أولاً: صلة أسماء السودانيين بإسم الجلالة: هي صلة عبودية و خضوع مطلق ومحبة وتضرع وتعظيم للذات الإلهية لا تشبهها أو تقاربها أي صلة بمخلوق. وتتمثل هذه الصلة في إسم واحد مركب هو : (عبدالله) الذي ورد في موضعين من كتاب الله هما: 1- الآية رقم 30 من سورة مريم علي لسان عيسي عليه السلام :( قال إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيا) . 2- الآية رقم 19 من سورة الجن في إشارة إلي الرسول محمد صلي الله عليه و سلم :(و إنه لما قام عبدالله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا) . و قد إشتق السودانيون منه أسماء : عبدو (عبدُهُ) - وعبود - وعبادّي - والعبيد - وعبيد الله - وعبيد. ومما ينسب إلي إسم الجلالة , أسماء سودانية أخري بعضها قرآني خالص مثل : دفع الله الوارد في الآية رقم 251 من سورة البقرة و الآية رقم 40 من سورة الحج , وبعضها يضاف لإسم الجلالة مثل : جاد الله و علي الله و باب الله و رزق الله . وعطية الله و عطا الله و عوض الله و تاي الله ( والتاي : العوض ) . و بالنسبة لأسماء الإناث التي تجئ علي نفس الشاكلة أسماء مثل : خادم الله و هبه الله و حوابة الله ( حماية الرب) ونعمة الله . وبما أن (عبدالله) إسم مركب من مضاف نكرة هو (عبد) و مضاف إليه وهو إسم الجلالة المجرور بكسرة , فإن من الخطأ أن ينطق بحذف الألف التي تجئ قبل الهاء ثم حذف الهاء ذاتها كما يفعل الكثير من السودانيين وغيرهم . ومن هنا إستفحل الخطأ النحوي الذي إستبدل نطق (عبدالله) ب (عبد اللا) و رحم الله الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي إنتبه إلي هذا الخطأ منذ 1300 عام فقال بشأنه :( لايجوز حذف الألف التي قبل الهاء في لفظ الجلالة التي تلفظ ولا تكتب ) . ومن الحالات النادرة التي أفلتت من الخطأ النحوي في هذا المقام إسم (خليفة المهدي ) : عبدالله فهو ينطق بالصيغة الصحيحة ( عبُد اللهِ ) منذ عهد المهدية و إلي يومنا هذا فأعجب . و زاد بعض السودانيين - من النوبيين الذين يقطنون إقليم دنقلا - الخطأ النحوي بخطأ لغوي بإستبدالهم كلمة (عبد) بكلمة (نقد) بضم النون والقاف فأصبح نطق إسم (عبدالله) خطاً مركباً . و برغم كل ما إعتري نطق (عبدالله) من الخطأ , فقد بقيت دلالاته ومعانيه كما هي في الصيغة القرآنية , بل إن إستبدال كلمة (عبد) العربية بكلمة (نقد) النوبية لم يلحق عجمة بالإسم و إنما كما تراءي لي والله أعلم - أضاف بعداً سودانياً يؤكد إنتساب السودانيين إلي المعني القرآني لا الإنحراف عنه . (1) ولعل مما يؤكد مانقول أن إسم (نقد الله) له مكانة خاصة في نفوس السودانيين و وجدانهم . فقد تسمّي به رجال مشهورون من مناطق مختلفة من السودان منهم جد الأمير عبدالله عبد الرحمن نقد الله الزعيم الأنصاري الشهير , ومنهم جد السياسي المخضرم محمد إبراهيم نقد , ومنهم والد الكاتب و الصحفي سيد أحمد نقد الله , ومنهم الفارس الشهير نقد الله ود عمر الذي تغنت برجولته أم كلثوم بنت جابر المنسوبة لقبيلة الجوابرة في قصيدتها الحماسية التي طبقت الآفاق و المعروفة ب( خال فاطنة ) ... كل هذا علي سبيل المثال لا الحصر ولاشك أن التنقيب في المشاهير الذين تسموا بهذا الإسم سيضيف أسماء أخري كثيرة . ويمكن أن نضيف إلي ذلك أن إسم (عبد الله) لم يسلم من الخطأ اللغوي والنحوي حتي بين السودانيين الذين ينتمون إلي أصول عربية . فقد ورد الإسم في مسدار للشاعر الشكري ( الحاردلو ) بكسر العين وتسكين الباء وكسر الدال في (عبد) وبحذف الهاء في إسم الجلالة. قال الحاردلو : الزول السمح فات الكبار و القدرو كان شافوهوا ناس (عِبْدِاللا) كانوا يعذروا وظل الناس يتداولون هذا البيت إلي اليوم بصيغته الشكرية ولا يعتريهم أي شك