لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان هل أصبح مخلب قط للمصريين لتدمير سد النهضة العظيم؟ .. بقلم: أحمد القاضي
نشر في سودانيل يوم 13 - 01 - 2021

(الحرب مسألة خطيرة لا يجوز أن يترك أمرها للجنرالات) مقولة شهيرة للطبيب والصحفي ورئيس وزراء فرنسا الداهية كليمنصو (للمرة الثانية 1917-1920) الملقب ب(النمر).....وهذا يعني أن قرار الحرب قرار سياسي بإمتياز، يحتاج إستصداره إلى رؤية سياسية ثاقبة، تستند إلى نظرية (الحرب العادلة) ...وهي نظرية شغلت الفلاسفة بدءآ بإفلاطون، وتدور حول المعايير، التي يمكن إعتمادها لمعرفة عما إذا كانت هذه الحرب او تلك عادلة أم غير عادلة ...وكان الفيلسوف القديس أوغسطينوس (354-430) أول من أدخل فلسفة الحرب العادلة، في الأدبيات الغربية....وجاء بعده الفيلسوف واللاهوتي توماس الإكويني (1225-1274) ليحدد المعايير الضرورية المطلوبة، للحكم على عادلية الحرب من عدمه، وهي ستة معايير باتت القاعدة المعيارية، في فلسفة الحرب العادلة.... وسوف أورد هنا معيارين لنحكم، عما إذا كانت الحرب، التي دفع إليها جيشنا ضد أثيوبيا عادلة أم غير عادلة | المعيار الأول: هل الحرب التي يراد خوضها مبررة أخلاقيآ؟. | الثاني : هل الحرب هي الحل الأخير أم يمكن تجاوزها بخيارات أخرى؟
لا ناقة للسودان فيها ولا جمل
فلا مشاحة أن هذه الحرب، هي حرب ليس للسودان فيها ناقة ولا جمل، فقد استيقظ الشعب صباح يوم 19 ديسمبر الماضي، وطبول الحرب تصمّ الآذان، والميديا المحلية تهلل، لزحف الجيش نحو الفشقة لتحريرها.....والصورة هذه، فإنه من الواضح أن المؤسسات السياسية للفترة الإنتقالية لأ أثر لها، فالبرلمان الذي كان يفترض أن يصدر قرار الحرب إذا إقتضى الأمر، كما هو الحال في جميع الدول المتحضرة ذات الديمقراطية البرلمانية، لا وجود له أصلآ وتم تغييبه لحاجة في نفس يعقوب المجلس العسكري السيادي.....أما رئيس الوزراء السيد عبد الله آدم حمدوك الكناني، المنوط به إعلان الحرب حسب النظم الديمقراطية البرلمانية، بعد موافقة البرلمان، فإنه لسوء منقلب السودان لا في العير ولا في النفير، وهو آخر من يعلم...ولأنه لا عزاء لقليل الحيلة، فإنه إنتهز عيد الإستقلال، ليقول في خطابه للشعب بعد أن توقف القتال، في أجواء مازالت مشحونة وقابلة للإشتعال :{ إن قوات الجيش والأمن لديها واجب مقدس، للحفاظ على حدود البلاد} أو كما قال.....وهذه حقيقة لا تغيب حتى عن تلميذ المدرسة الإبتدائية، الذي يتم تحفيظه نشيد [نحن جند الله جند الوطن]...ولكن السيد حمدوك لم ينبس ببنت شفة، عن حقه المسلوب في تقرير مسائل الحرب والسلام بعد موافقة البرلمان، ولم يغضب ويضرب الطاولة بقبضته، إحتجاجآ على تهميشه ووضعه في عزاز السلطة، بعد أن فقد مجلس الوزراء وزنه وريشه، وأصبح هو و(قحته) خارج الشبكة بلغة عصر الإنترنيت. فتأمل!
