في يوم 14 ديسمبر 2020 حسمت نتيجة انتخابات الرئاسة الامريكية لصالح المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن. حيث تحصل بايدن على 306 صوت من أصوات المجمع الانتخابي بينما تحصل ترمب على 232 صوت. صوت كل ممثلي الولايات المتأرجحة التي دفع فيها الرئيس ترمب بدعاوي قضائية تعسفية لإلغاء نتائج التصويت بحجج وهمية مثل "تزوير الناخب" أو "التلاعب في الاقتراع" او "عدم السماح بدخول المراقبين لمسار عملية الاقتراع" لصالح جوزيف بايدن. منذ بداية الانتخابات أعلن ترمب أنه سيكون هو الفائز لو كانت العملية الانتخابية نزيه واذا خسر سيسعى إلى تحدي ذلك قانونيا زاعما حدوث تزوير في الانتخابات. لقد ادرك الرئيس ترمب منذ أن تم اختيار بايدن كمرشح للحزب الديمقراطي أنه ربما يخسر الانتخابات هذه المرة. لذلك بدء مبكراً في البحث عن سجل بايدن خارج الولاياتالمتحدةالامريكية ولم تنجح مساعيه في الحصول على إي بينة تدين منافسه. ومما ساعد ترمب في المضي قدماً في ادعاءاته الكاذبة بعد ظهور نتائج الانتخابات حصوله على أكثر من 70 مليون صوت محققاً بذلك ثاني أكبر حصيلة للأصوات الانتخابية في التاريخ الأمريكي وهو ما يزيد عن 47% من أصوات الناخبين على مستوى امريكا، و فاز بأربع وعشرين ولاية من بينهم الولايتان المفضلتان لديه فلوريدا وتكساس. وأثبتت نتائج الانتخابات تمتع ترمب بشعبية غير عادية في مساحات شاسعة من الولاياتالمتحدةالامريكية، وصلة وثيقة بألاف من أنصاره أوصلهم إلى شعور بالإخلاص يشبه العبادة. وهذا ما يفسر العدد الهائل من المحامين وشركات القانون التي ساندته ورفعت قضايا نيابة عنه في معظم الولايات بدون وجود أي دليل ذو معنى. حاول محامي ترمب استغلال النظام القضائي لتقويض العملية الانتخابية مما يدمر ثقة الناخب في النظام الديمقراطي. لكن النظام القضائي الأمريكي وقف سداً منيعاً امام ترمب ومؤيديه والمدافعين عنه من أمثال رودي جولياني المحامي الشهير وحاكم ولاية نيويورك السابق. رفض القضاة الفيدراليون وقضاة الولايات، بغض النظر عن الانتماء السياسي السابق ، بسرعة وشجاعة هذه الدعاوى القضائية التي لا أساس لها من الصحة. في ولاية بنسلفانيا رفضت المحكمة العليا طلب الجمهوريين من الولاية لإلغاء انتصار بايدن في الولاية، رغم انه يوجد بالمحكمة ثلاثة قضاة من انصار الحزب الجمهوري منهم القاضية آمي كوني باريت، التي كان تعينها السريع في أكتوبر مدفوعا إلى حد كبير بالأمل في أنها ستصوت مع الرئيس في النزاعات الانتخابية. جاء حكم المحكمة بالأجماع وكتب أحد القضاة الثلاثة المعينين من قبل ترمب وأسمه ستيفانوس بيباس تقيماً قاسياً لضعف الدعوى "الانتخابات الحرة والنزيهة هي شريان الحياة لديمقراطيتنا". "التهم بعدم العدالة خطيرة. لكن وصف الانتخابات بأنها غير عادلة لا يجعلها كذلك. تتطلب الاتهامات ادعاءات محددة ثم إثباتها، ليس لدينا هنا أي منهما. وليس عذراً لرفع الدعوى في أن "العميل" - لجنة إعادة انتخاب المرشح الرئاسي الفاشل أو الحلفاء السياسيين المحليين – يطالبون او يريدون تأكيد هذه الادعاءات. لا يجوز للمحامي تقديم مثل هذه الخلافات في المحكمة دون وجود أسباب حقيقية لها. قد يدعي السياسيون ادعاءات غريبة أو يخترعون "حقائق بديلة". لكن لا يجوز للمحامين أخلاقياً تبني نفس الدعاوي في دعوى قضائية بحدوث الاحتيال، ما لم يكونوا قد أكدوا لأنفسهم أولاً أن هناك أساسًا واقعيًا سليماً لمثل هذه التهمة الخطيرة. تحظر المبادئ الأساسية لأخلاقيات المهنة على المحامين أن يصبحوا أدوات في حملة لاستخدام المحاكم لإثارة هجمات لا أساس لها على نزاهة المؤسسة الأساسية لديمقراطيتنا، وهي حق الناس في اختيار قادتهم. كما أنه لا يجوز البدء في رفع دعوى قضائية بتقديم أطروحة العميل ، على أمل ضئيل أن يظهر بعض السند او الدعم لهذه الاطروحات. تحدد لوائح رابطة المحامين الامريكية (ABA) السلوك المهني النموذجي للمحامين وتطالبهم بالامتناع عن رفع أي دعوى قضائية ما لم يكن هناك أساس قانوني او واقعة للقيام بذلك، هذا ليس عبثاً" ** سبب ذلك الحكم نكسة كبيرة لترمب وحلفائه الذين بعد ذلك توالت عليهم سلسلة من الخسائر في المحاكم في جميع انحاء البلاد. هنا تكمن الدروس والعبر التي يجب الاستفادة منها في السودان كدولة تسعي الى التمسك بالنظام الديمقراطي الليبرالي. وجود نظام قضائي مستقل هو أهم ركيزة في ممارسة واستدامة الديمقراطية في بلادنا. وكما قال الكساندر هاملتون أحد واضعي دستور الولاياتالمتحدة "لا وجود لحرية بدون الفصل التام بين السلطة التنفيذية والتشريعية". يجب النص صراحة في الدستور المرتقب على مبدأ الفصل بين السلطات كمطلب شعبي وضروري للوصول إلى سيادة القانون وتطبيقه دون تمييز. ولعل من أهم المبادئ المنبثقة والمترتبة على مبدأ الفصل بين السلطات مبدأ استقلال القضاء كضمانة أساسية لبناء دولة القانون وحماية الحقوق والحريات. علي القضاة بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية او الاجتماعية، النظر في القضايا على حسب ادعاءات محددة واضحه تتم اثباتها بطرق قانونية سليمة. ويجب على كل افراد المجتمع الاحترام والالتزام الصارم بحكم القضاء. وهنا يجب التذكير بتجربة حل الحزب الشيوعي عن طريق الجمعية التأسيسية في العام 1965، وتعديل الدستور لطرد نوابه من البرلمان وحكمت المحكمة العليا في البلاد بعدم قانونية حل الحزب وطرد نوابه من البرلمان ولكن الأحزاب السياسية المسيطرة على الجمعية التشريعية رفضت حكم المحكمة منتهكةً بذلك استقلال القضاء. كان ذلك احدى الأسباب الرئيسية لتقويض الديمقراطية بقيام الجيش بالاستيلاء على السلطة في مايو 1969. *ترجمة من مقال اصدره 25 من الرؤساء السابقين لرابطة المحامين لمنطقة كولمبيا بياناً في صفحة الرأي في واشنطن بوست بتاريخ 1 ديسمبر 2020 أدانوا فيه سلوك المحامين الذين دافعوا عن ترمب بدون وجود إي دليل او اثبات لدعواتهم القضائية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.