بزغ نجم أبى أحمد كبطلٍ للسلام عندما قام بخطوةٍ جريئة ،غير محسوبة العواقب، عندما إعترف بتبعية منطقة بادمى المتنازع عليها منذ عام 1997م، بين البلدين، لإرتريا. وحصل الرجل على جائزة نوبل للسلام. واحتفى به العالم، وابتهج السودانيون الطيبون لذلك، لأنَّ ميلاد قائدٍ وطنى كأبى أحمد يدغدغ آمالهم فى بروز قائدٍ سودانى مثله، ينتشلهم من يمِ وغيابةِ جُبِّ القامات القصيرة، من لدن الأحزاب الطائفية، الحركة الإسلامية القبلية وأصحاب ذوى القوائم، والعهد على جورج أُرويل. عندما زار أبى أحمد أسمرا فى العام 2018م، أُسْتُقْبِلِ بحفاوةٍ وحشودٍ غير مسبوقة. وخرج يتمشى ، برفقة آفورقى، فى شارع كموشتاتو المشهور. ومن ثَمَّ أخذه فى نزهة كانت بمثابة مرانٍ تجريبى لنزهةٍ أخرى فى طرقٍ وعرةٍ وشائكة. أخذ آفورقى أبى أحمد فى نزهةٍ فى الطريق الجبلى الرابط بين أسمرا وباضع (مصوع). وهى طريقٌ وعرة تملؤها المنحنيات والمنعطفات الخطيرة. وقد بذل الإيطاليون جهداً عظيماً لشقها. وأسماها الإرتريون ب "لب تقراى"، أى قلب تقراى، لتوصيف ما يَسِمُوْنَهُم به من "حقد" مزعوم. لقد صادف وقت النزهة موسم نضج ثمار التين الشوكى، المعروفة فى اليمن، سوريا وإرتريا بال "بلص".ولقد توقف آفورقى عند أحد الباعة ليكرم ضيفه ببعض تلك الثمار.تناول أبى أحمد التين الشوكى فى رمزية عجيبة لما سيحدث له فى مقبل الأيام من خطط جهنمية يقع فى حبائلها. ظل التحريض الإرترى ضد التقراى مستمراً منذ وقوع الحرب بين البلدين فى العام 1997م. وظلت الآلة الإعلامية الإرترية تعمل على رسم صورةٍ لإنسان تقراى "المتخلف" "الحاقد". بالنظر إلى ما جرى من أحداث فى إثيوبيا، فى مطلع العام الجارى، يبدو أنَّ آفورقى وأبى أحمد قد عقدا صفقةً للقضاء على قيادات جبهة تحرير شعب تقراى المعروفةِ ب "وَيَّانِى". وتلك القيادات، على النقيض من ملس زيناوى الذكى، كان يعوزهم الذكاء، بالنظر إلى إخراج ملس شعبه من هاوية الفقر، المسغية، الجوع والإذلال التى إستمرت منذ القرن الثامن الميلادى، الذى شهد تدمير مملكة البجاويت مملكة أكسوم الحبشية. أصاب الغرور قيادات الويانى بما تملك من دُمِى. وأعتبرت انَّ الأسلحة التى تملكها تضمن لها التفوق العسكرى على الحكومة والجيش الفيدرالى الإثيوبى ولذ فقد تمردت على سلطة الحكومة المركزية. من الناحية الإستراتيجية، لم يك لجبهة تحرير شعب تقراى جبل يعصمها من الماء. فقد إحتل الجيش المحلى لولاية تقراى أراضى الفشقة السودانية، متنكرة للمساعدات التى قدمها السودان للجبهة إبَّان نضالها ضد نظام الدرك الشيوعى بقيادة منقستو هيلى مريام. ولم يجد اللاجئون من تقراى مأوى لهم غير السودان الذى لم يحفظوا له الجميل. كما ظلت علاقاتها مع إرتريا فى أسوأ حالاتها. وحول العلاقة مع الأمهرا، فحدث ولا حرج. إنَّ نتيجة الحرب ضد إقليم تقراى معروفة، بيد أنَّ الشر فى التفاصيل The devil in the detail. فقد اطبقت القوات الفيدرالية الإثيوبية ، قوات الأمهرا والقوات الإرترية على إقليم تقراى وقواته من جميع الإتجاهات.كما أنَّه تَمَّ إستخدام طائرات من دون طيار بصورة فعالة فى تدمير المدرعات، السيارات والمدفعية التقراوية. تقدر بعض المصادر أنَّ عدد القوات الإرترية التى شاركت فى الإطباق على تقراى يربو على العشرين ألف جندى، بكامل عدتهم وعتادهم. وتتهم عدة منظمات دولية، والولايات المتحدة، القوات الإرترية بأنها عاثت فساداً فى إقليم تقراى، قامت بإنتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، تدمير منهجى للبنية التحتية، نهب ممتلكات المواطنين وتفكيك المنشآت ونقلها إلى إرتريا. كما أنَّ معسكرات اللاجئين الإرتريين فى إقليم تقراى، لم تنج من عبث القوات الإرترية. لقد تواترت أنباءٌ، بحسب روايات الفارين من تلك المعسكرات،عن أعمال قتلٍ وإعتقالات واسعة للاجئين