"مهمتنا الأولى هي كسب ثقة المواطنين و تنمية ثرواتهم و الارتقاء بهم" هربرت کتشنر بعد استلام حكم السودان فى 1899م ذكرنا فى الحلقة السابقة بأن الانجليز عند دخولهم السودان وجدوا بلدا محطما مزقته الحروب و دمرته الاضطرابات ويبدو كما أنه يعيش فى ظلام القرون الوسطى , فمثلا الكاتب البريطانى روبن نيلاند يصف احوال السودان فى الفترة من 1880-1898م في كتابه " حروب المهدية" وبالرغم من تحفظاتنا على ما يكتبه الغربيون عنبلادنا الا أننا وبالرغم من ذلك نجد بعض الحقائق و العاقل من يميز بين الأمور فيقول: :" السودان بلد شاسع مترامي الأطراف طبيعته جرداء يعتبر أكبر بلد في افريقيا مساحته حوالي مليون ميلمربع وهي تعادل مساحة أوروبا الغربية شماله صحراء جرداء صخرية وجنوبه مستنقعات وشجيرات جافة وأشجار سنط شوكيه. ..احسن حاجه في السودان هي نهر النيل الذي يقسم البلد نصفين ممتدا من الحدود اليوغنديه إلي وادي حلفا علي الحدود المصريه وهو المعلم البارز والأهم في السودان , المدن الرئيسيه تقع علي مقر به من النيل والبلاد كلها موبوءة بكميات ضخمه من البعوض والذباب وما تسببه هذه الحشرات من ملاريا وأمراض ....السودان بلد بالغ الصعوبه والقسوة بكل المقاييس ...لكن هناك جاذبيه طبيعه نلمسها في هدوء وسكون البراري الشاسعة وكل الاوربيون الذين عملوا في السودان او سافروا عبره يثنون بشدة علي طيبة وكرم أهل السودان إلي جانب ذلك فإن السوداني يمتاز بصفة الإخلاص بطبعه وهو مسلم صادق والثانيه انه محارب مقاتل بالفطرة". انتهى من الانصافان نذكر بان اللوم على هذا التخلف و التردى المريع لا يقع فقط على الثورة المهدية وفترة حكمها القصيرة نسبيا وان كانت قد شاركت فيما بعد بالدمار نتيجة للحروب الداخلية و الخارجية المتواصلة التى خاضها الخليفة عبدالله , ولكن اللوم الاكبر وبدون شك يقع على الحكم التركى المصرى او التركية السابقة كما يطلقون عليها , فبالرغم من فترة حكمها الطويلة التى ناهزت ال64 عاما من 1821 الى 1885مفانها لم تقدم شيئا مفيدا للبلاد بل اتسمت الفترة بالاهمال التام لكل ما يصلح البلاد ويعود بالنفع على العباد وترافق ذلك مع حكم باطش ظالم حتى ان كلمة تركى قد اقترنتفى اذهان السودانيين بكل ما هو سئ و بغيض و العكس تماما فى الحكم الانجليزى للسودان فعند خروج الانجليز من السودان تركوا البلاد فى احسن حالاتها , و كان السودان يصنف وقتها فى طليعة الدول الافريقية و العربية فى كل النواحى مثل الاقتصاد و الصحة و التعليم ومستوى معيشة السكان , ويقال بان الانجليز الذين كانوا فى وقتها يستعمرون استراليا و كندا الى جانب السودان ' كانت لديهمرؤية بان يصبح السودان بحكم مساحته و ثرواته و موارده الطبيعية الكبيرة مثل كنداواستراليا يجذب اليه كل الباحثين عن الاستثمار و الثراء و المعيشة الرغدة , ولك ان تتخيل اين يقف السودان الان بالمقارنة مع كنداواستراليا !! وعلى عكس الأتراك فقد ارتبط الحكم الانجليزى لدى السودانيين بالعدالة و حسن الادارة و الجودة فى كل الاعمال , وقد كان لافتا للنظر عندما اجرى موقع سودانيزاونلاين استطلاعا الكترونيا فى العام 2011 عن من هو " افضل حاكم اجنبى او وطنى فى السودان" فقد كانت النتيجة هى ان الاغلبية الساحقة من المصوتين قد صوتوا الى ان الحاكم الانجليزى وانه كان الافضل للسودان بكل المقاييس وقد جاء ما يلى عند إعلان نتيجة التصويت :" من الملاحظ أن نتيجة هذا الاستطلاع ، والتي نأمل أن تتغير لصالح الحكومات الوطنية، قد جاءت مخيبة للآمال الوطنية لأن رأي الأغلبية الساحقة من المصوتين السودانيين ، حتى الآن ، هو تفضيل حكومة الاستعمار الإنجليزي على كافة الحكومات الوطنية السودانية ومن المؤكد أن هكذا تصويت يثبت ما يلي: أولاً: الإعجاب القديم الجديد بحكم الانجليز