بعد أن تناولنا فى الحلقة السابقة الاطار القانونى لقضية الامن الغذائى وتنفيذ حق الغذاء , ننتقل اليوم لتناول الاطار المؤسسى لمعالجة هذه القضية . وتناول هذا الجانب على ضوء تجارب الدول النامية يثير العديد من التسؤلات , فحينما تتناول أى أستراتيجية اقتصادية تجاه معالجة قضية معينة ومن ثم رسم السياسات والبرامج والمشاريع التى تترجم تلكم الاستراتيجية على أرض الواقع للوصول الى اهدافها , يتضح لنا مدى حجم التناقض الكبير بين الاستراتيجية وأهدافها والسياسات والبرامج والمشاريع التى يفترض بها ترجمة الاستراتيجية المعنية , وهو مايقود فى اّخر الامر الى سوء الاخراج ومن ثم تبديد الموارد وبدلا من معالجة القضية , فى ظل الموارد الشحيحة , يقود الى مزيد من التدهور واستفحال الامر , ويأتى هذا التناقض حينما تستضدم المصالح الفئوية وتتعارض بالمصالح الكلية , ولنقرب الصورة أكثر , حينما تدعو الاستراتيجية الى دعم صغار المنتجين وهم الشريحة الاوسع بهذه الدول وتقابل بسياسات تعمد الى الحد من قدراتهم وعدم تمكينهم من التمويل المناسب أو تجريدهم من أراضيهم أو تهجريهم عنها أو فى بعض الاحايين نزعها منهم لمصلحة فئات محدودة من المجتمع تحت غطاء مسميات متعددة نسمى منها , الخصخصة , دعم الاستثمار الاجنبى , اعادة الهيكلة ....الخ من المفردات التى ظاهرها أقل ماتوصف به ( كلمة حق قصد بها باطل ) , وهناك أيضا عمليات التمييز فى السياسات الائتمانية , هيمنة القلة على سوق مدخلات الانتاج , والادهى هيمنة قلة من شرائح المجتمع على استيراد السلع والمنتجات الغذائية من الخارج وبجودة عالية وبأسعار تقل كثيرا عن المنتجات المحلية , فى ظل ارتفاع تكلفة انتاج على المستوى المحلى نتيجة السياسات المزكورة أعلاه , والعديد من العناصر الاخرى , كل ذلك يترجم مدى حجم التناقض المريع بين الاستراتيجيات المعلنة وبين السياسات والبرامج التى تترجم تلكم الاستراتيجيات , وبناءا على هذا الواقع المشبع بالمتناقضات يصبح من المستحيل التأطير لمؤسسات تستطيع ترجمة هذه الاستراتيجية , حتى لو أوكل الامر الى كبريات المؤسسات الاستشارية الاقتصادية بالعالم , وهو مايفتح الباب واسعا لمناقشة قضية أوسع تتعدى قضية الامن الغذائى وتنفيذ حق الغذاء الى ماهية الاغراض والاهداف والاسس التى تحكم البناء المؤسسى بالدول النامية ؟ وهذا موضوع معقد لايتسع المجال لتناوله فى هذا المقام . نعود الى دراسة الحالة التى نحن بصددها للخمس الدول التى شملتها وهى للتزكير (البرازيل , الهند , جنوب أفريقيا , يوغندا وكندا ) , ونرى ماخلصت اليه فى هذا الامر : ان تنفيذ السياسات والاطر القانونية ذات الصلة بالحق فى الغذاء يستدعى وجود مؤسسات فعالة على كافة المستويات . كما أن طبيعة الحق فى الغذاء الجامعة للقطاعات تتطلب بذل جهود للتنسيق عبر الوزارات والمكاتب الحكومية على المستويات القطرية والمحلية . وتوضيح توزيع الادوار والمسؤوليات بين مختلف قطاعات ومستويات الحكومة سيؤدى الى تحسين مستوى المساءلة والفعالية فى العمل . وفى البرازيل يعد الحق فى الغذاء المبدأ الموجه لسياسة الامن الغذائى Fome Zero . وله جذور مؤسسية فى وزارة العدالة الاجتماعية الجديدة التى تشمل الوزارة السابقة للامن الغذائى ومكافحة الجوع التى أصبحت أمانة ضمن الوزارة الجديدة , أما حجر الاساس الثانى الذى ارتكز اليه لاضفاء الطابع المؤسسى على نهج الحق فى الغذاء فى البرازيل فيتمثل فى أعادة استحداث المجلس القطرى للامن الغذائى بأعتباره منتدى لمشاركة المجتمع المدنى . وقد بدأت أوغندا فى وضع ترتيبات مؤسسية للاشراف على تطبيق نهج قائم على الحقوق فى ميدان الامن الغذائى . وقد أوكلت الى مجلس الاغذية والتغذية الجديد مهمة تنسيق وحشد قوى أصحاب الواجبات والحقوق . وتعد المساءلة عنصرا مركزيا فى أى اطار قانونى فعال يهدف الى تنفيذ الحق فى الغذاء . ويجب على الدولة وضع اّليات لضمان مساءلة المسؤولين عن تنفيذ هذا الحق . وفى جنوب أفريقيا , اقترحت الحكومة تعيين مسؤولين محليين عن الامن الغذائى يتولون رفع تقاريرهم الى مجموعة الوزارات العاملة فى القطاع الاجتماعى . كما يخطط مشروع قانون الامن الغذائى لاستحداث مجلس للامن الغذائى يلعب دورا محوريا فى تنسيق السياسات . نلاحظ هنا أن ماخلصت اليه اللجنة لايعدو عن الحديث عن المسلمات , ولم يتناول بالتفصيل جوهر المعضلة المؤسسية بالدول النامية فى هذا الجانب , والعمل على تسليط الضوء على حجم المتناقضات الهيكلية والبنيوية والمؤسسية , وهى التى تمثل الاوعية التى من خلها يتم ترجمة الاستراتيجيات والسياسات المعلنة على أرض الواقع . وهو مايقود الى نقاش فلسفى كبير يتعلق بمدى موائمة النظم والمؤسسات بهذه الدول للاسترايجيات والسياسات المطروحة وماهو حجم عمليات الاصلاح المطلوبة للخروج بأطر مؤسسية فاعلة تترجم ماهو معلن . خلاصة القول , أن معالجة قضية الامن الغذائى وتنفيذ حق الغذاء فى أطار تناقض البناء المؤسسى والاستراتيجيات والسياسات لايفضى الا الى تبديد الموارد الشحيحة أصلا , وتفاقم القضية أكثر فأكثر . وحتى نلتقى بأذن الله فى الحلقة القادمة عاطف عبد المجيد محمد عضو المنظمة الدولية لشبكة المعلومات والعمل لاولوية حق الغذاء – هايدلبرغ –المانيا عضو الجمعية الدولية لعلوم البساتين – بروكسل – بلجيكا الخرطوم بحرى – السودان تلفون :00249912956441 بريد الكترونى :[email protected]