فى يوم 7 ديسمبر من كل عام يحتفل العالم " بيوم الطيران المدنى العالمى" وذلك عندما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 33/ فى 51 فى عام 1996والذي حدد يوم 7 من ديسمبر للاحتفال بيوم الطيران المدني الدولي منظومة الأممالمتحدة. وذلك تخليدا لذكرى التوقيع على معاهدة الطيران المدني الدولى من قبل 54 دولة فى 7ديسمبر 1944 في مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة والتى سميت فيما بعد باسم " معاهدة شيكاغو" وهي المعاهدة الدولية التي سمحت بتطوير الطيران المدني الدولي على نحو آمن ومنظم وبمقتضى هذه المعاهدة م، تم انشاء منظمة الطيران المدني الدولي الايكاو هي إحدى منظمات الأممالمتحدة، مهمتها هي تطوير اسس أو تقنيات الملاحة الجوية والتخطيط لها والعمل على تطوير صناعة النقل الجوي لضمان امنها وسلامتها ونموها وتبلغ عدد عضويتها حتى الان 193 و ينظر اليها الان بانها " وزارة الطيران للعالم " ومن أبرز الإنجازات التي تحققت على يد المنظمة في مجال الطيران المدني هى اتفاقيات أمن الطيران في طوكيو في عام 1963 ولاهاي 1970 ومونتريال 1971 بالإضافة إلى بروتوكول مونتريال 1988 وقامت المنظمة بالتعاون مع الدول الأعضاء باصدار مايسمى بالمعايير و الممارسات الموصى بها Standards and recommended practices التى تهدف الى سلامة النقل الجوى الذى يتكون من شركات الخطوط الجوية والتى تقوم ب نقل المسافرين و البضائع جوا بالطائرات من مكان الى اخر , و المطارات التى تقدم الخدمات الى الجمهور خدمة الطاءرات , و خدمات الملاحة الجوية التى تقوم بارشاد الطائرات خلال الرحلات الجوية و العمل على منع التصادم بينهم , و سلطات الطيران المدنى وهى تمثل الجهة الرقابية و التنظيمية لجميع انشطة الطيران ويجدر ذكره بان الطيران المدنى السودانى عضو فى منظمة الايكاو كما سوف نتطرق الى ذلك لاحقا كما كان للمنظمة دور كبير وفعال فى اعادة الثقة و الطمأنينة لامن الطيران بعد احداث سبتمبر2001 التى شكلت اكبر صفعة لسلامة و امن الطيران فى التاريخ . وبمناسبة هذا اليوم العالمى ,فاننا ننظر بحسرة الى واقع حال الطيران فى السودان والذى هو بدون شك دون مستوى التوقعات و التطلعات ! ويبدو ان اللعنة السودانية " البدايات الجيدة و النهايات السيئة" او امجاد الماضى و بؤس الحاضر تجد لها تاكيدا فى حال الطيران السودانى , وكما قال لى احد اصدقائى وهو من الذين نطلق عليهم " الازرقيون" نسبة الى العم ازرق والذى كان فى العام 1956 يرفض خروج الانجليز من السودان ويطالب ببقائهم 20 سنة على الاقل بحجة ان السودانيين غير مؤهلين لحكم انفسهم وانهم سوف يدمرون بلدهم , قال لى هذا الصديق " الم تلاحظ بان التدهور الواضح قد عم جميع مناحى الحياة فى بلادنا منذ خروج الانجليز ؟ " فمن المعروف بان السودان كان من اوائل الدول فى المنطقة التى عرفت الطيران وتعاملت معه , فالتاريخ يقول بان سلطة الطيران المدنى السودانى ظهرت الى الوجود في عام 1936م وكانت تتمثل في مكتب يتبع للسكرتير الإداري البريطاني أثناء الحكم البريطانى للسودان ويتمثل نشاطه في مباشرة مهام و تصريفات العبور والهبوط للطائرات وكانت الخدمات الفنية تدار بواسطة شركات انجليزية حتى استقلال السودان عام 1956م .ومع بدء السودنة تبدل نظام العمل من نظام الشركات إلى قطاع حكومي فأنشئت مصلحة الطيران المدني تحت أشراف وزارة النقل والمواصلات والسياحة وانضمت في نفس العام لمنظمة الطيران المدني الدولية (ICAO) . وفى عام 1960 صدر قانون الطيران المدني السودان واللوائح الصادرة بموجبه لتنظيم حركة النقل الجوى بأجواء البلاد على المستوى الداخلي والعالمي . اما على صعيد شركات الخطوط الجوية , فالخطوط الجوية السودانية او كما يطلقون عليها اختصارا و تحببا " سودانير" فهى الاخرى تعتبر واحدة من اقدم شركات الخطوط الجوية فى المنطقة كما ذكر فى الموسوعة العربية , اذ انها تاسست فى فبراير من العام 1946 و بدات سفرياتها فى يوليو 1947 وكانت تتبع اداريا لسكك حديد السودان وذلك للعمل فى المناطق التى لا تصلها خدمات السكك الحديدية وكانت تشرف عليها الشركة البريطانية Air Wok ويذكر التاريخ ايضا بان سودانير شهدت ازدهارا و نجاحا كبيرا حتى فترة السبعينيات حيث كانت من اوائل الشركات التى استخدمت طائرات الفوكر و البوينغ , و فى اوائل التسعينيات كان لسودانير قصب السبق فى تشغيل الطائرة الايربص 320 التى كانت حديثة العهد وكانت قلة فقط من الشركات على مستوى العالم تشغلها والان اصبحت الطائرة الاكثر مبيعا فى العالم وتتبارى الشركات فى اقتنائها , وكانت شبكة سفريات سودانير تغطى كل المطارات الداخلية اما السفريات العالمية فقد كانت تشمل كل مدن الشرق الوسط ومنذ زمن بعيد وفى مرة قال لى مسؤول فى الطيران القطرى بان سودانير كانت من اوائل الشركات التى كانت تعمل فى الدوحة منذ العام 1974 !! وكذلك كان لسودانير سفريات منتظمة الى المدن الرئيسة فى اوروبا , اما لندن فكان لسودانير رحلة يومية منتظمة ! , والسؤال المشروع ما الذى حدث و اوصلنا الى هذا الحال ؟؟ لاشك بان التدهور الماثل الى العيان الان و الممثل فى حالة سودانير و معها بقية الشركات الوطنية و مطارات السودان وعلى راسها مطار الخرطوم مقارنة بشركات الطيران و المطارات فى دول الجوار لندرك مدى الهوة الشاسعة التى تفصلنا عن العالم هو نتيجة منطقية للتدمير الممنهج طيلة سنوات حكم الانقاذ ! فسياسة التمكين ( الولاء قبل الكفاءة) قد ادت الى اقصاء و ابعاد الخبرات و الكفاءات فى مجال الطيران وهم بهذه المناسبة يملكون خبرات نادرة فى تخصصاتهم وانفقت مبالغ باهظة وموارد ضخمة على تدريبهم و تاهيلهم وحل محلهم اناس لاعلاقة لهم من قريب او بعيد بالمجال ويكفى نظرة على الاسماء التى تقلدت وظائف المدير العام للطيران المدنى و سودانير طيلة فترة الانقاذ لنعرف حجم الماساة , فسودانير الان حالها يغنى عن سؤالها فلا هى حية ترزق ولا هى ميتة يجب الترحم عليها اذ انها تعمل بطائرة واحدة فقط وتطاردها الديون الكبيرة فى اغلب محطاتها الخارجية ! اما الشركات الاخرى فهى لا تقوى على منافسة الشركات الاجنبية , بسبب عدم امتلاك هذه الشركات للطائرات الحديثة ذات البدن العريض Wide body المتخصصة فى تنفيذ الرحلات الطويلة وهى تلك الطائرات التى تتميز بوجود ممرين فى مقصورة المسافرين بدلا من ممر واحد الذى تتميز به الطائرات ذات الجسم الضيق وجميع هذه الشركات بما فيها سودانير موجودة فى القائمة السوداء الاوربية التى تمنع وصول هذه الطائرات الى اوروبا لمخافتها و عدم التزامها بمواصفات السلامة كما ان نسبة الحوادث الجوية المرتفعة فى السودان قد القى بظلال سالبة و سمعة غير حميدة للطيران السودانى ! و بالطبع لا يمكن اغفال الحظر الامريكى بسبب وجود السودان فى قائمة الدول الراعية للارهاب والذى كما يقولون زاد الطينة بلة بسبب حرمانه للشركات السودانية من اقتناء احدث الطاءرات و توفير قطع الغيار بالسرعة المطلوبة ومن المصدر مباشرة بدون المرور عن طريق الوسطاء ! . وعند تفجر الثورة كان من المتوقع ان تلتفت الحكومة الانتقالية الى مد يد العون و انتشال الطيران السودانى من وهدته ! ولكن يبدو ان قطاع الطيران لا يحظى فى الوقت الحاضر بالاهتمام الكافى فى ظل التحديات الكبيرة التى تواجهها الحكومة و التركة المثقلة التى ورثتها عن الحكم السابق . والحل فى نظرى يكمن فى حزمة اجراءات تحتاج بالاضافة الى الموارد المالية الى ارادة قوية , وفى هذا الصدد فلنا عودة باذن الله. والله المستعان عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.