احتفاءا بذكرى انتفاضة مارس أبريل 1985 ، سأحاول أن استعرض بعض الدروس الذي تعلمناها من تلك الملحمة الجماهيرية العظيمة. ليس في اطار النظر النوستالجي للماضي، وانما في اطار النظر للماضي لتشكيل المستقبل. لذلك سساناقش تباعا بعض أهم دروس انتفاضة مارس أبريل، قصدا لمواجهة قضايا وتعقيدات وتحديات المرحلة الانتقالية الراهنة. وهي أخطر مراحل التحول الديمقراطي ، التي مرت على بلادتا، لانها ذات معادلة صفرية: اما تحقيق تحول مدني حقيقي ، أو السقوط في قاع هاوية الحروب الاهلية والتشطي والدكتاتورية. الدرس السادس الذي تعلمناه هو انه لا ديمقراطية بلا احزاب، لكن ، للاسف، احزابنا هي أحد أهم اسباب ضعف تجربتنا الديمقراطية. قادت النقابات المعركة ضد النظام المايوي خلال سنوات طويلة. وتواصلت المعركة يوميا خلال عام 1985. وتحركت الاحزاب اخيرا لتوقع مع النقابات ميثاق التجمع الوطني مساء 5 أبريل، قبل سويعات من سقوط النظام المايوي. وبعد سقوط النظام عملت الاحزاب معا، رغم المحاولات الحثيثة للمجلس العسكري الانتقالي للانفراد بالسلطة. نجحت الاحزاب في العمل معا حتي نهاية الفترة الانتقالية ، رغم مؤامرات الجبهة الاسلامية. أدت الانتخابات لنشوء واقع سياسي جديد ، ظهرت فيه الجبهة الاسلامية كقوة برلمانية مؤثرة. وبدأت الاحزاب في التنكر لشعارات الانتفاضة. وكان اكبر مظاهر ذلك التنكر الابقاء على قانون سبتمبر ، رغم الوعد بالغائها. ثم عادت حليمة لقديمها ، من ناحية التناحر الحزبي، والصراع حول المكاسب الحزبية. وأطلت من جديد قضايا الفساد والمحسوبية. وصارت الائتلافات الوزارية تتم ، ثم تنفض ، لتتم مع آخرين لتفض مرة أخري. كما أوضحت العديد من القضايا بان التشاكس الحزبي كان يعلو على قضية الوطن. فقضايا هامة تأثرت بالصراع ، ومنها قضايا القوانين ، التعويضات ، ابوحريرة وزير التجارة ، قانون النقابات 1987 ، الموقف من ليبيا ، تحرير الكرمك، تسليح القبائل ، الصدامات القبلية في دارفور ، انتفاضة السكر ، اتفاقية الميرغني قرنق. اشتد الصراع داخل الاحزاب الكبيرة نفسها، لانعدام الديمقراطية وسيطرة البيوتات الطائفية الكاملة عليها. وتفاقمت الازمة الاقتصادية مما زاد من معاناة المواطنين. وصارت المدن تسقط تباعا في يد الحركة الشعبية مما ادي للتململ داخل الجيش توج بمذكرة شهيرة. خلاصة الأمر تكاثرث الازمات والاحزاب لاهية عنها في صراعاتها، مما سهل تنفيذ انقلاب الجبهة الاسلامية. اننا لا نعادي الاحزاب، ولا نطالب بالغائها، لانه لا ديمقراطية بدون احزاب. ونعرف تماما ما تعرضت له الاحزاب خلال الانظمة الدكتاتورية المختلفة. ولكن الممارسة الراهنة توضح انها لم تستوعب دروس الماضي. وهاهي مظاهر التكالب والمحاصصات والتكويش والتبعية للخارج والتحالف مع العسكر تتم امامنا. وحتى الاحزاب الجديدة التي توقعنا ان تقدم نموذجا مختلفا ظهر انها نسخة مكررة من الاحزاب القديمة. اما الحركات المسلحة التي ناضلت من اجل قضايا اهلها لسنوات طويلة، نرى انشغلت تماما بالمحاصصات. هل من مخرج من هذا الوضع المزرئ؟ نعم يوجد مخرج وهو الصراع ضد كافة المظاهر الحزبية السلبية، وفي سبيل تطوير الاحزاب لتصبح احزاب قوية وديمقراطية حقا وتملك برامج لتطوير الوطن. ويتم ذلك على مستويين: داخل الاحزاب نفسها، وفي الفضاء الوطني العام. نؤمن بضرورة تصدي عضوية اي حزب لقضية تطويره وتقويته وجعله اكثر ديمقراطية. ويتم ذلك بصراع قد يقصر أو يطول، ولكنه سيؤدي للتغيير. وقضية التغيير تشمل ارساء المؤسسية في الحزب ، ورفض سيطرة البيوتات ،الانتخاب الدوري للقيادات وليس تعيينها ، فتح المجال للحوارات الداخلية حول مختلف القضايا ، عقد المؤتمرات العامة الدورية،اعدالد برنامج للحزب يطرح للجماهير وغيرها من قضايا الاصلاح والتجديد. اما على مستوى الفضاء العام ، فنري ضرورة نقد ممارسات الاحزاب، ومواقفها وبرامجها، وانعدام الديمقراطية داخلها. وفتح الحوارات العامة حول ازمة الممارسة الحزبية السودانية، واقتراح اساليب لتصحيحها. ولكن الاهم تحقيق التول الديمقراطي لان الاحزاب تتطور بالممارسة وممارسة الديمقراطية ستفرض عليها اجندة التجديد. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.