابات، فكيف يعقل أن يعلن حزب الأمة القومي، اليوم وقبل إجراء الانتخابات، عن استعداده للتعاون والشراكة مع حزب فاز بالانتخابات بالتزوير وليس بأصوات الناخبين؟؟؟ أفيدونا .. أعانكم الله.. هل يريد حزب الأمة بذلك أن يقر بفشله في تنظيم صفوفه وتعبئه أعضائه وفقدانه القدرة على المنافسة، بل حتي على المشاركة في الانتخابات، وفضل الانسحاب تحت دعاوى التزوير الفساد؟؟؟ أم إن انسحاب حزب الأمة القومي من المشاركة في الانتخابات جاء رضوخا للضغوط التي قد يكون تعرض لها من بعض الجهات بالانسحاب من الانتخابات؟؟؟ ولماذا جاء بيان حزب الأمة القومي بالمقاطعة- من حيث القمية الزمانية للتوقيت- بعد قرار بعثة الاتحاد الأوروبي بسحب مراقبيها من دارفور؟؟؟ هل هذا هناك طبخة.. أم إنها أقدر الله سبحانه وتعالي الذي جعل لكل أجل كتاب، ولكل بيان ميقات؟؟؟ أم أراد حزب الأمة أن يوصل رسالة واضحة لا لبس فيها – رغم محاولة تلوينها الفاشلة- لحزب المؤتمر الوطني، مفادها أن قرار انسحابنا إنما جاء لعدم القدرة على المنافسة ولكننا نطمع أن نتعاون معكم وتقسموا لنا الكعكة التي نلتموها بإنجازاتكم وعملكم الدءوب من أجل المواطن والوطن، وأن تمنحونا بعض الحقائب الوزارية؟؟؟ ونحن إذ نسرد هذا المقال وهذه الآراء لا نقدح في مكانة أحد من المواطنين العاديين، ناهيك عن أناس لهم كاسبهم في هذه الدنيا وفي تاريخ السودان.. ولكن ما نقوم به نعتقد أنه حق مكفول لنا جميعا حيث أن الوطن وطننا جميعا وأن من يحكم الوطن يحكمنا جميعا.. ولكننا ننتقد تخبط حزب الأمة في مشواره السياسي خلال السنوات الماضية، والذي نعتقد أنه فقد كثير من رونقه وقدراته من خلال التخبط الذي رافق موقف الحزب من عملية التغير الديمقراطي والعملية الانتخابية.. ها قد حان موعد الانتخابات- إن لم يجد جديد مع تسارع الأحداث- ونلقاكم الأسبوع القادم بعد الإعلان الأولي عن الفرز المبدئي لبعض الأصوات.. لنري مع من سيتعاون ويأتلف حزب الأمة المقاطع إن شاء الله؟؟؟ فكيف لمن قاطع الانتخابات أن يشارك في الحكم؟؟؟ سؤال أخير إلى الإمام الصادق: أيستقيم الظل والعود أعوج؟؟؟ والله المستعان!!! د. خالد علي عبد المجيد لورد – النمسا