حرب غير عادلة
فالفريق أول عبد الفتاح البرهان لحالة كونه قائدآ للجيش، لا يعطيه الحق في إعلان الحرب ودفع الجيش إلى أتونها، فكما أسلفنا فهذا أمر منوط بمجلس الوزراء [المسلوب سلطاته] والبرلمان [المكنون في رحم المجهول]، اللذين يفترض أن لهما الرؤية والقدرة السياسية، على (تقدير الموقف) وفق الأوضاع الإقليمية والدولية، وتحديد عما إذا كانت الحرب مبررة أخلاقيآ، وضرورية لا مناص منها في ذات الوقت.....ونستطيع القول أن الحرب التي تستهدف أثيوبيا،هي حرب غير عادلة لأنها أولآ: غير مبررة أخلاقيآ، بالرغم من زخرفتها بشعار {تحرير الفشقة من عصابات الشفتا المدعومة من الجيش الأثيوبي}، وضع خطين تحت عبارة (المدعومة من الجيش الأثيوبي)
حسنآ! لماذا هي غير مبررة أخلاقيآ؟ لأنه ببساطة أن اثيوبيا الرسمية لا تنكر البتة، أن الفشقة الكبرى والصغرى أرض سودانية، إستنادآ إلى الإتفاقية الموقعة بين البلدين في 15 مايو سنة 1902 م المحددة للحدود، وإن كانت مسألة تثبيت العلامات الحدودية لم تحسم بعد...... وما إنفك المسؤولون الأثيوبيون، يؤكدون إعترافهم، بأن الفشقة الكبرى والصغرى جزء لا يتجزأ من السودان، وآخر تصريح في هذا الشأن، ما قاله السيد ياسين أحمد رئيس المعهد الأثيوبي للدبلوماسية الشعبية، لقناة الجزيرة في برنامج خاص بتارخ الأول من يناير 2021 م، عن الحرب الحدودية التي يشنها السودان ضد أثيوبيا، إذن ما هو المبرر الأخلاقي، لمحاربة أثيوبيا التي لا تحتل الفشقة؟
التداخل السكاني
وأكثر من هذا، فإن مشهد التداخل السكاني في الفشقة الكبرى والصغرى لا تخطئه العين، وهو نتاج طبيعي لتنقل القبائل الحدودية في الجانبين، للزراعة وتبادل المنافع.....وما من دليل أبلغ مما نشرته وكالة (سونا) في موقعها الإلكتروني، وهذا نصه { القضارف 18-12-2020(سونا) - بدأت اليوم الجمعة عمليات اجراءات دخول العمالة الموسمية وفقا للاشتراطات الصحية بمعبر القلابات بعد موافقة اللجنة العليا للطواريء الصحية بدخول (100) ألف عامل اثيوبي لحصاد المحصولات الزراعية والاجتماعات المشتركة بين قيادات المزارعين ووزارة الصحة والتنمية العمرانية ، حيث قام عدد من المزارعين بجانب اللجنة الفنية من وزارة الصحة وشرطة ولاية القضارف باجراء عمليات استلام قائمة العمال بعد اجراء عمليات الفحص والاشتراطات الصحية من قبل المختصين بوزارة الصحة. وأشاد المزارع ياسر الصعب لدى تسلمه قائمة العمالة من الحدود المشتركة ، أشاد بالاستجابة السريعة للجنة العليا للطواريء الصحية وحكومة القضارف بدخول العمالة لعمليات الحصاد بالقضارف ، وأضاف أن هذه الخطوة تعزز من عمليات حصاد المحصولات في مساحة تفوق تفوق (7) ملايين فدان بالولاية} أ.ه.....وعلاوة على ذلك، فإن مزارعين أثيوبيين يزرعون في الفشقة بموجب عقود بينهم وبين ملاك الأراضي، وآخرين يزرعون بوضع اليد، إلى جانب وجود بؤر إستيطانية قديمة هنا وهناك.
