"1" ينتقي الهمباتة الإبل في سرقاتهم، وتأنف نفوسهم عن سرقة الأغنام والضأن، وكما قال أحدهم: ما بدلي لي غنم الفطيم والشاي.. فالأغنام تحلب ألبانها للأطفال الصغار والفطم، وقال طه أبو زيد: أبوك يا الزينة عكاهن قبض في روسن.. الهوج والشرق فوق العواتي يكوسن.. وأكثر من ذلك – إنما يسعون للسلب والنهب من أصحاب الإبل مباشرة، ويتجافون عن الإبل الضالة والمفقودة وإبل الأقارب والمعارف و"الهامل": الزول البدور من البوادي ضريبة.. يبقى مواريك الغربة ويبعد الريبة.. ما بندلي للهاملة نشوفها غريبة.. إلا السيدها في الدندر مسيلها زريبة.. وفي كل تقلبات الأيام فان الإبل هي محور حياة "الهمباتي" كما هو سائد في لغة بوادي كردفان ودارفور، أو "النهاض" في بادية البطانة، فهنا الهمبتة يقإبلها "النهيض"، أما أن يكون على ظهرها أو منهوبة أو مسلوبة: يوم مجنبين ماسكين نقيب الهو.. يوم في ليلة يابسين فوق سروجن كو.. مبرومة الحشا ال ماها التخينة أم بو.. يوم بنجيها نازلين زي صقور الجو.. وأظن الطيب ود ضحوية و قد سجن صديقه طه الضرير وقال فيه: زنزانة الرماد قاطعه البصيص والضو.. وفيها مسجنين ناساً أسوداً جو.. أرجا الباري شن ما يريد عليك يسو.. وإن وقع القدر تلقانا يابسين كو.. "2" لقد ارتبطت الإبل عندهم بصلة إلفة في حنينهم للأحبة وفي أشواقهم للرحيل وفي رجاء عودة البروق والمطر والخريف، يقول ود رحمات: في الدنيا أم قدود ضايق لي فيها زمين.. حقبة دكري وركبة بشاري سمين.. في تلت الهجوع حاكم أم جناياً لين.. كم وردتن تباً نقيع مو طين.. .. وحادث ود سلمان ناقته وقد اشتهر في شعره في الإبل يقول: عاس الله يا أم لوص الدهر يتحسن.. نايسات البروق فوق العقيد يتمسن.. السافل يتسب والمحول يتكسن.. تلقى مخلط الرضمة وسريك يتعسن.. وتحس المرارة في حلق ود الشوراني وقد مات جمله، وبدا حزيناً، ومكسور الخاطر، ولم ينس أيامه ولحظاته في الصي والوديان والعتامير مع بعيره، إنها لحظات وفاء عزيزة: رقد المقدر بي جرايده اتبين.. كم لله للتيه والعتامير هين... زمنه العالي سرجه القارتيتو معين.. المطمر ملان لي علوقه ما بتدين.. وأضاف: سفراً بالردى الكرباجو فوقه بجود.. يا عبد الله ساقي عليه مو متعود.. البهجم به ست الريد فلانه مهود.. ادمدم رقد من غيره الله يعوض.. "3" ويتمايز أهل الإبل بثروتهم ومنعتهم، وهذا الاستمتاع بالرهق في مساراتها ومساديرها، يقول عبد الله ود ادريس: الإبل فرزهن من باقي الرزق مو طولن.. الجخ والهبة وقطع المسافات هولن.. قبل ما يظهرهن سفن البحور واسطولن.. كانوا حجيجنا يمتطوا للحجاز زهمولن.. ويستمتع ود الرضي في سرد أوصاف بعيره: أبوك تيس قنة الصي المعيز روينه.. وجدك فورو أوشك من صبيب العينه.. حبوبتك من قبيل مدرعاها شنينه.. وأمك من سبائك الخيل بتأخذ الزينه.. والجمل قرين المشاهد الجميلة، وأداة استطلاع للمنازل والمراتع ومواقع المطر ومظان الكلأ، وكما قال ود الشهلمه: ود علي كرب المن الرباط قام مارح.. وأتوجه صبيب تعلاً بشوفوا البارح.. صياً بالعلو والمهابط سارح.. لفاه بدري بي تور أم حقيبة القارح.. وأنظر هذا النفور للنوق في المراتع الساهلة وبحثها عن العشب الخصيب والمرعى: يوم الرابعة عزموا الشيل مع الشهلال.. ولقوا مقلب جراد شابك قعور النال.. ابت ترضى به بت اللي الرميم شيال.. بتدور رتعة الحدبة الوراء الجبال.. ويعتبر ابراهيم ود سلمان أكثر الشعراء تخصيصاً وتمييزاً للإبل وذماً للشياه والغنم، ، وقد هاله التصحر وقلة المطر: بت أب طيره شبعت في العوج والذل.. وبقيت حاله أشبه بي مريض السل.. أرجوك يا محمد يا شفيع الكل.. تدها فوق صناقير المقيد ضل.. وكثيراً ما تجد شعراء المسدار يربطون بين جمالهم ومحبوبتهم حتى تكاد تتساوى الكفة في الوصف، ابتداء من الشيخ أحمد عوض الكريم وفي بداية مسداره يقول: لي تعباً مطول منه خلاي جالسه.. جبته الليلة وتبوبح ضرب فوق يابسه.. أبو خداً بيلمع بالغضب مو حابسه.. متوطي الحشم توب المحامد لابسه.. ويمضي في تهيئة الرحلة: مرق مخلوفته وقيت فوقو لشق طافه.. شديته ومغيت سير القشاط في هافه.. عشية رقادي عند الكاملات أوصافه.. أفدع جيد وأهيف وعاليات أردافه.. عالم من الدهشة والمتعة، وقيم الوفاء والمحبة والإلفة.. والله المستعان عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. /////////////////