منذ أكثر من عقد من الزمان والعالم كله على مختلف مستوياته يتحدث عن هذه القضايا التى أضحت من القضايا التى تهدد هى وتوابعها الامن والسلم العالميين . وفى ظل واقع العالم بعد انتهاء الحرب الباردة , ونشؤ العالم احادى القطب وافرازاته من تملل البعض ونشؤ بعض التكتلات الاقتصادية هنا وهناك , وصراع الفيلة , وولوج المصطلح الجديد على الساحة الاقتصادية ( الشراكات الاستراتيجية ) فى ظل صراع الاستراتيجيات الاقليمية والدولية حامية الوطيس , تجد ماتعرف بالدول النامية نفسها فى وضع لاتحسد عليه , فقد أصبحت ساحة مستباحة لمجمل ذلك الصراع , ليس بصفتها أحد أهم موارد المواد الاولية أو الطاقة فحسب , بل بوصفها تحتضن جلّ سكان العالم فهى واحدة من أهم أسواق الاستهلاك لمنتجات الدول ذات الثقل على المستوى الدولى , وهو مايحتم أن تصبح من أهم دوائر النفوز . وفى المقابل وعلى ضوء كل ذلك ماهو الدور المنوط بهذه الدول للافلات من تبعات هذا الصراع المحموم ؟ فتناول موضوع الامن الغذائى وتنفيذ حق الغذاء ورسم سياسات وخطط وبرامج محاربة الفقر والجوع بمنأى عن المعطيات اّنفة الزكر يصبح ضربا من الخيال , أو شكلا من الرومانسية , اّخذين فى الاعتبار التناقضات المحلية على المستوى القطرى , والتى بلا شك هى أحدى أهم عناصر التحديات التى تواجه هذه الدول , والتى تتكامل مع المعطيات اّنفة الزكر لترسم صورة قاتمة للوضع , يضع راسمى السياسات والبرامج والخطط على المستوى القطرى أمام تحديات تتطلب معالجتها قدرا كبيرا من المهارات والقدرات لا تتوافر الابالقدر اليسير , فى ظل بناء لهذه القدرات مبرمج ومدروس من قبل العديد من قوى الهيمنة اصلا لعدم تمكينها من الاضطلاع بدورها الحقيقى المناط بها , وهى قضية فلسفية شائكة لانود الخوض فيها الان لان المقام لايتسع لذلك , ولكن يمكن تلمس مخرجاتها من بين السطور . ولنكون موضوعيين سوف نتناول عبر العديد من الحلقات قضية الامن الغذائى وتنفيذ حق الغذاء على ضوء دراسات علمية لبعض الحالات لبعض الدول , والتى أجريت اثر مؤتمر القمة العالمى للاغذية: بعد خمس سنوات بعد انعقاده , حيث تتولى جماعة عمل حكومية دولية أنشأها مجلس منظمة الاغذية والزراعة العالمية (الفاو) لصياغة الخطوط التوجيهية الطوعية . والهدف من هذه الخطوط التوجيهية الطوعية دعم الجهود الرامية الى انجاز الاعمال المطرد للحق فى غذاء كاف فى سياق الامن الغذائى القطرى . والذى اود الاشارة اليه عبر هذه المقالات هو ما اوجزته من خلال عنوان هذه الحلقات , حتى يشاركنى الاخرون من علماء الاقتصاد والاجتماع وراسمى السياسات وقيادات منظمات المجتمع المدنى ليدلوا بدلوهم فى تناول هذه القضية الحيوية بكل الحيدة والامانة العلمية , ووفق معايير مؤسسة على الوقائع لا الخيال الخصب , فهنا بلا لاشك لانتناول نقد قصيدة شعرية , بل قضية جوهرية تمس حياة اكثر من مليار من البشر . ماهو السبيل الى تنفيذ الحق فى الغذاء الكافى على مستوى البلدان؟ هذا هو السؤال الاساسى الذى جرت المحاولة لاستكشافه بالاستناد الى دراسات حالة تتناول الحق فى الغذاء فى خمسة بلدان ,والى مخرجات اجتماع انعقد من 16 الى 18 فبراير 2004 نوقشت خلاله دراسات الحالة هذه . حيث سعت دراسات الحالة هذه الى جمع المعلومات عن التجارب ضمن بلدان تتبع سياسات وبرامج واّليات مختلفة, بما فيها الاطر القانونية والمؤسسات والعمليات التى تفضى الى اعمال حق السكان فى الغذاء الكافى . وتعالج كل حالة مواطن الضعف التى تعانى منها السياسات الحالية بهدف استخلاص الدروس منها . ويهدف الى تجميع هذه المعلومات من خلال دراسات الحالة القطرية الى توسيع نطاق فهم الاعمال المطرد للحق فى غذاء كاف فى سياق الامن الغذائى القطرى . تم اختيار عدد من البلدان النامية, وكذلك بلد عضو من منظمة التعاون والتنمية فى الميدان الاقتصادى لاجراء دراسات الحالة بسبب خبرتهم فى السعى لتطبيق نهج قائم على الحق فى الغذاء فى اطار الامن الغذائى القطرى . والبلدان المختارة هى: البرازيل , كندا , الهند , جنوب افريقيا , وأوغتدا , كما اجرت ولاية اوريسا الهندية دراسة منفصلة . حاولت دراسات الحالة تقييم مايلى: أ – مدى تطبيق النهج القائم على الحقوق على الانشطة المتعلقة بالامن الغذائى . ب – كيف يمكن تحسين تنفيذ هذا النهج . ج – الى أى مدى يمكن استنساخ تجربة قطر ما . د – هل يمكن استخلاص أى دروس عملية للاسهام فى صياغة الخطوط التوجيهية الطوعية . كذلك ركزت دراسات الحالة والاجتماع على أربعة مجالات أساسية ذات صلة بتنفيذ الحق فى الغذاء , وهى الغذاء باعتباره حق من حقوق الانسان , الاطار المتعلق بالسياسات , الاطار القانونى , والاطار المؤسسى . كما درست عدد من المسائل الاساسية ذات العلاقة بالتطبيق الفعلى للحق فى الغذاء على المستوى القطرى . والان وبعد تناول الاسس التى قامت عليها دراسة الحالة المعنية , نولج الى ترجمة المحاور الاربعة المعنية , وسوف أترك للقارىء الكريم أيا كان موقعه الهرمى فى سلم بناء الدولة , أن يجرى المقاربة بنفسه ودون أسهام منى بين ماتمخضت عنه دراسات الحالة , من معايير وأسس وبين الواقع الذى يعيشه , ليحدد الى أى مدى يمكن بلوغ الهدف الكبير وهو الامن الغذائى وتنفيذ حق الغذاء الكافى ومحاربة الفقر والجوع . فالحق فى الغذاء الكافى وفى التحرر من الجوع هو حق راسخ فى القانون الدولى , بمافى ذلك الاعلان العالمى لحقوق الانسان لعام 1948(المادة25-1)والعهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام1996(المادة11-1و2)واتفاقية حقوق الطفل لعام 1989(المادة24-1) . وعبر توقيع الصكوك القانونية , تقر الدول بواجب التنفيذ بالاعمال المطرد للحق فى الغذاء الوارد فيها وحمايته والوفاء به(أى تسهيل تحقيقه وتيسره كحل اخير), بما فى ذلك الحق فى غذاء كاف . ويتم اعمال الحق فى الغذاء الكافى" عندما يتيسر لكل رجل وأمرأة وطفل , سواء كان وحيدا او ضمن جماعة, الوصول المادى والاقتصادى , فى كافة الاوقات , الى الغذاء الكافى أو الوسائل اللازمة للحصول عليه" , وفقا لما يحدده التعليق الثانى عشر , وهو تفسير قانونى موثوق لهذا الحق . وقد صدر التعليق العام الثانى عشر عن لجنة الاممالمتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ,تجاوبا مع توصية من مؤتمر القمة العالمى للاغذية الذى عقد فى 1996 بغرض توضيح مضمون الحق فى الغذاء وطرق تنفيذه . ويجدد