نشأت هيئة المعارض في منتصف سنوات السبعين وتنقلت بين عدة وزارات .. الخارجية والتجارة الخارجية والإعلام قبل أن تصبح هيئة مستقلة عددا من السنين وتنضم للإتحاد الدولي للمعارض والاتحادات الإقليمية والقارية المختلفة حتى انتهى بها المطاف إدارة في الشركة السودانية للمناطق والأسواق الحرة وهي الشركة التي تتوزع ملكيتها على عدد من المساهمين الأجانب والسودانيين، وكما هو معروف فإن شركة المناطق والأسواق الحرة ما زالت متعثرة بلا حظ من النجاح أو الصدقية أو السمعة الطيبة، في حين أن المعارض ما زالت تواصل مسيرتها ورسالتها رغم تغير شكلها الإداري. قبل سنوات كان أحد كبار المساهمين في هذه الشركة يحلم ببيع أرض المعارض في بري وتحويلها لسكن استثماري أو أي نشاط استثماري آخر ثم تتولى الدولة توفير مساحة اخرى من الأرض في سوبا أو أي موقع آخر في أطراف الخرطوم لتقوم عليه المعارض من جديد ، وكانت رؤية ذلك المستثمر الجشعة تقوم على اعتبارات ربحية بحتة وعينه على العائدات الكبيرة التي يحققها بيع أرض المعارض ولا يهمه بعد ذلك في أي موقع تقوم المعارض من جديد أو لا تقوم أصلا لأنه لا يرى في المعارض سوى أنها عبء على شركة المناطق والأسواق الحرة . لست أدري إن كان ذلك المستثمر الأجنبي يدرك أن الأرض الممنوحة للاستثمار لا بد من استغلالها للغرض الذي منحت من أجله وفي فترة زمنية محددة وإلا ستنزع من المستثمر وذلك حسب نصوص قانون الاستثمار،أو ربما أن نفس المستثمر يدرك كل ذلك ولكن كان لديه ما يدفعه للاعتقاد بأنه في الإمكان تجاوز القانون أو الالتفاف عليه مثلما فعل آخرون متاجرة ومضاربة في الأراضي في قلب الخرطوم وفي الجزيرة واستغلالا سيئا للإعفاءات الجمركية والتسهيلات التي تمنحها الدولة. لا شك أن إقامة المعارض المحلية والدولية في السودان ومشاركة السودان في المعارض الخارجية يحقق عدة أهداف وفوائد عامة لعدة قطاعات وللوطن بشكل عام ، فالمعارض المحلية والعالمية تظاهرات عالمية تساعد على ترويج وتسويق منتجات الدول وتتيح الفرص للتعرف على احدث مستجدات السوق والإنتاج ، وقد لا يحقق ذلك مكاسب مالية مباشرة لإدارة المعارض التي تقتصر إيراداتها على إيجار المساحات للعارضين، وهو أمر غير مستساغ للمستثمر الأجنبي الذي يسعى وراء تحقيق أكبر عائد مادي ممكن في أقصر فترة زمنية ممكنة وبأقل تكلفة وجهد، وربما هذا هو السبب الذي جعل ذلك المستثمر الأجنبي المساهم في شركة المناطق والأسواق الحرة في بيع أرض المعارض والتخلص من عبء لا فائدة له منه. ولذلك ، تجنيبا لإدارة المعارض تقلبات شركة المناطق والاسواق الحرة وطموح وجنوح المستثمرين فيها، يجب أن تعود هيئة المعارض السودانية لحضن الدولة لاسيما وأن المشاركة السودانية في المعارض الدولية داخل وخارج السودان من الأعمال السيادية بشكل أو آخر. المستثمرون، خاصة الأجانب منهم، يفكرون بعقلية السوق ويحسبونها بحساب الربح والخسارة، وهذا من حقهم، وإدارة المعارض لا تهدف لتحقيق الأرباح المالية المباشرة من ناحية إستراتيجية بقدر سعيها لتحقيق أهداف ومقاصد وطنية واقتصادية وحضارية كبرى، الربح الذي تحققه المعارض لا يعود بشكل مباشر على إدارة المعارض ولكنه يذهب لجهات أخرى صناعية وتجارية وزراعية ويصب في النهاية في الاقتصاد الوطني، والمستثمر الأجنبي،أو حتى السوداني، الذي يمسك بشركة المناطق والأسواق الحرة غير معنى بهذه الأهداف والرؤى النبيلة وهذا "الترف" . وبما أنه ليس من المجدي في المدى القريب أو البعيد قيام كيان قومي بديل أو رديف لمواصلة رسالة ودور هيئة المعارض السودانية السابقة أو بقاء المعارض في قبضة شركة المناطق والأسواق الحرة، فإنه قد آن الأوان بعد التجربة غير المجدية حتى الآن فك هذا الارتباط القسري بين هذه الشركة والمعارض لتعود الأخيرة من جديد لحضن الدولة بدلا من أن يفكر مستثمر أجنبي آخر في بيع أرض المعارض في بري ( فقد لا تسلم الجرة في كل مرة).