*هل هذا هو الذي جعل من د. النعيم عالماً فاضلاً ،في نظر د. النور حمد ؟! * لا ننطلق من (نظرية مؤامرة) في ردنا على د. النعيم رغم إنها موجودة وإنما من الحق المبين الصارخ الوضوح * التشريعات التي تمنع ما حرم الله على الناس ينبغي أن لا تنبني على أساس ديني وفقاً لأفكار د. النعيم * القيم الصحيحة هي التي تقوم على (الهوى) حسب إطروحات د. النعيم ،وهذا بالضبط ما جاء الدين ليحاربه * نريد من د. النور أن يبين لنا ما هو علم د. النعيم ؟ وبماذا إستحق عنده أن يكون فاضلاً ؟! يقول د. النعيم: (مشغول جداً بالكيفية التي أكون بها مسلماً أمريكياً، بالمعنى الذي يعزز ويفعل هويتي كمسلم وكأمريكي، ومشغول أيضاً بالكيفية التي أساعد بها المسلمين الأمريكان ليندمجوا في التيار الرئيسي للحياة الأمريكية. ولقد اكتشفت أن العلمانية الأمريكية، أي مفهوم الحرية الدينية ومفهوم إبعاد الدين من أن يكون له أي دور مؤسسي في الحياة العامة، مجتمعتين، أمر هام وضروري للمسلمين، من أجل أن يختاروا الطريقة التي بها يفهمون ويطبقون الإسلام، كما يريدون، وأيضاً من أجل أن يندمجوا في الحياة الأمريكية بالكامل)!!1 لاحظ (من أجل أن يختاروا الطريقة التي بها يفهمون ويطبقون الإسلام كما يريدون) .. يطبقون الإسلام كما يريدون، وليس كما هو، أي يخضعون الإسلام لإرادتهم ورغباتهم.. وقد سبق أن أوردنا النص الذي يقول فيه أن الدين صناعة بشرية.. كما سبق أن أوردنا قول للنعيم يزعم فيه أن الدين ذاتي، وأن إسلامه ليس هو الإسلام العام المعروف، ولا إسلام المسلمين الآخرين.. وهو هنا يقرر أن إسلامه إسلام أمريكي!! ولهذا الموضوع أبعاد خطيرة تحدثنا عنها في المواقع الإلكترونية.. يقول د.النعيم: (فإنني مشغول جداً بالكيفية التي أكون بها مسلماً أمريكياً، بالمعنى الذي يعزز ويفعل هويتي كمسلم وكأمريكي).. فعند د. النعيم لا تعارض بين الإسلام وقيم الشعب الأمريكي.. فهذه القيم في الإسلام الأمريكي!! والخطر كل الخطر يأتي من تصور د. النعيم للقيم الأخلاقية، والأسس التي تقوم عليها.. فعنده الأخلاق أمر ذاتي يحدده الشخص بنفسه لنفسه.. فالأخلاق الذاتية هذه بالطبع هي نقيض الأخلاق الموضوعية.. وفي هذا الصدد يقول د. النعيم: (بعبارة أخرى أنا أركز على الممارسة التي يعتمدونها لخدمة مصالحهم الأساسية، بدلاً من الإفتراض أن هناك نظرية أخلاقية مجردة تحدد للبشر في كل مكان ماهية وطبيعة القيم الإنسانية) ..2 فهو يرفض القيم الثابتة والمسبقة، ويرى أن الأخلاق ينبغي أن تقوم على الممارسة العملية.. فالأخلاق عنده ليست هي التي توجه السلوك، كما هو الأمر في الدين.. ويقول: (إن الرؤية التي أقدمها للقيم الإنسانية ليتم التباحث حولها من هاتين المحاضرتين، تتفادى عن عمد، ومن حيث المبدأ، محاولة تحديد ماهية هذه القيم بصورة عامة. وهذه الرؤية جزء لا يتجزأ من دعوتي لتجاوز الهيمنة لصالح حرية الإرادة والتقرير الذاتي..)3 .. فعنده من حيث المبدأ القيم ينبغي ألا تحدد بصورة عامة، فهذه في نظره هيمنة، هو يدعو إلى تجاوزها إلى (حرية الإرادة والتقرير الذاتي)، فكل فرد هو حر في تحديد الأخلاق التي يريدها.. ويقول: (من وجهة نظري القيم الإنسانية يجب أن يتم تشكيلها وصياغتها، عبر الإقرار الواسع، والاعتراف بالحقيقة والواقع العام الذي يعكسه ضعفنا، وقصورنا المشترك، وليس عبر تأكيد أو فرض ادعاء ميتافيزيقي أو فلسفي حول (الطبيعة الإنسانية)، أياً كان هذا الادعاء..)