ببدو أنه ومع الثورة التعليمية الهائلة منذ أواخر القرن العشرين وإقبال البشر على التعلم فقد تنوعت مصادر المعرفة بصورة وشهد العالم فروعاً جديدة للمعرفة في شتى لمجالات فقد منى الاقتصاد ينحصر في مجالات محددة .أما الآن فقد تنوعت فروعه وظهر مفهوم الاقتصاد الريعي، الاقتصاد الجزئي، الاقتصاد الاخضر، الاقتصاد الرقمي، الاقتصاد الوطني، اقتصاد المعروفة،اقتصاد التنمية، اقتصاد الطاقة، الاقتصاد الزراعي، الاقتصاد التعديني، الاقتصاد العسكري، الاقتصاد المعيشي، الاقتصاد المنزلي، الاقتصاد الوظيفي، الاقتصاد السياسي، الاقتصاد النقدي، الاقتصاد الرياضي، اقتصاد البيئة، وقريباً ربما نسمع عن اقتصاد ملء الفراغ ،اقتصاد الجدل واقتصاد الخبز وهلمجرا. شدني إلى هذا الموضوع الإجراء الأخير الذي أعلنه وزير المالية الجديد الدكتور جبريل إبراهيم بشأن توحيد سعر صرف العملة والإجراءات المللية المصاحبة والنقاشات التلفزيونية العديدة وأبرزها اللقاء مع د. السماني هنون والدكتور خضر رضوان وكذلك بقية الكوكبة الاقتصادية ما بين مؤيد ومعارض للقرارات المالية.ورأيت أنه قد يكون من المفيد تسليط الضوء على التجربة الزامبية مع تعويم العملة لإثراء النقاش حول الموضوع. كانت زامبيا (قبيل عام 1991م وفي عهد الرئيس الأول كينيث كاوندا الذي لا زال على قيد الحياة وسوف يحتفل في أبريل 2021م بعيد ميلاه السابع والتسعين) تنتهج نظام الحزب الواحد الاشتراكي وخاصة فيما يتعلق بالممارسات النقدية ودعم أكثر من مائتي سلعة ضرورية بنظام "الكوبون" للفقراء وكان السعرالرسمي لصرف العملة المحلية " الكواتشا"- التي تعني الشروق باللهجة المحلية الزامبية والملاوية - يعادل 8 كواتشات للدولار الواحد بينما وصل سعر السوق السوداء إلى 55 كواتشا مقابل الدولار الواحد. وكان الضرر بالغاً على الاقتصاد بسبب الندرة في السلع الضرورية وتهريب العملة والصفوف الطويلة من أجل شراء السلع اليومية وأزمة في المواصلات .ومع تحولت زامبيا إلى دولة التعددية الحزبية والانفتاح الاقتصادي وبحلول عام 1992م قررت الحكومة الزامبية في عهد الرئيس الثاني فردريك شيلوبا تحرير سعر صرف العملة ورفع الدعم عن السلع وخصخصة الشركات الحكومية. وتدرج سعر الصرف من 55 إلى أكثر من مائتي كواتشا ثم إلى ثلاثمائة كواتشا خلال فترة وجيزة كما ارتفعت أسعار السلع والخدمات بالرغم من توفر السلع بصورة لم يسبق لها مثيل. ومع الانفتاح التجاري واتاحة الفرص للتجار لتصدير السلع والسماح لأي مواطن بفتح حساب بالنقد الاجنبي وفتح الصرافات تعافى الاقتصاد في وقت وجيز وأصبح فارق السعر الرسمي للعملة أو في الصرافات بنسبة لا تتجاوز 1%. وقد شهدت زامبيا تطوراُ ملحوظاً في كافة المجالات حيث تدفقت رؤوس الأموال الأجنبية والاستثمار الأجنبي المباشر وأصبحت المدن الزامبية من أنظف المدن في أفريقيا لأن شركات القطاع الخاص هى التي تتولى نقل النفايات دون تدخل من الدولة.هل يمكننا الاستفادة من مثل هذه التجربة؟ بالفعل يمكن ذلك إذا بعثت وزارة المالية بوفود لبعض الدول التي من بينها زامبيا ورواندا وبقية دول السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي ( الكوميسا) لمعرفة وتقييم تجاربها والاستفادة منها خاصة إذ يمكن أن يحصل السودان على أفضل التجارب من الخبراء المعنيين في الكوميسا.وحيث أن خطوة وزير المالية شجاعة وسوف تؤتي أُكلها إذا مد السودانيون "حبل الصبر" وتوقفوا عن الانتقاد اللاذع للسياسة النقدية لا شيء إلا من أجل التشهير.وفي هذا الصدد أرجو أن تكون المقترحات التالية مفيدة لصانعي القرارات المالية لأن أمر السودان يهمنا جميعاً:- 1.قيام وزارة المالية مع وفد من المؤسسات المصرفية الوطنية بزيارات إلى الدول التي بها أغلبية مغتربين سودانيين مثل السعودية وبقية دول الخليج ومصر لشرح السياسات المالية الجديدة وطمأنة المغتربين عليها وتشجيعهم على تحويل مدخراتهم وفق ضمانات وحوافز منها العمل بنظام الرهن العقاري بحيث يمتلك المغترب منزلاً وسيارة وأسهم استثمارية بشراكة مع المصارف والتسديد بأقساط مريحة لفترة زمنية طويلة الأجل. 2.السماح لأي مواطن سوداني بفتح حساب بالنقد الأجنبي دون قيد أو شرط. 3.منح المزارعين الذين ينتجون المحاصيل الاستهلاكية الرئيسية أو السلع الاستراتيجية القابلة للتصدير ميزات تفضيلية بحيث تساهم الحكومة في تقديم التسهيلات اللازمة وتسليمهم المبالغ بالنقد الأجنبي. 4.خصخصة الشركات الحكومية غير المنتجة مع إعطاء الأولوية للقطاع الخاص السوداني في شرائها أو الدخول في شراكة مع المستثمرين الأجانب. 5.سياسة توحيد الأجور بحيث يتم منح العامل في القطاعين العام والخاص أجراً يكفيه لحاجياته اليومية والإيجار والنقل والعلاج والتعليم وغير ذلك كحافز للانتاج وعدم اللجوء إلى الفساد لتحقيق متطلباته لأن الفساد يللحق أشد الضرر بالاقتصاد بل أكثر من مبالغ الأجور التي تكفي الحاجة الشهرية للعامل. 6. مع رفع الأُجور فعلياً يمكن رفع الدعم عن السلع وبذلك يمكن للدولة الاستفادة من مبالغ الدعم في التعليم والنهوض بصحة البيئة والصحة العامة. 7. الدخول في شراكات بين المستثمر الأجنبي والمحلي أو خصم 25% من أرباح المسنثمرالأجنبي لصالح الدولة مقابل استنزافه للثروات في باطن الأرض وخارجها ومن شأن ذلك ضمان توفير النقد الأجنبي وتحقيق التنمية. 8. هناك مجالات استثمار ينبغي أن تكون للمستثمر المحلي فقط مثل تربية وتصدير الثروة الحيوانية، الصمغ العربي، الكركدي، السمسم، العلف وغيرها من السلع مع مساهمة الدولة في تمكين المستثمر المحلي وتزويده بالتقنية اللازمة لأنه وللأسف يتم بيع منتجات السودان تحت علامات تجارية أجنبية ( صنع في......). التحية مجدداً لوزير المالية وأرجو أن يكون لدينا الحس الوطني في إدارة اقتصادنا. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.