في صحة معني ماينطقون ... فتأمل ! ويحار المرء كيف تعايشنا مع هذا الخطأ علي مدي عقود فنحن مازلنا - إلي يوم الناس هذا - نتداول أسماء بعض مشاهيرنا خطأ . فنقول : عبداللا الطيب ( وهو العلاّمة المعروف) , ونقول : عبداللا بك خليل ( رئيس وزراء السودان في خمسينيات القرن الماضي) . وأضفنا إالي القائمة - غير مبالين ولا وجلين - إسم عبداللا آدم حمدوك الذي لا نخطئ في نطق إسمه الأول فحسب وإنما أضفنا إلي الخطأ إسم جده , ولنا حديث في ذلك حين نعالج مادة البحث الثامن من هذه السلسلة . ثانياً : صلة أسماء السودانيين بأسماء الله الحسني : أسماء الله الحسني أصل من أصول توحيد الخالق و كلما إزداد العبد معرفة بها و صلة بمعانيها , إزداد إيمانه بربه . ورد ذكر أسماء الله الحسني كمصطلح قرآني - في أربع آيات من كتاب الله هي : 1- الآية رقم 180 من سورة الأعراف . 2- الآية رقم 110 من سورة الإسراء . 3- الآية رقم 8 من سورة طه . 4- الآية رقم 24 من سورة الحشر . و مجمل ماتوجه به هذه الآيات الأربع أن يدعو العبد بها ربه و يوحده بمعناها ويعترف له بكمال الخلق وتسبيح المخلوقات . أما عدد أسماء الله الحسني فقد إختلف حولها العلماء و المفسرون , غير أن العدد الراجح في عددها مايستند إلي الحديث الذي رواه أبو هريرة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم:(إن لله تسعة وتسعين إسماً , مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة ) ... فهي تسعة وتسعون إسما إالا مائه و ذلك لأن إسم الجلالة (الله) ليس منها , إذ أنه تعالي متفرد بالأولوهية وأن أسماءه الحسني صفات مضافة إليه وهو سبحانه الدال عليها . ومن بحثي عن صلة أسماء السودانيين بأسماء الله الحسني وجدت أنها بحسب ماتيسر لي من تدبر - و إمعان للنظر - قد إنحصرت في واحد و خمسين إسماً هي : الرحمن - الرحيم - الملك - القدوس - السلام - المؤمن - المهيمن - العزيز - الجبار - الخالق - البارئ - الغفار - الوهاب - الرزّاق - الفتّاح - العليم - الباسط - الحافظ - الرافع - المعز - السميع - البصير - الحكم - اللطيف - الحليم - العظيم - الغفور- الشكور - الحفيظ - الكريم - المجيد - الحكيم - الواسع - الودود - الحق - الحميد - الحي - القيوم - الواحد - الماجد - الصمد - القادر - الظاهر - المتعال - التواب - الرؤوف - الغني - النور - الهادي - البديع - الباقي . جاءت الصلة بين أسماء السودانييين و أسماء الله الحسني - الواردة في الفقرة السابقة - علي أربع هيئات : 1- هيئة الإسم المركب وهي أن تضاف كلمة (عبد) إلي كل إسم من أسماء الله الحسني مثل : عبد الرحيم و هكذا . 2- هيئة الإسم المفرد المعرفة وهو محدد في أسماء بعينها لا تحمل صفة أسماء الله الحسني وإن جاءت علي صيغتها و هي : الملك - الحافظ - المعز - الخليل - الظاهر - النور - الهادي - البصير . 3- هيئة الإسم المفرد النكرة وهو ينحصر في صيغة : مؤمن - مهيمن - حافظ - معز - خليل - ماجد - نور - هادي - حميد . 4- هيئة الألقاب و الكُني المشتقة من الأسماء المتعبدة بأسماء الله الحسني و تنحصر في : رحيم (من عبد الرحيم) , أبو رزقة ( من عبد الرازق) , كرومة ( من عبد الكريم) , مجيد ( من عبد المجيد) , قدورة ( من عبد القادر). ... مجمل القول في صلة أسماء السودانيين بأسماء الله الحسني أنها دلالة علي مدي تعلق أهل السودان بقيم التدين وعلامة علي حبهم الجارف بأسمائه الحسني وصفاته العُلي . حاشية: (1) . يؤكد ما ذهبنا إليه أن إسم الجلالة في لغة نوبيي دنقلا هو: آرتي , فلولا حرصهم علي إثبات لفظ الجلالة بصيغته العربية لجاء إسم (عبد الله) في لغتهم : (نقد آرتي ). (نواصل) عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.