عندما قال علماء التاريخ إن الثورات تأكل بنيها لم يكن يرددوا مصادفة قد شاهدوها.. وإنما كانوا يؤكدوا ما أثبته علم النفس السياسي بأن الثورات لا خوف عليها من عروش الظلم التي تهاوت بل خطرها الأكبر عندما يسيطر عليها الوعي الزائف وتصيبها جرثومة العقل العاطفي. لذا نجد كل متابع لثورتنا سيرى بوادر استشراء هذا الداء الذي لو تركناه يستفحل..ولم نستأصله في مهده فإنه لامحالة سيكون هو الذي سيعجل بإنهيار ثورتنا وسقوطها في مزالق الفشل. إن الأنظمه الغاشمه تعتمد في بقائها في السلطه على القمع والقهر وتزييف الوعي. إن الإنقاذ من يومها الأول كانت تعلم إنها لاتملك ماتستطيع به إمتلاك عقول شعبنا أو محبته. كانت تعلم انه ليس لديها سوى سياسة القهر والإرهاب تزيف الحقائق تستلب العقول وتزرع الوهم. لذا كشرت عن أنيابها في خطة ممنهجة ومدروسه في حصار شعبنا تعذيبا وتكيلا تخويفا وإرهاب مع ماكينة إعلامية تدمن الكذب وتحوير الحقائق وقمع الرأي الآخر وتغبيش الحقائق وحجبها. إن سايكولوجية الإنسان المقهور تتشكل بتأثير سلطة القهر فيصبح الفرد تدريجيا مع الزمن أكثر تقبلا للوعي الزائف وللحقائق المغلوطه نتاجا لعمليات غسيل المخ والإعلام المكثف الذي يستند على الكذب.. والإشاعات و المغالطات الفكريه... .نظام قام على بناء الوعي الزائف من يومه الأول مستندا على مسرحية إذهب للقصر رئيسا وسأذهب للسجن حبيسا ويفتخر شيخ صحافتهم وفيلسوف إعلامهم منافحا بأن الكذب ليس حلالا بل هو سلاح مهما في سبيل الدعوه.. ضاربا بحديث أشرف البشر (ص) عرض الحائط عندما قال المؤمن لايكذب. إن الإنسان المقهور الذي يعيش تحت رحمة الرأي الأحادي المغلف بالأكاذيب لا يقف عند حد القبول بهذه الأكاذيب بل قد يصل به الحال أن يتبناها ويدافع عنها وتصبح هي قناعاته وينسى تماما جذورها المسمومه وكيف نشأت وتغلغلت في مسامه. هنا يصل الفرد المقهور لما يعرف في علم النفس السياسي بالإستبطان.. حيث تجد ملامح إستبطان القهر عندما ترى الشرفاء والثوار يتحدثون بلسان سلطة الظلم وينشرون سمومها وهم بذلك فرحين. حيث تجد الثائر يتحدث بلسان كيزاني العباره شيطاني الملامح وهو غافل عن مدى ما يحمل من جراثيم قد زرعتها سلطة القهر وجلست تسمتع بغرسها وثماره. إن دولة الظلم عندما قفزت في السلطة ذات ليل كانت رسالتها بأننا حملة الأخلاق ومبعوثي السماء ليس لدينا إنتماء فالتحزب هو أس البلاء فهو ضد الذين وضد الوطن. بدأت عملية تزييف الوعي بإسقاط ما بدواخلهم على الآخرين... حيث نحن ليس بكاذبين ولا حزبيين ولكن الآخرين هم الكاذبون. ولتصبح شيطنة الأحزاب والسخرية من قادتها ومن تاريخها ودمغها بالعمالة والإرتهان هي الوتر الذي يعزفون عليه صباح مساء في صحفهم وإعلامهم.. وهو الصوت الوحيد وماعداهم مقموع. مع بناء الوعي الزائف بدأ غرس جرثومة العقل العاطفي الذي يعتمد على سيطرة المشاعر فيفارق العقل درب الحقيقة والمنطق. كانت جرثومة العقل العاطفي تتسلل لوعي شعبنا في كل صباح جرعات من الغضب من الأحزاب الطائفية بإستمالة بعض قادتها وابناءها.. والغضب من أحزاب اليسار التي تحارب العقيدة والأخلاق والاذراء وعدم الثقه في الحركات المسلحه لانها حركات عنصريه... و رغم إن أي صاحب عقل منطقي وموضوعي سيعلم من هو عديم الأخلاق ومن هو الوالغ في المصالح والفساد والذي إستغل الدين وتشرب بحروب العنصرية والإباده... لكن للأسف فإن سلطة القهر تعمل جاهد بقتل بذرة العقل الموضوعي وجعل الإنسان المقهور أسير الوعي الزائف المكبل بجرثومة العقل العاطفي... فتجد بعض هذه المغالطات طريقها لوعييه وهو غافل. سقط نظام القهر... . لكن للأسف.. بصماته باقيه.. قامت ثورة سلطة الوعي الموضوعي ولكن تأثير الوعي الزائف مازال ملحوظا وجرثومة العقل العاطفي معشعشة وفي كل يوم وتزداد مناعة.. حيث نرى أعراض الوعي الزائف في كثير من المناحي ولكن نقتطف للتوضيح بعضها 1.شيطنة الأحزاب ورفض شرائح واسعة خاصة من الشباب لكل الأحزاب وإتهامها بالعماله والذاتية والعمل ضد الثوره. 2.شيطنة الحركات المسلحه بأنها عنصرية وإنتهازية وفاسده. 3.التعميم المخل بحيث الإشارة لشخص في قيادة بعض الأحزاب أو موقف محدد ليلغي تاريخ ذلك الحزب ومصداقية كل عضويته وكوادره. 4.سيطرة مشاعر سالبه من الغضب والكراهيه تجاه بعض الأفراد والقيادات.. لتجعل من السهل لجرثومة العقل العاطفي ان تسيطر على التفكير. 5.إنعدام الثقه في الآخر حيث يسود التناقض التناحري بين قوى الثوره حيث يؤمن كل فصيل ليس هناك أمل للنجاح الا بإقصاء الآخر وفناءه.. إننا إذا طلبنا من الثوار فحصا للكشف عن جرثومة العقل العاطفي... فما أسهل إكتشافها.. فما علينا سوى ان نسألهم.. عن الأحزاب لأخبرونا عن إنتهازيتهم.. ولو ذكرنا بعض أسماء القيادات من مريم او صدقي او سلك أو ابراهيم الشيخ أو مناوي.. وعرمان لرأينا فحيح الغضب وبذور من كراهيه تحلم بالتخلص منهم... أحبتي إن الوعي الزائف هو الذي يجعل الثورات تأكل أبناءها والوعي العاطفي هو الإسفين الذي يمنع توحد قوى الثوره وتعزيز قيم العمل المشترك إن الوعي المنطقي والموضوعي هو المنار لطريق الثوره.. هو القراءه الموضوعيه والمنطقيه التي تساعد في قراءة واقع التغيير ورسم خطاه. إن العقل الموضوعي يؤكد لنا. 1. إن عدونا الأول هو سلطة القهر وتنظيمها الغاشم الذي مازالت اركان دولته تنبض بالحياة. 2.إن نجاح الثوره يعتمد على جهد كل الشرفاء الذين من مصلحتهم قيام دولة المؤسسات والقانون. 3.آن كل الأحزاب والحركات قد تضررت من سلطة القهر ومن مصلحتها هدم أركانها. 4.القبول بالإختلاف بين الأحزاب فى الرؤى هو تناقض ثانوي ليس مهما الان ويجب الا يجعلنا نغفل من تناقضنا الأساسي مع سلطة الإنقاذ وثقافتها. 5.رأينا السلبي في أي فرد ليس مبررا لمحاكمة حزب كامل وإلغاء دور عضويته وكوادره..فهم حلفاءنا ورفقاء الطريق... فنحن جميعا في حوجة لبعض لنبني دولة المؤسسات ونقطع الطريق على خفافيش الظلام أحبتي.. فلننظر للأيام الماضيه ويكفينا مرارة إستشهاد الشرفاء في ذكرى الإعتصام التي يجب أن تجعلنا أكثر حوجة للتكاتف وإستعمال العقل الموضوعي نؤسس لعملنا المشترك نتجاوز اختلافاتنا لمجابهة أذيال دولة القهر.... لكن للحسره نجد عوضا عن ذلك جرثومة العقل العاطفي من الغضب المنفلت ضد بعضنا البعض يرسل سهام التشكيك والتجريح ويزرع الكراهيه.. نرى الوعي المزيف ينتشر الكل يدمغ الآخر (فالشيوعي قدكان سبب الإستشهاد) (وحزب الأمه شارك في مجزرة الإعتصام) (والمؤتمر السوداني رمز العماله والفساد) .. وكل يحمل نصل سيفه يلمع في الظلام نحو أخيه وليس ضد قوى البغي والإفساد وهي مطمئنة على نفسها.. وترقب حصاد زرعها يعلوها السكينة والإبتسام.. فيا أبناء الثوره وبناتها.. هذا ليس زمن التناحر والإختصام.. فلا تتركوا لجرثومة العقل العاطفي ان تسيطر على قراركم.. ولا تجعلوا للوعي الزائف سبيلا على مساركم.. فالطريق واحد نحتاج فيه لكل الشرفاء وأحزابهم مهما اختلفنا لن نحاكم فصيل أونقصي حزبا فجميعهم شاركوا في الثوره وجميعهم ذاقوا من كأس الظلم والهوان... عدونا واحد.. ومصلحتنا واحده في بناء دولة الحريات والقانون... ولن يتم ذلك الا اذا تحصنا من العقل العاطفي بالتجرد والتسامي وحاصرنا الوعي الزائف بالمنطق والعقل الموضوعي والإلتزام..