تاريخية مشكلة الفشقة
وكل هذا ليس بالأمر المحدث، إذ يعود ظهور مشكلة الفشقة كمشكلة حدودية، لأول مرة في أعقاب ثورة أكتوبر 1964 م، إذ إنبرت الحكومتان السودانية والأثيوبية لحلها، عبر لجان وزارية مشتركة...... فوجود المزارعين الأثيوبيين في الفشقة، لم يكن يشكل صداعآ لحكومات الديمقراطية الثانية ، لأن ما كان يقلق الجانبين هو المشاكل الأمنية الحدودية المتفاقمة.....لماذا؟ فليس ثمة ما يثير العجب، إذا عرفنا أنه في تلك الفترة ظهرت حركة مسلحة تسمى (حركة تحرير أرتريا) وكانت قاعدتها الأساسية في بورتسودان وكسلا، وتنطلق في هجماتها من الفشقة.... وقد كانت حركة عروبية مغيّبة تزعم في ما تزعم أن أرتريا عربية إسلامية، وبالتالي تتلقى دعمآ غير منكور من البعث السوري، وأدى هذا إلى إنشقاق الماركسيين وجلهم من المسيحيين وتشكيل (الجبهة الشعبية لتحرير أرتريا) الحاكمة لأرتريا اليوم ...كانت كل الأحزاب السودانية، التي ظهرت في الساحة بعد ثورة أكتوبر، تتحمس في تأييدها لحركة تحرير أرتريا، ولم يكن الشعب المغيّب بدعاية مغلوطة، تزعم أن جل سكان أرتريا من المسلمين، أقل حماسآ لها بفعل العاطفة الدينية، ...وقد توترت العلاقات بين البلدين، في أحد تلك الأعوام، عندما عقد الحزب الوطني الإتحادي، مؤتمرآ بمدنية مدني بحضور رئيسه السيد إسماعيل الأزهري (وكان وقتها رئيس مجلس السيادة) وجاء في بيانه الختامي [ويؤيد الحزب الوطني الاتحادي كفاح الشعب الأرتري من أجل الإستقلال]... إستدعت حكومة الإمبراطور هيلا سلاسي في أديس أبابا، السفير السوداني وقدمت له إحتجاجآ شديد اللهجة، لأن البيان كان صادرآ من الحزب الحاكم في السودان آنذاك....وفي المقابل وجدت حركة الأنانيا بقيادة جوزيف لاقو، حضنآ دافئآ في أثيوبيا كرد عملي على إنطلاق المسلحين الأرتريين من الأراضي السودانية لضرب أهداف في أثيوبيا، دون أن تكون حكومات الديمقراطية الثانية قادرة على لجمهم.
بتصاعد عمليات المتمردين الإرتريين ضد حكومة الإمبراطور هيبلاسلاسي، وإنطلاق متمردي جنوب السودان من الأراضي الأثيوبية، وقعت الحكومتان في منتصف العام 1965م، إتفاقية تركزت على ضرورة السيطرة على الحدود من طرف الجانبين، ومنع حركة المتمردين وأسلحتهم وذخائرهم في الإتجاهين، ولكن تلك الإتفاقية ظلت حبرآ على ورق، أولآ، لعجز حكومات الديمقراطية الثانية السيطرة على الحدود، وثانيآ لتعاطف الأحزاب والشعب مع ما سمي آنذاك بحركة تحرير أرتريا....