عرف السودان بأنه صاحب طراز فريد بين المجتمعات الإقليمية والعالمية لما يحمله أهله من صفات نادرة وسامية علي رأسها الكرم والنخوة والشجاعة فضلا عن ذلك التكافل والترابط الأسري القوي الذي يضحي الجميع من أجل الحفاظ عليه .. لم يعرف عن أهل السودان قاضبة غير الطيبة والتسامح والأخلاق الحميدة وكانت كل مكوناته تنعم بالأمن والأمان والاستقرار .. عندما كنت طالبا في احدي الجامعات اليونانية كان لي بعض الأصدقاء من دولة تشاد، بعضهم يتحدث اللغة العربية وآخرين يجيدون الفرنسية والمحلية فقط .. لقد كانت دهشتنا فيهم كبيرة لأنهم كانو يتحدثون عن السودان وكأنه دولة عظمى وكانت لهم أغنيات تقول .. السودان بلد الأمان .. والأغرب من ذلك كانت لديهم مكتبة غنائية ضخمة لكل فناني بلادنا وكانوا يحفظون اغانيها ويرددونها في مناسابتهم الخاصة وكنا في بعض الأحيان نستلف منهم أشرطة الكاسيت النادرة .. حقيقة أننا لم نعرف قدر وقيمة الوطن ومكانته عند الآخرين إلا بعد غربتنا واحتكاكنا مع الشعوب الاخري .. يكفي شعب السودان فخرا وبحسب منظمة الشفافية الدولية حصوله علي المرتبة الثانية بعد ايرلندا في الأمانة الشخصية .. هكذا كنا بالأمس فأين اصبحنا للأسف اليوم؟! .. في نهاية ثمانينات القرن الماضي استولت عصابة الإنقاذ البائدة علي مقاليد الحكم في البلاد ومنذ ذلك التاريخ الأسود بدأت تتآكل بالتدريج كل الصفات الطيبة والنبيلة التي كانت تعرفنا بها الأمم الاخري وكان ذلك بسبب مايعرف بمشروع التمكين الذي وضع اللبنة الأولى في سلم الظلم والمحسوبية فكانت اول ثمراته مجزرة الخدمة المدنية التي تشرد بموجبها الآلاف من خيرة الخبرات الوطنية المشهود لها بالكفاءة والنزاهة ليحل محلهم قوم من الرعاع يجهلون كل شيء ويفسدون كل صالح ويخربون كل بناء قائم كأنما اتو وهم يحملون معاول الحقد الدفين علي البلاد والكراهية البغيضة ضد العباد حتي صرنا في دهشة لا نعرف كما قال الأديب المرحوم الطيب صالح من أين جاء هؤلاء؟ كانت السنين تمر وتزداد عجافا المرة تلو الأخرى وكان الانزلاق نحو الهاوية يسارع في خطواته والسير داخل النفق المظلم يتقدم ولا يبشر بأن هناك ضؤ في نهايته، هكذا كنا مثل قوم موسي تائهين لمدة ثلاثون عاما في بلادنا وقد ضربت علينا الذلة والمسكنة تحت نيران وسياط جلادي الطغمة الفاسدة التي نزعت من قلوبها الرحمة .. الآن وبعد الانعتاق من عبودية المشروع اللاحضاري الذي خططت له الحركة الإسلامية الذي كان يهدف الي تغيير سلوكيات وأخلاقيات جيل كامل من الشباب حتي تسهل قيادتهم ليدوم لهم الولاء الكامل في حكم البلاد .. هذا المخطط الإجرامي كان من تصميم الراحل دكتور الترابي الذي شرب من نفس الكأس الذي سقي به الآخرين وذلك عندما تساوت الأكتاف غدر التلاميذ بشيخهم وعزلوه لأنه لم يحسن تربيتهم وانفردو بغنيمة السلطة التي فتحت شهيتهم ليتبارو بعدها في الزواج المثني وثلاث ورباع بعد ان تطاولو في البنيان وهم الحفاة الرعاة فزداتهم ملذات الحياة غرورا فوق غرور حتي نسو الله فانساهم انفسهم ثم سقطوا أزلاء جزاء بما كانوا يعملون من فساد ونفاق وكذب وتجارة بإسم الدين .. بعد سقوط طغمة الفساد الذي انكشفت اقنعته الزائفة التي كانت تتدثر برداء الدين وتدعي بأنها لا تسعي للجاه ولا للسلطة مع أن واقع حالها يقول بأنها تعمل من اجل دنيا زائفة دفع ثمنها الباهظ الوطن الجريح وهنا لا يتسع المجال لذكر تفاصيل موارد هذا الثمن لأنه يحتاج لمقالات كثيرة منفصلة لتوفيه حقه من التفصيل والحصر والتمحيص .. الآن بعد أن تخطينا اكثر العقبات وعورة وعلي رأسها ملف السلام رقم أنه منقوص ولكنه تحقق كخطوة في الإتجاه الصحيح ثم تلاه مؤخرا رفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، كل ذلك يجعلنا نتفائل بأن القادم سيكون أجمل وأفضل لأن طموح العسكر بالاستيلاء علي السلطة قد تبخر و أيضا فشلت خطة الفلول البائدة لإسقاط الحكومة المدنية بسبب الضائقة المعيشية وزيادة التضخم جراء مضاربتهم في العملات الاجنبية .. الآن لم يبقي هناك مهدد للثورة غير عشم إبليس أن ينفض اصحابها من حولها وهذا من المحال بعد كل هذه التضحيات الكبيرة التي دفعها شباب وكنداكات الشعب السوداني .. في هذه المرحلة الدقيقة التي نمر بها علينا الاستعداد في توسيع المواعين لاستيعاب كل المعونات والهبات ومشاريع الاستثمارات التي سوف تتدفق علي البلاد خاصة واننا نملك ما نقدمه كشريك أصيل مع أي مستثمر محلي أو أجنبي في خطط تنموية تعود بالفائدة علي البلاد والمستثمرين فيه .. ختاما .. سودان ما بعد الانعتاق من براثن رعاية الإرهاب سيكون له شأن يعود به الي السيرة الأولى التي كانت محفورة في أذهاننا والعالم من حولنا وسوف نردد مرة اخري مع الشاعر إسماعين حسن: تصور كيف يكون الحال لو ما كنت سوداني وأهل الحارة ما أهلي .. تصور !! د. عبدالله سيد احمد 18/22/2020 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.