كلما أنبت الزمان قناة ** ركب المرء في القناة سنانا المتتبع لمراحل تطور النظّم السياسية عبر حقب الزمان .. يجدها مرّت بمراحل عديدة ذات اشكال ومسميات مختلفة منذ أن تخيّر البشر حياة الجماعة.. وظلت السلطة اولى وأهم ركيزة تسند ظهر الانسان لاخضاع و حكم أخيه الانسان .. ولعل فلسفة مقوماتها في الماضى هي ذات فلسفتها في الحاضر.. من حيث حاجة الجماعة لضوابط تنظّم حياتهم من جهة.. ورقباء يطّلعون بالمهام التنفيذية يخضع الآخرون لأوامرهم من جهة أخرى .. لقد مرّت البشرية في سعيها الدؤوب لأفضل الصيغ واعدلها.. بالعديد من التجارب.. بدء بتجربة الحاكم الفرد بخاصيتها التوارثية.. مرورا بالجماعة المتسيدة التي لا تمنح سوي مناصريها حق المشاركة في السلطة.. وانتهاءا بالتعددية كافضل أسلوب للمشاركة و التداول السلمي للسلطة.. ويلاحظ كلما ابتدعت البشرية اسلوبا يقربها من مدينة العدل.. معتمرة منهجا دينيا أو فلسفيا يبعد عن ممارسة السلطة العامة مميزات الشخص الطبيعية.. عملت القوى المتنافسة في المجتمع على تحريف مسارها لتصب في مصلحة فئة منهم.. سواء كانت مرجعياتها عقدية أم اقتصادية أم طبقية .. وكما للمرجعية العقدية نمط فكري يميني اويساري.. للطبقية أيضا نمط اجتماعي أو وظيفي .. معلوم أن الفلسفة الرأسمالية تعتمد العامل الاقتصادي قاعدة لفكرها.. بحسبانه الممثل لمصالح الشركات الكبرى .. هذه الشركات الراسمالية .. هي القوى الحية المؤثرة على حياة المجتماعات في الدولة الراسمالية .. وتلعب دورا ها بطريقة مباشرة او غير مباشرة في انتخاب الحكام.. بينما نجد ايديولوجية المنهج الاشتراكي تعتمد النمط الشمولي القابض .. بحسبانه النمط الأوفق لبقاء السلطة تحت ايدي جماعتهم.. ويلاحظ أن كافة النظم السياسية .. سواء المستندة على الشكل الفردي للسلطة كالنظم الملكية .. او المنتصبة على اعمدة الشمولية كالنظم اليسارية و اليمينية .. او المؤسسة على المنهج اللبرالي كالنظم الرأسمالية .. كل منها يطوّر اساليبه في الحكم في اتجاه الآخر.. فالنظم الملكية مددت بقائها بتحولها لنظم دستورية .. اتاحت لقطاعات المجتمع اقتسام السلطة .. شريطة أن تظل الملكّية رمزا للسيادة دون المساس بحقها الوراثي ومركزها المالي .. والنظم العسكرية والدكتاتورية تحولت في اتجاه توسيع مواعين المشاركة في السلطة .. باختيار نظام ديموقراطية الحزب الواحد.. وكانت النظم اللبرالية الاطول باعا في اتاحة اوسع الفرص أمام الجماهير للمشاركة في السلطة.. غير أنها خشيت من سعي خصومها لتقويض بنيانها من الداخل.. كما اصبح باستطاعة قوى المجتمع الدنيا بحجم عدديتها الانتخابية.. الحاق الأذي بمصالح الشركات الكبرى.. ولكي يحفظ الفكر الرأسمالي توازنه ويحمي مصالحه .. دون تغول مباشر على الحقوق اللبرالية.. ابتدع اساطينها من الوسائل ما يكفل بقاء موقعها في السلطة.. ذلك بتحويل النظام السياسي من نظام مشاركة جماهيرية حرة .. الى نظام مشاركة جماهيرية محسوبة .. تسيطر عليها وتسيرها قوى خفية.. تحت ستار الاستراتيجية الامنية .. وهي في خلاصتها استراتيجيات وضعت لخدمة مصالح المراكز الرأسمالية .. والاتيان بممثليها لديوان الحكم من خلال مظهرية التنافس الحر.. دون خسران للشكل النمطي للديموقراطية اللبرالية.. لقد مرت النظم السياسية المعاصرة في السودان.. باشكال متعددة ومتباينة في آن.. منها نظم لبرالية مرجعيتها فكر طائفي.. ونظم عسكرية مرجعيتها فكر شمولي اشتراكي.. آخرها النظام الحاكم اليوم الذي اتى معتمدا على الفكر الاسلامي.. ثم انحرف عنه متدحرجا نحو منهج رأسمالي بمظهرية دينية خادعة.. ولما كانت النظم الراسمالية تعتمد المنهج اللبرالي الموجه بالاستراتيجيات الامنية .. كان لزاما على النظام السياسي الحاكم في السودان.. ان يتبنى ذات الاستراتيجية ولكن بنمط تطبيقاتها الكائنة في الشرق .. حيث النظام السياسي القائم في مصر وبعض دول الجوار الاقليمي.. توفر رصيدا مغريا لنجاحات التجربة.. فهل نحن امام تحول استراتيجي لنظام الديموقراطية التعددية في السودان ؟ تطبيقات تجربة التحول الديموقراطي .. التي برهنت عليها ممارسة الحزب الحاكم السياسية في الأيام الفائتة تشىء بذلك. mohamedali Elmelik [[email protected]]