..4 فعنده الأخلاق ينبغي أن تنبني على الواقع الذي يعكسه ضعف الناس وقصورهم، وليس على قيم تعمل على إخراج الناس من هذا الضعف وهذا القصور، بما يحقق إنسانيتهم، كما هو الحال في الدين، الذي شار إليه بعبارة (ادعاء ميتافيزيقي).. ويقول: (بالنسبة لتطور القيم الإنسانية أقول إن القيم الإنسانية هي ما يحدده كل فرد لنفسه نسبة لتفكيره وغرضه. أنها مسألة خيار أخلاقي لكل فرد، سواءً قرر ممارسة هذا الخيار أم لا..)...5 فالقيم عنده ينبغي أن تقوم على تفكير الأفراد ورغباتهم .. القيم الصحيحة هي ما يراه الفرد أنها صحيحة، ويرغب فيها، دون أن يكون هنالك أي تدخل من خارج الفرد.. يعني القيم الصحيحة هي التي تقوم على (الهوى)، وهذا بالضبط ماجاء الدين ليحاربه.. يقول المعصوم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به).. فدعوة النعيم هي بالضبط نقيض هذا التوجيه الديني.. واتباع الهوى والرغبات لا يحتاج إلى فلسفة، ولا يحتاج إلى من يحرض عليه. فهو الواقع المعاش في ظل الحضارة الغربية، والذي يحتاج إلى تغيير اساسي.. يقول د. النعيم: (فيما يخص هذا الموضوع، وهذا هو الموقف الذي أتبناه وأقدمه في هذا الكتاب، وهو أني أريد أن أقول إن أية سياسة عامة أو تشريع عام لا يمكن تبنيه بالرجوع إلى المرجعية الدينية. ومعنى ذلك أنك إذا أردت أن تمنع العلاقات الجنسية المثلية، بين الأفراد من الجنس الواحد، لا يمكنك أن تفعل ذلك بسبب أنها حرام، وتقول للناس لا يمكنكم أن تفعلوا ذلك لأنها خطيئة من وجهة نظر الدين..) 6 هذا قول واضح جداً في إبعاد الدين من أن يكون هو الموجه لقيم الناس.. ويقول: (النقطة التي أود أن أعلق عليها هي المنظور التاريخي الذي أؤمن به. فالآن الحديث عن حقوق المثليين والمثليات يبدو أمراً مؤسساً جداً ومقبولاً جداً، ولكن هذا الأمر ظهر مؤخراً جداً، جداً، في هذا البلد، في هذه الثقافة. كما تعلمون، إذا رجعتم عشرين سنة في الماضي، سوف لن تجدوا نفس القدر من التسامح والتفهم لحقوق المثليين وحقوق المثليات، على النحو الذي تجدونه اليوم).. 7 (المنظور التاريخي)، عند د. النعيم هو الذي يحدد صحة القيم، فالقيم تكون صحيحة في نظره إذا كانت مقبولة من الناس في الوقت المعين.. فالمثلية كانت مرفوضة في المجتمع الأمريكي، قبل عشرين عاماً، أما الآن فهي (أمر مؤسس جدا، ومقبول جدا) ولذلك هي صحيحة.. وطالما أن الناسي قبلوها فهي صحيحة.. فقبول الناس عند د. النعيم هو المعيار في صحة القيم!! هذا الذي يدعو له د. النعيم هو انحلال أخلاقي، وفوضى أخلاقية شاملة.. وهو أخطر جانب من جوانب دعوته في معارضة الدين.. فالدين أساساً يقوم على إتمام مكارم الأخلاق، كما قال المعصوم: )إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق( .. في الواقع دعوة د. النعيم في هذا الجانب هي ردة نحو الحيوانية!! ومن المعلوم أن د. النعيم من أكبر وأشهر، من يدافعون عن حقوق المثليين في الولايات المتحدة!! فهل هذا هو الذي جعل منه عالماً فاضلاً، في نظر د. النور؟! أم علمه وفضله يتمثل في رفض الدين الموضوعي، وجعله ذاتياً، وزعمه الموغل في الجهل والغرور والبطلان، بأن الدين صناعة بشرية؟! على كل د. النور ود. النعيم يتفقان في تصوير الشعب السوداني، بأنه أحط شعوب العالم، وإن كان د. النور يفصل أكثر في هجاء الشعب السوداني!! وصمنا د. النور بأننا من أنصار نظرية المؤامرة، ونحن نرد على العالم الجليل، د. النعيم.. أولاً، المؤامرة موجودة، ولكننا لا ننطلق منها، وإنما ننطلق من الحق البين، الصارخ الوضوح.. فد. النعيم ينقض ديننا وقيمنا، بالصورة التي رأينا طرفاً منها، فماذا ينتظر منّا د. النور أن نفعل؟! نصمت عن نقضه؟! فإذا صمتنا، لا قدر الله، لا يكون هنالك سبب لصمتنا سوى الخنوع والجبن ورقة الدين، والحمد لله فإن هذا لا يلحق بنا.. ونريد من د. النور أن يبين لنا ما هو علم د. النعيم؟ وبماذا استحق عنده أن يكون فاضلاً؟! يقول د. النعيم الشريعة ليست منزلة من الله، ويقول عن شريعة الأحوال الشخصية: (الشريعة الإسلامية لم تكن أبداً أساساً لقانون الأحوال الشخصية، ولا يجب أن تكون أساساً له.. !!) 8 ماذا يعني هذا؟! يعني أن جميع زيجات المسلمين عبر التاريخ لم تقم على شريعة منزلة من الله لم تقم على الكتاب والسنة وهذا يعني أن جميع زيجات المسلمين ليست شرعية، وفق المنظور الديني تكون سفاحاً!! وهذا يعني أن جميع المسلمين أبناء سفاح.. هل يمكن أن يكون هذا الرجل يفكر فيما يقول؟! نحن هنا نطالب د. النور أن يحدد لنا موقفه من الإسلام الذاتي، الذي يقول به د. النعيم؟ وهل د. النور صاحب إسلام ذاتي مثل النعيم، أم هو على الإسلام الموضوعي، إسلام عامة المسلمين؟ ثم نطالب د. النور أن يحدد لنا موقفه بوضوح، هل هو يؤيد مفهوم الأخلاق الذاتية عند النعيم؟ إن زعم د. النور بأن د. النعيم عالم فاضل، يفهم منه أنه يعتبر حديثه عن الإسلام وعن الأخلاق حديث عالم وفاضل!! من يؤيد د. النعيم هل هو يعمل لمصلحته؟! قطعاً لا!! بل هو يعمل لضرره أشد الضرر، فهو يمد له في مفارقته الشنيعة، ويحسنها له.. أنا عندما أعارض د. النعيم، وبشدة أدافع عن ديني وقيمي، واصحح التشويه الذي ألحقه د. النعيم بالإسلام وبالفكرة الجمهورية.. وبنفس هذا الصنيع أنا أعمل على نصرة النعيم، وأحاول إنقاذه من الهلكة المخيفة التي أدخل نفسه فيها.. أنا أعمل على نصرة د. النعيم، فنصرة الظالم كما قال المعصوم، هي أن ترده عن ظلمه.. أما من يؤيدون النعيم فهم يخذلونه، ويمدون له في محاربة ربه، فهؤلاء لا يهتمون به كإنسان، بنفس القدر الذي به لايهتمون بدينهم. هجاء التجربة التسليكية: التجربة التسليكية هي ما قامت عليه حياة الأخوان والأخوات الجمهوريين من تربية وسلوك وفق طريق محمد صلى الله عليه وسلم، مع الجهاد في حمل الدعوة وتوصيلها للناس.. هذه التجربة هي أعظم ما عشناه كجمهوريين.. وهي كانت تجربة ممتعة جداً رغم ما فيها من تقشف شديد ومن نشاط متصل.. وعن هذه التجربة قال الأخ العوض مصطفى: يكفيني أني عشت زماناً كان له طعم ومذاق يكفيني أني كنت جليسك رغم شعور الإبن العاق وجاء هذا في قصيدة تنشد فتثير في الأخوان والأخوات الحنين الشديد لتلك التجربة العرفانية السلوكية العظيمة.. هذه التجربة لم تعجب د. النور وواضح إنه عاشها على مضض، فقال عنها: (تعود الجمهوريون ذلك النمط من العيش البسيط المنحصر، وأصبحوا من ثمَّ يستوحشون من حياة المجتمع العريض. وقد خلق ذلك العيش المنحصر الذي يشبه خلوات الصوفية، شقة من نوع ما، بينهم وبين أهليهم وذويهم، وأصدقائهم. ويمكن القول إن الجمهوريين قد أحبوا تلك العزلة السلوكية واستمرأوها).. 9 (الشاهد أن تجربة الجمهوريين "التسليكية" التي عاشوها مع الأستاذ محمود محمد طه، والتي حالت بينهم وبين الأدب والفن، والموسيقى والتمتع بمباهج الحياة، في تجلياتها المختلفة، ليست هي الصورة التي ينبغي أن يكون عليها حال الجمهوريين في مقبل أيامهم).. 