قال الشاعر لا أرى في عيوب الناس شيئاً كنقص القادرين على التمام، وكذلك لا أرى في عيوب المناطق شيئاً أسوأ من عدم الاستفادة من مواردها الطبيعية والبشرية، فيما يعود على الناس بالمصلحة والتنمية والاستقرار. وحدثينا في هذا المقام ينحصر في دار الريح، وهي تلك الأرض الواقعة في شمال كردفان، وتشمل مساحة واسعة من ضمنها حوض بارا الجوفي ومنطقة الخيران التي يمكن أن تكون سلة غذاء السودان والإقليم العربي بأكمله إذا توفرت الإرادة المطلوبة واللازمة لجعل الزراعة، بكل أشكالها، هي النشاط البشري الأول لسكان المنطقة. ودار الريح يمكن أن تكون أكبر منطقة إنتاج زراعي وحيواني، إذ تتوفر فيها الأرض الصالحة للزراعة المطرية والمروية، وبها مياه وفيرة، ومراعي واسعة، وإن كانت بحاجة لتطوير، وإنسانها كادح بطبيعة الحال، ولديه خبرة واسعة في مجالات الزراعة والرعي، لولا أن شغله عنها التعدين الأهلي في الوقت الراهن، فضاعت فرص نادرة للنهوض بهذا القطاع الحيوي. ولمناقشة هذه المسألة طرحت بعض الأسئلة في وسائط التواصل الاجتماعي من أجل الحصول على مختلف وجهات النظر من المختصين والعاملين في هذا المجال الحيوي والمسؤولين بشكل عام حتى نتعرف على وجه الدقة على المعوقات التي تعترض سبيل الزراعة في دار الريح حصرياً، بيد أنها لا تنفك عن بقية أجراء الوطن حيث الجميع في الهم شرق. كانت تلك الأسئلة كالتالي: ما هي معوقات الزراعة في ولاية شمال كردفان وبالذات دار الريح أو منطقة بارا الكبرى؟ وما هي توقعاتكم فيما يتعلق بقطاع الزراعة من أجل النهوض بالمنطقة. وأود أولاً لفت الانتباه إلى أن هذه المنطقة تمتاز بمقومات طبيعية يندر توفرها لمنطقة واحدة، إلا أنها لم تستغل بالوجه الأمثل حتى الآن؛ نظراً لكثير من العوامل والمعوقات. وهنالك شبه إجماع بين من استجابوا لهذا الأسئلة حول معوقات الزراعة من عدة جوانب. أولاً هنالك تقاعس من بعض الجهات المسؤولة، فالسلطات الزراعية في ولاية شمال كردفان تغط في سبات شتوي مستدام، فهي لا تحرك ساكن تجاه النهوض بالزراعة ولا تقدم الدعم الفني أو المكافحة، أو الرعاية البيطرية، ولا حتى أبسط التدريب على استخدام الآلات الزراعية الحديثة، التي من شأنها نقل العمل من الطريقة التقليدية إلى ما يتوافق مع هذا العصر بقدر الإمكان! ومن جانب آخر، فشل البنك الزراعي، بجميع فروعه العاملة في الولاية، في تقديم التمويل المطلوب بطريقة تحقق الأهداف المرجوة من الزراعة، فهو يعتمد بالدرجة الأولى على الوسطاء والسماسرة؛ لكي يقوم بإنفاذ التمويل لبعض الناس، الذين يتعثرون في الغالب، وينتهي بهم الأمر إلى غياهب السجون عند عجزهم عن سداد تلك الأموال؛ لأن البنك أصلاً لم يقدم التمويل وفقاً لدراسات جدوى ولم يقم بأية متابعة فنية ليتحقق من استخدام الأموال للأغراض التي من أجلها منح التمويل، وهو في معظم الأحيان محدود وشحيح لا يشجع على التوسع في الزراعة ولا تربية المواشي؛ حتى تحقق عائداً مادياً مجزياً للعاملين في هذه القطاعات، ولذلك يتعرضون لنكبات تجعلهم يحجمون عن العمل بالزراعة مستقبلاً. ومن ضمن المعوقات، التي أشار إليها المستجيبون للاستطلاع، تكلفة الوقود العالية جداً مع تدني أسعار المنتج الذي لا يجد طريقه للأسواق البعيدة ولا حتى المحلية بسبب تكلفة النقل وعدم وجود تسهيلات أو مواعين تخزين مناسبة وعصرية تجعل من الممكن الاحتفاظ بتلك المنتجات حتى تتحسن الأسعار فيستفيد المنتج. ومن نافلة القول الحديث عن توفير التقاوي في الأوقات المناسبة وبالأسعار المعقولة التي تكون في متناول كل مزارع حسب قدرته المالية. فلماذا لا يسعى البنك الزراعي والشركات العاملة في هذا المجال، والجهات الرسمية ذات الصلة، لتكوين محافظ مالية، بالتنسيق مع المؤسسات المالية والمصارف؛ لتوفير تقاوي محسنة وإدخال حزم إنتاجية تتناسب وطبيعة المنطقة من الناحية الفنية. يضاف إلى ما ذكر عدم وجود مراكز تدريب على الإنتاج الزراعي والحيواني، مع العلم أن هنالك كلية للموارد الطبيعية في جامعة كردفان، إلا أن خريجيها، حسب علمي، لا يجدون من يوظفهم؛ لكي يستفاد من خبراتهم ودراستهم. وبعض المزارعين ما زال يستخدم وسائل تقليدية غاية في التخلف، وبالتالي يظل الإنتاج محدوداً مقارنة مع بعض دول الجوار، من حيث الجودة أو النوعية والكمية. فيما يتعلق بالزراعة المطرية هذا الموسم كان من المتوقع أن يكون من أفضل المواسم لكن للأسف قضت "البقة" على البطيخ والطير أكل الدخن، دون أي تدخل من الجهات الزراعية لتدارك الوضع في القوت المناسب، والآن "القبور" يحاصر السواقي ويهدد العروة الشتوية، وناس الزراعة لا يحركون ساكناً! فهل يا ترى يترك إنسان هذه المنطقة الوادعة والمنتجة نهباً للآفات أم أن هنالك خطة مدروسة لإنقاذه من براثن الجوع المتوقع؟ هنالك دول في المنطقة لا تتجاوز مساحتها نصف مساحة دار الريح ولكنها بفضل الله وحسن التخطيط استطاعت أن تجعل من الزراعة مصدراً للدخل القومي عبر حزم من التقنيات والتسهيلات والشراكة الإنتاجية، فلماذا لا نحذو حذوها؟ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.