هل تعبر نتيجة الانتخابات الاخيرة التي إكتسحها المؤتمر الوطني عن حالة إلتفاف حول المفردة الفكرية الأصيلة للحزب والمبنية علي أطروحات الإسلام الحركي. في تقديري أن مساندة قطاعات واسعة من الشعب السوداني للمؤتمر الوطني في الإنتخابات الأخيرة لا تعني بالضرورة قبولا تاما أوحتي تعاطفا مع الأيدلوجيا الأساسية للحزب إذ أن المؤتمر الوطني نفسه لم يعد يطرحها أو يعول عليها كثيرا في السنين الأخيرة فقد تراجعت إلى الخلف الأطروحات ذات الطابع الإسلامي المحض لتحل محلها أطروحات ذات صبغة سياسية تركز على إبراز وتضخيم إنجازات الحزب في الفترة التي حكم فيها السودان وتقدمه على أنه حزب وسط سودانوي الهوى وأنه يضم في عضويته كل ألوان الطيف السياسي والديني والفكري والقبلي وهذا الطرح يمثل بضاعة تملك أحزاب الوسط السوداني كالأمة والإتحادي الديمقراطي مثلها بل وتقدمها بصورة أكثر عمقا و إتساقا فما هي اذن أسباب هذا الفوز الساحق للمؤتمر الوطني رغما عن أن بضاعته الأنتخابية أصبحت لحد كبير شديدة الشبه ببضاعة الحزبين الكبيرين ؟ إن لذلك في تقديري عدة أسباب- كلها يجب أن تستدعي القلق لدى قادة المؤتمر الوطني- فالسبب الأول هو الكاريزما السياسية أكرر السياسية- العالية التي يتمتع بها الرئيس فتدينه البائن للعيان ونزاهته التي لا يختلف عليها إثنان وسجايا أولاد البلد الأصلاء التي يتمتع بها إضافة إلى كونه أصبح بعد قضية المحكمة رامزا للتحدي لمؤسسات المجتمع الدولي التي يتموضع كل منتم لدول العالم الثالث في الإتجاه المعاكس لها تلقائيا ، كل هذه الأسباب أكسبت الرئيس تعاطفا غير مسبوق لدى عامة السودانين إنسحب بدوره تصويتا لا تأييدا لبقية مرشحي المؤتمر الوطني في بقية المستويات وأتساءل هنا حتي اعزز الفرضية أعلاه هل كان المؤتمر الوطني سيحقق ذات النتائج الباهرة فيما لو غاب الرئيس عن المشهد الإنتخابي الحالي لأي سبب من الأسباب . السبب الثاني لتفوق المؤتمر الوطني هو الذكاء السياسي الحاد الذي أدار به الإنتخابات بداية من تخطيطه لختام مشروعات تنمويه ضخمة ملامسه لحوجات المواطن قبل موعد الأستحقاق الإنتخابي بقليل –كسد مروي مثلا- مرورا باجادته التلاعب بالقوى السياسية الكبري كالامه والاتحادي وإنتهاءا بنجاحه في تحييد الحركة الشعبية ومن خلفها أمريكا وصويحباتها بإستعماله لكرت الإستفتاء في الزمن الضائع كما أن حالة الضعف البائن والتشرذم الشديد والتردد البليد التي انتابت الطيف السياسي المعارض طوال فترة الانتخابات كانت أيضا من العوامل التي ساعدت في هذا الفوز الكاسح للمؤتمر الوطني . إن المثير للقلق في فوز المؤتمر الوطني هذا أن إعتماده على العوامل المذكورة أعلاه قد يرتد في نحره مستقبلا لأن غياب أو تغييب المفردة الفكرية تماما عن ساحة المعترك الإنتخابي الأخير وغياب إعتمادها كمعيار للإختيار من قبل الناخب السوداني تمثل علامة إنحطاط في السلوك الإنتخابي لهذا الناخب وهذا ليس في مصلحة المؤتمر الوطني كما قلنا فإنه اذا أصبح التعويل على الأشخاص هو العامل المرجح لإستقطاب الناخب فإن التيارات المناوئة له قد تفلح بسهوله في توليد وتلميع وتصعيد قيادات ذات قوة جذب كاريزمية أعلى وهذا شئ متوقع الحدوث في بلد كالسودان ودونكم الهزة الشديدة التي أحدثها قرنق لدى وصوله إلي الخرطوم وحالة الإبهار التي أوجدها في نفوس الكثيريين. إن من مصلحة المؤتمر الوطني علي المستوى الإستراتيجي البعيد إعادة صياغ قوانين المقارعة السياسية في هذا البلد ووضعها في إطارها الصحيح لتصبح المفردة الفكرية والطرح البرامجي ثم المقدرة على الإنجاز هي الساحات الأساسية للصراع فان للمؤتمر الوطني ها هنا تفوقا أكثر رسوخا وأوفر ديمومة لإن أطروحته الفكرية الأساسية القائمة على تبني الإسلام منهجا عمليا للحياة العامة والخاصة وما توافر لها من تطبيق عملي جاد وناجح ومرن في الفترة السابقة تظل هي الأقدر علي البقاء والمغالبة . 0912328951 0123424233 waleed salih [[email protected]]