وهكذا فإن إتفاقية العام 1965 م، لم تتعرض لأوضاع المزارعين في الفشقة وغيرها، ولكن إتفاقية عقدت بين الجانين في أوائل العام 1967 م، قد أمّنت على بقاء المزارعين في الجانبين في حيازاتهم، ما داموا ملتزمين بقوانين البلد الذي يستضيفهم.... ومنذ توقيع هذه الإتفاقية، ظل وجود المزارعين الأثيوبيين في الفشقة قانونيآ، ولم يتغير وضعهم طوال العقود الماضية، حتى إستيقظ السودانيون صباح يوم 19 ديسمبر 2020 م، أي بعد ثلاث وخمسين سنة من إتفاقية العام 1967م، على صوت قائد الجيش بأن الجيش يتقدم لتحرير الفشقة! والسؤال: تحرير ممن؟
التعلق بقشة "الشفتا"
ويأتي هذا الخرق لإتفاقية يناير 1967 م، تحت مزاعم أن (الشفتا) يهاجمون الفشقة مدعومين من جيش بلادهم.....ويستعصي فهم هذا الأمر، فمن الممكن تصديق، أن يهاجم الشفتا المزارعين الأثيوبيين والسودانيين على السواء لسرقة أموالهم، فالعصابات لا تهمها سوى الغنائم حتى من أبناء جلدتهم، ولكن من العسير فهم كيف يدعم الجيش الأثيوبي، عصابات تهاجم منطقة تعج بالمزارعين الأثيوبيين، الذين إستوطنوها منذ أكثر من ستين سنة، وقنن وجودهم إتفاقية سنة 1967 م، فهل تستحق عصابات الشفتا أن يقوم لها جيش السودان بحاله؟..... ولعل من المفيد أن نذكر هنا، أن كلمة (شفتا) وهي تعني (رجل عصابات) (خارج عن القانون) (متمرد) ليست حصرآ على أثيوبيا، بل هي سائدة كذلك، في أرتريا والصومال وجيبوتي وكينيا وتنزانيا...والسودانيون يقولون للواحد (شفت) وللجمع (شفاتة).....ولو كانت العصابات تؤدي لإشتعال الحروب بين البلدان، لمسحت أمريكا المكسيك من الوجود، لما ينشط على حدودها من عصابات لتهريب المخدرات والبشر إلى داخل أمريكا.
حرب غير ضرورية
فكل تلك الحقائق السياسية والتاريخية، التي أوردناها تذهب بنا إلى المعيار الثاني في فلسفة الحرب العادلة، وهو كما أسلفنا {هل الحرب ضرورية لا حل غيرها، أم أن هناك خيارات أخرى}، فمما لا لبس فيه، أن الحرب المستهدفة لأثيوبيا ليست ضروية البتة،....فالوجود المزمن والمقنن للمزارعين الأثيوبيين في الفشقة منذ عقود خلت، يحتاج إلى سياسيين وإخصائيين لا إلى جنرالات، إذا ما إحتاج إلى معالجة جديدة وفق المستجدات، وما تراكم من مشكلات، ولن يتأتى ذلك إلا في دولة المؤسسات، . ويبقي الجيش حارسآ للحدود ولا يدخل حربآ إلا بقرار من المؤسسات السياسية وأولها البرلمان المنتخب ...وما يحدث في الفشقة هذه الأيام، لأكبر دليل على صحة مقولة كليمنصو (أن الحرب مسألة خطيرة لا يجوز أن يترك أمرها للجنرالات)...ولعل من المفارقة الكبرى أن تسمح سلطات القضارف، لآلآف العمالة الموسمية الأثيوبية بالدخول للبلاد، لجهة حصاد المحصولات، بينما تدك مدافع الجنرالات ما تدك في االفشقة.