إرتريين. فى خضم كل ذلك، فى حرب الأحقاد والإنتقام،التى دارت فى تقراى، إغتبط الأمهرا والإرتريون لتحطيم جيش جبهة تحرير شعوب تقراى (وَيَّانِى) TPLF شرب جنرالات الأمهرا والجيش الإرترى نخب الإنتصار على (وَيَّانِى)، العدو اللدود الذى شكل لهم معضلةً وهاجساً كبيرين على مدى ثلاثةِ عقود. وفى ذات الوقت شهد رفع كؤوس وأنخاب الإنتصار على (وَيَّانِى)، تدشين خطة الإطاحة بأبى أحمد والأُرومو. تحالف الأمهرا مع عدو الأمس، تجرينَّا حماسين ضد أبى أحمد، الذى أدرك أنَّه كبا. ولقد كبا على الرغم من سيرته السياسية التى تبديه ذكياً أمام المجتمع المحلى ، الإقليمى والدولى. فبالإضافة إلى أكثر من عشرين ألفاً من الجنود الإرتريين،المنتشرين فى إقليم تقراى، نشر آفورقى كتيبتين من النساء، فى المثلث الحدودى أم حجر،الحُمَرَة ، حمداييت. وذلك لمنع الجنود الإرتريين إلى السودان. وقد جاء ذلك عقب عمليةِ إستنفارٍ قومىة شاملة، على نهج (الخروج): .Exodusوتم حشد الجيش الإرترى على طول الحدود مع إثيوبيا. والخروج هنا مأخوذ من خروج بنى إسرائيل الجماعى من مصر، بحسب التوراة. بيد أنَّ الخروج فى سياق الإرث الحربى الحبشى، هو خروج كل الشعبِ للقتال ودعم الجيش. إكتملت فصول المؤامرة على أبى أحمد برفض أفورقى، المتحالف مع الأمهرا، الخروج من الأراضى الإثيوبية. وأُسْقِطَ فى يدِ أبى أحمد الذى لا يعرف كيف ينهض من كبوته هذه. آفورقى المتحالف مع الحكومة المصرية، فتح أراضيه للقوات المصرية التى تمركزت فى مركز التدريب القومى (ساوا)، فى أقليم القاش – بركة، منذ أكثر من عشر سنوات.كما وردت أنباء عن تواجدٍ للقوات المصرية فى مدينة تصرونا المحاددة لإقليم تقراى، حيث بنوا مركزاً متقدماً للقيادةِ والتحكم. ويهدف أفورقى إلى تدمير إقليم تقراى ونهبها وهدم ما بناه غريمه ملس زيناوى من نهضةٍ لأهله وإعادة التقراى (وَيَّانِى)- إلى غيابة جب المسغبةِ والجوعِ والمرضِ حتى لا تقوم لهم قائمة مستقبلاً. وفى ذات الوقت يتيح له تحالفه مع الأمهرا التدخل فى الشأن الأثيوبى على المدى البعيد.وسيجنى فوائدَ جمة من سلب ونهب مقدرات إثيوبيا وإستغلال حرية التجارية من أجل شراء المحاصيل الزراعية والغلال بالعملة المحلية، كما حدث عشية الحرب بين البلدين فى عام 1997م، حيث كانت إرتريا تشترى المحاصيل الزراعية الإثيوبية بالعملة المحلية وتصدرها، خاصةً البن. إزاء التطورات التى حدثت لموقف الإمارات فى اليمن، وإنسحابها من العمليات وتغيير إستراتيجيتها من التدخل العسكرى إلى حرب الوكالة وشراء الشيوخ ومنحهم الجنسية الإمارتية،لم يعد ميناء عصب الإرترى ذى أهميةٍ كبيرة بالنسبة لها. لقد سحبت الإمارات قواتها، طائراتها وأسلحتها من عصب. ويبدو أنَّ الحكومة الإرترية كانت تنظر بعين الريبة والشك إلى الدور الإماراتى فى حرب تقراى. وكانت ثمة معلوماتٌ قد زعمت بأنَّ طائرات الدرون الإماراتية وفرت الإسناد الجوى للقوات الإثيوبية.ومن المعلوم أنَّ إثيوبيا، الحبيسة، (land locked)، قد إستأجرت، مؤخراً، ميناء عصب كمنفذٍ بحرى لها. وعلى صعيد العلاقات السودانية المصرية، فقد عقدت المؤسسة العسكرية السودانية عدة إتفاقيات مع نظيرتها المصرية. وثمة تهم للجيش السودانى بأنه مدفوعٌ من مصر للدخول فى حربٍ مع إثيوبيا. وأنَّ هنالك إحتمالاً أن يُمَكِّن الجيش السودانى نظيره المصرى من الوصول إلى الحدود الإثيوبية للإشتباك المباشر مع الأحباش. وفى حال حدوث ذلك سيدخل أبى أحمد فى وضعٍ لا يحسد عليه.ومن المحتمل أن يعطى أفورقى الضوء الأخضر للقوات المصرية، المتواجدة على أراضية، للإنطلاق عبر الحدود والإشتباك مع القوات الإثيوبية. وفى حال نجاح الخطة المصرية الإرترية، فإنَّ السودان سيكون هو الهدف التالى، والكعكة الحلوة التى تقتسم. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.