10 (وعلى سبيل المثال أيضاً، قام السلوك في تلك الحقبة، على مجافاة الفنون، مجافاة تامة. كنا محصورين فيما نحن محصورون فيه. لم نكن نحضر حفلات الأعراس. حتى التي تقام في مناسبات ذوينا، وأهلنا، وأقاربنا، لم نكن نرتاد السينمات، ولا المسارح..).. 11 إلى أن يقول: (غير أنني لا أريد الرجوع إليها أبداً. لو أردت الحق، أنا لم أعد أطيقها. هل معنى هذا أنني تركت السلوك؟ لا وألف لا).. 12 أنت فقط لم تترك السلوك وحسب، وإنما أبنت بصورة وافية رفضك لمنهجه، ونقدك له.. بالنسبة لجميع الجمهوريين كانت تلك الفترة أمتع فترة في حياتهم، وإلى اليوم هم يستمتعون بتناول ذكراها وفي كل مجالسهم تقريباً يتحدثون عنها بشوق شديد فهي المتعة الحقيقية.. ولكنها ليست المتعة بمباهج الحياة الدنيا، التي يريدها د. النور، وإنما هي المتعة بمباهج الدين، وهي متعة حقيقية عظيمة، وباقية، وأمتع من المباهج التي يريدها د. النور بكثير جداً.. المهم أن د. النور كان ساخطاً على التجربة التسليكية، ولذلك كانت استفادته منها، إذا كانت موجودة، ضعيفة جداً.. والإعلان الحقيقي لخروج د. النور من الفكرة بدأ من هنا.. سئل الأستاذ محمود: لماذا التقشف الشديد في الطعام، هل أكل الطعام الطيب حرام؟ فرد الأستاذ: لا ليس حراماً.. ولكنننا لا نأكله إلا إذا أكله جميع السودانيين.. والتفشف سنة النبي صلى الله عليه وسلم.. وقد كان تقشفنا، خصوصاً في أمر الطعام، دون تقشف المعصوم بكثير. د. النور هجا حياة التجربة التسليكية الشاقة والمتقشفة، وهي التطبيق العملي للمنهاج، هي العمل في إحياء السنة.. ولقد حاول د. النور أن ينسبها للتصوف، مع أن التصوف نفسه في هذا الجانب هو محاولة لاتباع السنة. وهو أيضاً هجا جنة الأرض.. اسمعه يقول: (هل اقول لك شيئاً، ربما تجده، أو ربما يجده غيرك، ممن سأبعث لهم بهذه الرسالة، غير ملائم بعض الشيء، وهو أنني أصبحت أحس أن الحياة بعد نزول المسيح، بالصورة التي ظللنا نرسمها لها أو قل على وجه الدقة، التي ظللت أرسمها لها أنا، حياة مملة جداً بل وسخيفة)!! 12 هذه الحياة التي يهجوها هي حياة جنة الأرض الواردة في قوله تعالى: "وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ".. وهي قمة الكمال الذي يتحقق في إطار أمة المسلمين، أخوان النبي صلى الله عليه وسلم.. مجرد الحس الديني خلي عنك الفهم، يجد قول د. النور هذا يقوم على مفارقة كبيرة للدين.. فإذا كان د. النور يهجو أعظم ما تفضل الله به على عبيده، فمن الطبيعي ن يهجو كل ما دون ذلك.. فدين د. النور لا يقوم على عقيدة، بل يسيء للعقيدة، ولا يقوم على فهم، ولا يقوم على حس سليم.. ويستطيع د. النور أن يقدم اقتراحاته لتصحيح الخطأ الذي تصور أن الله تعالى وقع فيه، حتى تأتي الجنة وفق كماله هو، بدل نقص الذات الإلهية في زعمه!! نواصل المراجع : 1/ النصوص 1، 2، 3 ، 4، 5 منشورة بموقع الجمهوريين الخاص (الصالون). 2/ النصوص 6، 7 من محاضرة عنوانها (من هو الإنسان في حقوق الإنسان) ألقاها النعيم في المؤتمر الذي انعقد في جامعة هارفارد بعنوان (Rethinking the Secular) في شهر أكتوبر 2007: رابط المحاضرة: Ref: www.hds.harvard.edu/cswr/resources/lectures/annaim.html 3/ النص 8 من كتاب النعيم بعنوان: قانون الأحوال الشخصية للمسلمين في عالم متغير: كتاب مرجعي عالمي.. إصدار زيد بوكس، 2002.. 4/ النصوص9، 10 ، 11 ، 12 من خطاب د. النور حمد للاستاذ طه ابو قرجة ________