تكرار الخطأ التاريخي
وبهذه الحرب غير المبررة، يكرر الجنرالات، خطأ إرتكبه الخليفة عبد الله التعايشي قبل مائة وثلاثين سنة...ففي العام 1882 م إحتلت إيطاليا إرتريا، وأخذت تتربص ببقية أثيوبيا لإحتلالها، وإستدعى ذلك أن يبدأ الملك يوحنا الرابع حشد قدرات بلاده للتصدي للمحتلين الطليان...وبينا أثيوبيا في محنتها تلك، أرسل التعايشي في أوآخر العام 1887 م أحد أكفأ قادة جيشه لغزو أثيوبيا، وهو حمدان أبو عنجة الذي وصل الى القلابات، وحقق إنتصارات كبيرة على الأثيوبيين في يناير 1888 م، وتوفى في القلابات ربما بالتايفود، بعد عودته من قندار، فأرسل الخليفة التعايشي قائدآ آخر، هو الزاكي طمل ليواصل الحرب العبثية....ومن جانب آخر ترك ملك أثيوبيا يوحنا الرابع التحشيد لمواجهة إيطاليا، وتفرغ لجبهة الحرب التي إنفتحت من الغرب، وقاد جيشه بنفسه للتصدي للزاكي طمل...وحسب سلاطين باشا في مذكراته، أن الأثيوبيين حققوا بعض الإنتصارات في بدء المعركة في مارس 1889 م، ولكنهم تشتتوا بعد أن أصابت رصاصة ملكهم في صدره وقتلته....وأدى مقتل الملك يوحنا الى فوضى في أثيوبيا، ولكن الملك منيليك الثاني الذي تولى العرش، إستطاع إعادة الأمور إلى مجاريها...وإذا كانت تلك الحرب العبثية التي أشعلها الخليفة التعايشي، قد عطلت أثيوبيا عن مواجهة الطليان لبضع سنوات، إلا أنها في نهاية المطاف لم تقعدها عن التصدي لهم في ديسمبر 1895 م ، وهزيمتهم هزيمة مدوية في معركة عدوة في مارس 1896 م، الأمر أجبر الطليان على التوقيع على معاهدة عدم إعتداء مع أثيوبيا.
ويدور التاريخ دورته، فإذا بالجنرالات يشنون حربآ غير ضرورية، وغير مبررة أخلاقيآ ضد الجارة أثيوبيا، وهي منهمكة في بناء سدها العظيم (سد النهضة) .....أجل، ضد أثيوبيا التي أوت المك نمر، ووفرت له الملجأ، بينما كان محمد الدفترار صهرالخديو محمد على باشا، يرتكب أبشع المجازر في ديار الجعليين....وما يزال شبح محمد الدفترار، يتوهط في السودان واضعآ رجلآ على رجل، وتذبح له الذبائح وتهدى له الهدايا وتسجد له الجباه..... منحه النظام الكيزاني آلآف الأفدنة عالية الجودة في الشمالية وفي النيل الأزرق وجنوب الخرطوم .....بالإضافة إلى الترخيص له، بالصيد داخل المياه الإقليمية السودانية في البحر الأحمر، فلم يتلطف بل شرع في الصيد الجائر بإستخدام الجرافات..... والأفدح من كل ذلك، وقع معه النظام الكيزاني ما يسمى (إتفاقية الحريات الأربع) منها حرية التنقل وحرية الإقامة والعمل وإمتلاك العقارات ...ونفذ النظام الكيزاني الإتفاقية بحذافيرها، بينما إمتنع الدفتردار، تنفيذ أي بند من بنودها، ولم يتجرأ النظام الكيزاني من رفع سبابته في وجه سيده، والغاء الإتفاقية لعدم إلتزام الطرف الثاني ببنودها... وهي ما زالت سارية حتى ساعة كتابة هذه السطور....وقبل ذلك بزمن طويل، قدم أول نظام عسكري بالسودان أقدم مدينة في السودان هدية للدفتردار ليبني سده العالي فوق جثتها ويجعلها مخزنآ لمياهه ويسميه بلا حياء (بحيرة ناصر)
مزيد من الهدايا للدفتردار
.وفي أيامنا التعيسة هذه، وفي ظل حكم المجلس العسكري السيادي المتماهي في شعارات المدنية، يقدم أحد أعمدة الإقتصاد السوداني هدية خالصة للدفتردار... فهذا خبر كارثي نشرته الصحف المصرية الورقية، والمنصات الإلكترونية المصرية والسودانية يقول {تم خلال العام 2020 الانتهاء من تركيب وتشغيل مجزرا آليا تابع لشركة جنوب الوادي للتنمية التابعة للشركة القابضة للتشييد والتعمير، إحدى شركات وزارة قطاع الأعمال العام.ويعد من أكبر المجازر المتطورة في مصر بتكنولوجيا حديثة، حيث يذبح الماشية آليا بشكل نظيف وصحي وآمن، وذلك بطاقة 45 رأس في الساعة، وبتكلفة إجمالية 100 مليون جنيه ويتم استغلال مجزر توشكى في ذبح الماشية الواردة من السودان، بموجب اتفاق وقعته شركة جنوب الوادى مع شركة "اتجاهات" السودانية، بما يسهم في توفير اللحوم للسوق المحلية وكذلك التصدير للخارج.ويتضمن المشروع أيضا محجر يستوعب نحو 25 ألف رأس ماشية، وثلاجات ضخمة، وزراعة أعلاف على مساحة ألف فدان}أ.ه....إنتبهوا 45 رأسآ من الماشية السودانية في الساعة، تذبح في مجزرة مصرية داخل مصر...فلتزغرد نساء مصر، فمصر يأتيها رزقها رغدآ من السودان.
بعد إنشاء مشروع الجزيرة، ودخول السودان في السوق العالمية بفضل الإدارة الإنجليزية، كان ثالوث الإقتصاد السوداني هو: القطن والماشية والصمغ الكردفاني (وهذا إسمه كما ينبغي)......دمر النظام الكيزاني القطن بتدمير مشروع الجزيرة، وها نحن نشهد كيف يتم تدمير الثروة الحيوانية السودانية، التي تقدم هدية لمحمد الدفتردار الذي يركب ظهورنا منذ مجازره في ديار الجعليين......يقول مارتن لوثر كنغ [لأحد يستطيع أن يركب ظهرك إلا إذا كان منحنيآ' A man can't ride your back unless it is bent
مخلب القط
والأنكى من كل ذلك، أن محمد الدفتردار يريد أن يستخدمنا كمخلب قط لضرب سد النهضة، أو في أفضل الأحوال أن نساعده في ذلك بالدعم اللوجيستي...ولم لا؟ فالسوداني طيب...وعلى الطريقة المصرية (السوداني طيب أوي)....ويتعين أن لا يغيب عن الجموع السودانية، المشغولة بالحصول على الخبز والطاقة، أن جيشآ من اليوتيوبر المصريين، منهمكون منذ سقوط نظام الكيزان في حملات منظمة ضد اثيوبيا ورئيسها آبي أحمد، وتحريض السودانيين على أثيوبيا بنسج الأكاذيب والتلفيقات، وبخلق مواقع إلكترونية مصرية بأسماء سودانية وهمية، ولسان حالهم يقول (إضرب العبد بالعبد)... ...وأذكر في شهر يوليو الماضي كان رجب طيب أردوقان يهدد بإجتياح سرت في ليبيا، وفي نفس الأيام قامت أثيوبيا بالمرحلة الأولى لملء سد انهضة العظيم ...فقال أحد أولئك اليوتيوبر المصريين :{البوّاب الأثيوبي يتمرد على أسياده، والسلطان أردوقان يهددنا}.وقال آخر [العبيد لا ينفع معهم إلا الكرابيج] وكذلك يصف الأثيوبيين ب(القرود) ، وليس من المستغرب أن يستخدم المصريون هكذا عبارات ضد الإنسان الأسود ...ففي الأول من شهر يونيو سنة 2016 م، تناقلت وكالات الأنباء خبرآ مفاده { طالبت السيدة إيفون خاماتي رئيسة اللجنة الفنية في "هيئة الدبلوماسيين الإفريقيين" بنيروبي، جمهورية مصر العربية بالاستقالة الفورية من رئاسة المؤتمر الوزاري الإفريقي المعني بالبيئة، والاعتذار بلا تحفظ لافريقيا، بسبب اساءة رئيس الوفد المصري المشارك في فعاليات الدورة الثانية للجمعية العامة للامم المتحدة للبيئة المقامة في العاصمة الكينية نيروبي، ووصفة لممثلي الوفود الافريقية بالكلاب والعبيد]...وقد أصدرت الخارجية المصرية بيانآ رسميآ أنكرت فيه التهمة جملة وتفصيلآ!
ومنصات التواصل الإجتماعي المصرية، المؤتمرة بطبيعة الحال بأمر أجهزة الدولة والممولة منها، مهمتها أن تقول ما لا تستطيع أن تقوله الميديا المصرية الرسمية، وما لا بستطيع رئيس الدولة ومسؤوليها أن يصرحوا به.....وقد بلغ الأمر بهذه المنصات، أن تستخف بعقل الإنسان السوداني، الذي تعتبره أصلآ بلا عقل....فبينا تحتل مصر حلايب وشلاتين، وتعمل على قدم وساق لتمصيرها، فإن تلك المنصات تحرض السودانيين على تحرير الفشقة، مما تسميه بالإحتلال الأثيوبي، وهي أصلآ غير محتلة، ويجري ذلك بإسلوب يدعو إلى الغثيان، لما فيه من جرعة مركزة من (الإستهبال) المصري ذي الماركة المسجلة...وهي بذلك تسعى لخلق عدو وهمي للسودان وهو اثيوبيا، لتصرف الأنظار عن العدو الحقيقي وهو مصر.....وليت الأمر إنتهى عند ذلك، فتلك المنصات تصف حمدوك ب(العميل) و (الدمية) في يد الأثيوبيين، بينا تمدح في برهان شخصيآ، وتبشر بقرب تدمير سد النهضة وتقول بالمكشوف أن هناك تنسيقآ على أعلى مستوى، بين المخابرات العامة والجيش السوداني.
فهل بعد مائتي سنة من التسلط المصري، سنبقى في ما نحن فيه من عمى الألوان؟...ففي أواخر هذا العام 2021 م ستمر المئوية الثانية للتسلط المصري على السودان...ففي العام 1821 م غزا الخديو محمد على باشا السودان، ومنذ ذلك الحين لم تفارق أصابع مصر السودان...وإذا كانت ثمة حرب عادلة نود أن نخوضها، فإنها بلا شك ضد مصر.....فالحكومات المصرية المتعاقبة، عكس أثيوبيا، رفضت الإحتكام، إلى محكمة العدل الدولية، في قضية إحتلالها لحلايب...وأكثر من ذلك، فإنه عندما نادى النظام الكيزاني، ممثلآ في وزير خارجيته إلى الإحتكام إلى محكمة العدل الدولية، رفض برلمان السيسي الإقتراح، وصرح أحد أعضائه تصريحآ إستفزازيآ شهيرآ، وأظن أنه كان مكلفآ ليدلي به، حيث قال: ((أعلى ما في خيلكم أركبوه))...يا للهول أنصبح مخلب قط لهؤلاء، لتدمير سد النهضة العظيم وهم لم يفارقوا ظهورنا!
روابط
روابط لفيديوهات تتحدث عن قرب تدمير سد النهضة
والتنسيق بين المخابرات المصرية والجيش السوداني
وهي مجرد نماذج من عشرات الفيديوهات:
الفيديو الأول:
https://www.youtube.com/watch?v=v23KDIk1hB8
الفيديو الثاني
https://www.youtube.com/watch?v=LL4euVozo3Y&t=9s
الفيديو الثالث
https://www.youtube.com/watch?v=l6kRFJFbW58
أحمد القاضي
أونتاريو | كندا
الثلاثاء 12 يناير 2021 م.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.