هذا التعليق بالتفصيل المضمون المعيارى للحق , فى الغذاء الكافى , ويعالج مسألة الواجبات المترتبة على الدول الطرف , كما يرسى الشروط العامة لتنفيذ هذا الحق . فاستندت دراسات الحالة هذه الى هذا الفهم المقبول دوليا لمعنى الحق فى الغذاء الكافى . كما أبرزت هذه الدراسات عددا من السمات المشتركة للنهج القائم على الحقوق والمتبع فى تحقيق الامن الغذائى , وذلك وفقا لما يلى: - التشديد على النهج القائم على الحقوق والمتبع فى تحقيق الامن الغذائى على تلبية الحاجات الاساسية للبشر باعتبارها حقا , لا عملا خيريا . وفى هذا النهج تعتبر الشعوب حكوماتها مسؤولة أمامها , كما تشارك فى عملية التنمية البشرية بدلا من لعبها دور المتلقى السلبى . والنهج القائم على الحقوق لا يهتم فقط بالنتيجة النهائية المتمثلة فى القضاء على الجوع , بل بالطرق والادوات المستخدمة للتوصل الى هذا الهدف . وتطبيق مبادىء حقوق الانسان هو جزء لا يتجزأ من العملية . وتشمل أهم مبادىء حقوق الانسان فى ميدان وضع السياسات وتنفيذها مايلى : المساءلة , عدم التمييز , الشفافية , التمكين والمشاركة . كما يعد النظام القضائى المستقل عاملا أساسيا فى توفير حماية فاعلة لحقوق الانسان على المستوى القطرى . - ان النهج القائم على الحقوق يضع السلطة فى يد أصحاب هذه الحقوق عبر اتاحة الفرصة أمامهم كى يصبحوا اطرافا فاعلين فى اعمال الحق فى الغذاء . ويمكن التوصل الى ذلك عبر اّليات قانونية أو ادارية أو سياسية . ويمكن لاصحاب الحقوق , سواء كانوا أفرادا أم جماعات , وفى ظروف معينة , أن يطالبوا حكوماتهم باحترام وحماية حقوقهم والوفاء بها . فعلى ضوء ماتقدم , ومن خلال فقط تناول السمة العامة للمحور الاول , وقبل ماسوف نتناوله فى الحلقات القادمة من بقية هذه السمات للمحاور المختلفة , واستباقا , فقد تم اعداد الخطوط التوجيهية الطوعية من قبل مختلف لجان الفاو بمختلف مسمياتها اللانهائية , وذلك عام 2005, وتبعها الاعلان عن اجازة البروتوكول الاضافى لحق الغذاء ليصبح جزأ لا يتجزأ من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعهد الدولى لحقوق الانسان ,ويعامل مثل بقية الحقوق المدنية التى تضمنها , والذى أجيز من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة فى اواخر عام 2008, وتبع ذلك قمة الجوع بمقر الفاو فى نوفمبر 2009 , فما هى حصيلة الدول الموقعة عليه حتى تاريخه ؟ أرجو أن لاتصابوا بالدهشة , فهم كما يلى : الارجنتين , ارمينيا , ازربيجان , بلجيكا , بوليفيا , شيلى , الكونغو , الاكوادور , السلفادور , فنلندا , الجابون , قواتيمالا , غينيا بيساو , ايطاليا , لكسمبورج , مدغشقر , جالى , منغوليا , منتونقرو , هولندا , البراقواى , البرتقال , السنغال , سولفاكيا , سولوفينيا , جزر سليمان , اسبانيا , تيمور , توغو , اوكرنيا , الاوروقواى . ونواصل بأذن الله فى الحلقة القادمة عاطف عبد المجيد محمد عضو المنظمة الدولية للمعلومات والعمل لاولوية حق الغذاء – هايدلبرغ – المانيا عضو الجمعية الدولية لعلوم البساتين – بروكسل – بلجيكا الخرطوم بحرى – السودان تلفون :00249912956441 بريد الكترونى :[email protected]