إستلفت إنتباهي بشدة في الإنتخابات البريطانية التي جرت في خواتيم الأسبوع المنصرم أمران ، الاول هو الدماء الشابة التي تدفقت غزيرة في شرايين وأوردة الاحزاب الثلاثة الكبرى (العمال، المحافظون والديمقراطيون الأحرار) ففي هذه البلاد العجوز رؤساء الأحزاب الثلاثة قولدن براون وديفيد كاميرون ونيك كليغ ثلاثتهم شباب سنا وروحا وفكرا كما أن معظم مرشحي هذه الاحزاب تقل أعمارهم عن الأربعين وفي هذا رسالة بليغة لساسة بلادي الذين يستمسك أغلبهم بممارسة العمل السياسي متقلبا بين المعارضة والسلطة عمرا يضاهي عمر ديفد كاميرون . إنني اطلب منكم لإثبات الفرضية الاخيره تحديداإجالة النظر في العمر السياسي والفعلي لرؤساء الأحزاب الثلاثة الرئيسية في بلادي (المؤتمر الوطني والأمة والإتحادي ) ليتكشف لكم أن أغلبهم قد جاوز الستين أوالسبعين يستوي في هذا عندنا المعارضين والحاكمين لا أفضلية هنا لأحدهما عن الاخر فقيادات الصف الأول في كلا الطرفين ثابتة منذ ستينيات القرن الماضي وتظهر الى جانبها في بعض الأحيان مجموعة صغيرة من الأربعينيين المحظوظين الذين صعدت بهم أقدار الله إلى تخوم الصف الأول إلا أن الوضع يظل كما هو عليه فالقابضين على أعنة الأمر والممسكين بتلابيب إتخاذ القرار يظلون حتى إشعار اخر هم ذات الجيل السبعيني الفريد . الأمر الثاني الذي إستوقفني كثيرا في الانتخابات البريطانيه هو التقارب الشديد في الأطروحات الأساسية للأحزاب الثلاث الكبرى في بريطانيا فهي تتفق وبقدر كبير في كثير من مسائل الأساسية كالنظرة للصراع العربي الإسرائيلي والوضع في العراق وأفغانستان وحتى في ملفات أقل سخونة كالسودان واليمن يظل التقارب قائما ، ثم تظهر من بعد ذلك بعض الفروق المجهرية (التي لا ترى الا لعين فاحصة مدققة) وذلك في بعض القضايا الداخلية المرتبطة بحياة الناس ومعاشهم. وهذا التقارب الشديد في أطروحات الأحزاب الثلاثة مثل تاريخيا عاملا مهما في حالة الإستقرار السياسي الشديد التي تتميز بها بريطانيا . إن لبلاد الشمس الغاربة هذه تجربة جديرة بالإستنساخ والإحتذاء في بلادنا هنا- مع بعض الإضافات طبعا- فنحن نحتاج حقا لنظام سياسي تعددي يتفق الناس فيه على ثوابت مستقاة من دينهم ومرتكزة على أعرافهم الأصيلة شريطة أن تنبني هذه التعددية السياسية الجادة على أربعة أو خمسة كيانات حزبية كبرى عل ذلك يحد من حالة التشظي الشديد التي يعاني منها الجسم السياسي عندنا ويفلح في اثبات أنه يمكن لكيان سياسي واحد أن يستوعب بداخله طائفة من الأفكار المتناغمة أو المتقاربة أو حتي المصطلحة على برنامج حد أدنى مع ضرورة التأكيد على أنني هنا لا أدعو لإعادة إنتاج تجارب الكيانات المضخمه اصطناعيا والمنبثقة عن النظم الشمولية كطيب الذكر الإتحاد الإشتراكي وعزيزنا سيد الساحة حاليا المؤتمر الوطني لكنني أدعو إلى قيام كيانات سياسية كبري متراضية جدا ومتصالحة للغايه تنشأ ثم تندمج وتذوب في بعضها البعض دون أدنى درجة من درجات الجبر والإكراه. إن أغلب الديموقراطيات الناجحة والمستقرة حاليا قائمة على المبدأ هذا ، إتفاق تام وتواصي مطلق على مجموعة ثوابت وكليات ثم أحزاب لايتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة لكنها قوية ومتمددة وفاعلة ومقتدرة ثم هي من بعد ذلك تختلف في مابينها في فروع وتفاصيل السياسة والإقتصاد والإجتماع إختلافا رغما عن ضالة حجمه إلا أن مساحات الحرية الواسعة في تلك البلاد تكسبه زخما وحيوية وسخونة تعلى من قدر العملية السياسية وترفع من قيمتها وتضفي عليها طابع الإثارة والتشويق . إن نشوء كيانات سياسية كبرى وفاعلة في بلاد متعددة الأعراق والثقافات والقبائل كبلادنا هذه يمكن ان يمثل مدخلا صحيحا وفعالا في تجفيف كل بؤر التوتر والصراع والإحتقان وحينئذ فقط يمكن أن نخرج السنتنا ساخرين في وجه إبن خلدون الذي قال قديما (البلاد الكثيرة الأعراق قلما يستقر فيها سلطان لدولة لأن كل ناعق فيها يجد مجيبا). مهندس/وليد صالح ابراهيم مختبرات النفط المركزيه waleed salih [[email protected]]