الذين استعمروا السودان منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى النصف الثاني من القرن العشرين ، ففي أثناء حكم عبود وحكم نميري كان عدد معتبر من شيوخ السودان يقولون بلا حرج: "رحم الله الأنجليز فقد كانوا يوفرون لنا الجاز والسكر حتى في زمن الحرب" ، فبالنسبة للأجيال التي عاصرت الاستعمار الانجليزي كان حكم الانجليز يعني لهم دقة وانضباط سكك حديد السودان ونجاح مشروع الجزيرة وتفوق جامعة الخرطوم وتوفر خدمات الماء والكهرباء والصحة وازدهار الأندية الرياضية والاجتماعية والثقافية... الخ ، ولعل جميع السودانيين قد سمعوا من كبارهم تلك المقولة التي مفادها أن الجنيه السوداني الواحد كان يساوى عدة دولارات أمريكية في زمن الانجليز و يتفوق على نظيره الجنيه الاسترلينى البريطانى نفسه. قال لى احد اصدقائى من يصنفون بأنهم من " الازرقيون" وهم مجموعة من السودانيين الذين يؤمنون بصحة أفكار العم ازرق الذىكان قد قام بتكوين حزب فى أواسط الخمسينيات من القرن الماضى يطالب ببقاء الانجليز لمدة 20 عاما اخرى حتى يتعلم ا ابناء السودان كيف يحكمون انفسهم وبلادهم ! وكان يرى ان ابناء السودان غير مؤهلين بعد لادارة و حكم بلادهم ! قال لى وهو يعلق على رد احد الناشطين السودانيين فى وسائل التواصل الاجتماعى الذى استشاط غضبا على ما كان يراه تطاول واستهزاء بالسودان من قبل احد الاعلاميين فى دولة خليجية لا تتعدى مساحتها ولاية الخرطوم , وكان رده بأنه عندما عرف السودان الطب و التعليم العام و الجامعى و البث الإذاعي و الطائرات والمطارات و العديد من الاشياء كانت بلاد هذا الخليجى تغرق فى ظلام الجهل والفقر والمرض حيث كان ابناء هذا البلد كما قال الناشط السودانى يعيشون على السلب و النهب و قطع الطريق ياكلون الضب فى الصحراء و يشربون بول البعير ! فقال لى الصديق " الازرقى" " الم تلاحظ بان كل ما يفتخر به السودانيون من اعمال او انجازات كان الإنجليز هم منادخلوها السودان ؟ " ومثال على ذلك فان السودانيون يفتخرون بانهمقاموا بتعليم و ادخال رياضة كرة القدم فى العديد من بلدان الخليج العربى وهذاصحيح , ولكنهم لم يذكروا بان الانجليز هم من ادخل رياضة كرة القدم ومعها جميع الرياضات الاخرى الى السودان ! , وكان من الطريف بان احد الكتاب الرياضيين وفى محاولة منه لاثبات بانفريقه الذى يشجعه يعتبر من اقدم الأنديةالرياضية فى السودان وفى سبيل ذلك ذكر بأن فريقه قد تم تأسيسه فى العام 1900م ! وبالطبع فان هذا الطرح غير صحيح اذ ان التاريخ الذي ذكرههذا الكاتب هو تاريخ دخول الإنجليز الى السودان ومن قبلهم لم تكن هنالك لا كرة قدمو لا اندية رياضية ! وعلى حسب السجلات التاريخية فقد دخلت كرة القدم ومعظم المناشط الرياضية وعلى رأسها تنس المضرب والجمباز الانجليزي والملاكمة والتنس الأرضي والعاب القوي بعد العام 1898بقليل وكانت التمارين الرياضية تمارس من قبل الجنودالبريطانيين فى المعسكرات كجزء من الانشطة اليومية لرفع اللياقة البدنية بينما اكتفى أبناء السودان الذين كانوا يقطنون قرب هذه المعسكرات فى برى و الديوم الخرطوم و بحرى بالمشاهدة و الفرجة كما يقولون وفى مرحلة لاحقة توسعت المشاركة بعد تأسيس فرق الأحياءالقديمة بالعاصمة المثلثة والمدارس الأولية «الكتاب» وكانت اكثر الاحياء اهتمامابالممارسة احياء بري وديم سلمان وديم القشاشة وتلودي وديوم بحريوالمسالمة و الاسبتالية و الموردة بأم درمان. وكانت الدفعة الكبيرة لكرة القدم عند تأسيس كلية غردون فى 1902 وذلك من خلال اهتمامهابنشر رياضة كرة القدم و تنظيم المنافسات بين فرق الكلية و الجيش البريطانى , وباذن الله سوف نفرد مقالا منفصلا عن تاريخ الرياضة فى السودان ونواصل باذن الله عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.