بعيداً عن النظريات الاقتصادية العالمية القابعة في بطون الكتب العتيقة، تدل كل المؤشرات على أرض الواقع أنه مثلما أنهارت أسطورة الاقتصاد الاشتراكي ، التي تقوم بشكل أساسي على سيطرة الدولة على كافة وسائل الانتاج العامة والخاصة ، في أواخر القرن العشرين فإن أسطورة الاقتصاد الرأسمالي ، التي تقوم بصورة أساسية على تمكين الأفراد من السيطرة على كل وسائل الانتاج العامة والخاصة ، قد بدأت في التهاوي بشكل مطرد في بداية القرن الحادي والعشرين في أوربا وأمريكا وفي بقية دول العالم التي اختارت الاقتصاد الرأسمالي طريقاً وحيداً للتنمية الاقتصادية والبشرية ، ولعل من أقوى مؤشرات تهاوي الاقتصاد الرأسمالي العالمي أن الإجراءات التقشفية الصارمة ، التي يتم فرضها حالياً في أوربا بغرض مكافحة إفلاس دولها ، لم تقتصر على الاقتصاديات الأوربية الناشئة مثل اقتصاديات اليونان، البرتغال وأسبانيا وإنما شملت الاقتصاديات الأوربية الصناعية المتطورة مثل اقتصاديات ألمانيا ، فرنسا وبريطانيا ، الأمر الذي يثبت بشكل أو بآخر أن الأزمة الاقتصادية العالمية التي تهز أركان الاقتصاد العالمي حالياً ليست ناشئة عن فقاعة الديون العقارية أو الثقب المصرفي الأسود في أمريكا كما يعتقد الكثيرون وإنما يعود سببها الأساسي إلى خلل بنيوي خطير كامن في هيكل الاقتصاد الرأسمالي! من المؤكد أن أنظار كبار فلاسفة الاقتصاد العالمي في الغرب قد بدأت تتجه حالياً إلى مفهوم الاقتصاد المختلط ، وهو الذي تسيطر فيه الدولة على وسائل الانتاج العامة بينما يسيطر فيه الأفراد على وسائل الانتاج الخاصة ، لسبب عملي بسيط وهو أن الاقتصاد المختلط هو اقتصاد وسطي يحترم الحوافز الخاصة والعامة على حد سواء ومن الملاحظ أن نظام الاقتصاد الاسلامي ، الذي تقوم فيه البنوك الاسلامية بدور المستثمر في الصناعات الصغيرة والمتوسطة، قد بدأ يتنامى بوتيرة متصاعدة في بلاد الغرب التي اصبحت بنوكها التقليدية ، التي تلعب فقط دور المقرض أو المقترض بفوائد دائنة أو مدينة، تقوم بفتح فروع إسلامية في لندن وباريس وبرلين لتقديم منتجات إسلامية وأصبح خبراؤها الاقتصاديون يلهثون حالياً وراء ترجمة مفاهيم التورق والإجارة والاستصناع وكلها صيغ تمويل اسلامية لم يكن الغرب يطيق سماعها فيما مضى بل أن أحد دهاقنة الاقتصاد الرأسمالي العالمي قد دعا نهاراً جهاراً إلى وقف المضاربات الرأسمالية الورقية على الفور وتطبيق مباديء الاقتصاد الاسلامي ، التي تمنع هكذا مضاربات ، على معاملات وول استريت! والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل سيقوم خبراء الاقتصاد الاسلامي في منطقة الشرق الأوسط بانتهاز الفرصة ولعب دور قيادي في نشر المفاهيم والتطبيقات العملية للصيرفة الإسلامية على مستوى العالم أم أنهم سيكتفون بترديد الشعارات الايمانية العامة وينتظرون من خبراء الاقتصاد الغربيين أن يقوموا بذلك ثم يعزون أنفسهم في نهاية المطاف بقولهم "هذه بضاعتنا ردت إلينا"؟! فيصل علي سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر