E-mail: [email protected] تناولنا في الحلقتين الماضيتين العلل التي تعاني منها الخدمة المدنية في السودان و هي تتلخص في الآتي: الفصل التعسفي. المحسوبية. التسيب وعدم استغلال ساعات العمل. استغلال الممتلكات العامة. سوء و نقص التدريب. نقص الكفاءة و القدرة. عدم التفتيش الإداري. تسييس الخدمة المدنية. و دعونا نستشهد بما جاء على لسان الفريق آدم حمد وكيل وزارة العمل حيث يقول "إن التأثير السالب الأكبر على الخدمة المدنيه بالسودان قد تمثل فى التدخلات السياسيه من قبل الحكومات المتعاقبه وذلك بتسييسها وأبتداعها شعار التطهير الذى أصبح سيفا مسلطا على كل العاملين بالخدمة المدنيه، وكان من أسوأ نتائجه افراغ الخدمه المدنيه من الخبرات والكوادر الفاعله مما أدى الى ضعفها وترهلها بالقدر الذى أقعدها عن اداء الدور المنوط بها". و نظرا لكثرة هذه العلل فقد أوشك هذا الجهاز الحيوي أن يصاب بالشلل التام جراء ما لحق به من تدهور مريع يستدعي علاجا جذريا و تدخل سريعا على أعلى المستويات حتى تستعيد الخدمة المدنية عافيتها و قدرتها على العمل في وقت تتوجه فيه البلاد نحو نهضة شاملة تستهدف (بناء أمة سودانية موحدة ، آمنة ، متحضرة ، متقدمة، متطورة) إذا نفذت الإستراتيجية القومية الشاملة. و لتحقيق هذا الهدف فقد جرت محاولات و عقدت مؤتمرات عديدة ليس هنالك مجال للخوض في تفاصيلها هنا و لكن لا يزال الأمر يتطلب تحركا سريعا و مدروسا في كافة المسارات. و ضربة البداية يجب أن تكون برنامج مكثف للتدريب ثم التدريب وعلى المستويات كافة بدءا بطريقة اللبس و المظهر العام و البسمة و " عدم التكشير" في وجوه المراجعين و طالبي الخدمة و أنتهاءا بالمقدرات و المهارات المهنية المطلوبة. عموما لابد من وضع أنظمة فعالة و نافذة و قابلة للتطبيق لكيفية الإختيار للخدمة المدنية و ذلك حتى نضمن أن يكون شرط الكفاءة و المقدرة هو المطبق و ليس المحسوبية و الولاء عملا بالآية الكريمة ( إن خير من استأجرت القوي الأمين) والقوة هي ما يحتاجها الموظف ليتسنى له الفصل في كثير من الأمور والمواقف دون تردد أو تهاون وأقصد هنا قوة الشخصية والقدرة على حل الأمور بجدية وحزم على أن لا يترتب عليه ظلم لأحد، فضلا عن القدرة على تحمل أعباء الوظيفة و مشقتها. كما تعني القوة أيضا المقدرة على التعامل مع معطيات التقنية و المعلومات الحديثة و تسخيرها لمصلحة العمل و لذلك لابد من إلمام العاملين في الخدمة المدنية باستخدامات الحاسب الآلي و الأجهزة الأخرى ذات العلاقة في سبيل تسهيل و إنجاز معاملات الجمهور و تدوين كل المعلومات و الاتصال و التواصل و لذلك استحدث في الآونة الأخيرة مصطلح الحكومة الالكترونية و هي تعنى إكمال معظم معاملات الناس عن طريق استخدام الحاسب الآلي و ما يتصل به من برامج و تقنية شبكات. و هذا يتطلب بالضرورة وضع معايير تحقق إختيار أشخاص لديهم الحد الأدنى من المعرفة بمثل هذه التقنية و من ثم تدريبهم في هذا المجال الحيوي. و فوق هذا و ذاك القدرة على التعامل مع الجمهور بصفته المعني بخدمات هذا الجهاز بالدرجة الأولى. أما الأمانة فلها وجوه كثيرة منها أمانته على عمله وإتقانه وأمانة الوقت الذي يقضيه بالعمل فلا يستغله خارج نطاق الإنتاج أو أمور لا تخص عمله ، والأمانة في الأموال والممتلكات الخاصة بالدولة. و لعلنا نسترشد هنا بالتجربة الأردنية في مجال إصلاح الخدمة المدنية حيث وضع ديوان الخدمة المدنية هناك برنامجا مفصلا و قابل للتطبيق نورد منه ما يلي: 1. اختيار أفضل الكفاءات البشرية المتوفرة وفق معايير تحقق أقصى ما يمكن من العدالة لشغل وظائف الخدمة المدنية وضمان استمرارية برامج تدريبها وتأهيلها. 2. التأكد من حُسن تطبيق التشريعات المتعلقة بالخدمة المدنية. 3. الإسهام الفعال في وضع وتنفيذ استراتيجيات وبرامج الإصلاح والتنمية الإدارية في أجهزة الخدمة المدنية. 4. تطوير جهاز الخدمة المدنية من خلال وضع المؤشرات والمشاركة في وضع خطط الاحتياجات من الوظائف والكوادر البشرية. 5. معالجة الاختلالات التي نتجت عن تراكم ظروف وممارسات وظيفية خاطئة. 6. الربط بين إدارة الموارد البشرية وإدارة وأنظمة الرواتب والأجور والعلاوات وأنظمة الحوافز المختلفة. 7. تطوير وتحديث تعليمات وصف وتصنيف الوظائف في ضوء المتغيرات والمستجدات. 8. تنمية معارف وخبرات ومؤهلات موظفي الخدمة المدنية وتطوير برامج التدريب والإيفاد والإبتعاث واعتماد التخطيط لهذه العملية ووضع أولوياتها وتحديد الفئات المستهدفة منها وتقييم نتائجها. 9. تمكين الموظفين المتميزين والمبدعين من تسريع تقدمهم الوظيفي من خلال نظم الحوافز والترفيعات الجوازية لغايات تحقيق برامج التعاقب الوظيفي. و لعلنا نشير أيضا إلى التعاون القائم بين الحكومة السودانية و برنامج الأممالمتحدة للتنمية في مجال تطوير الخدمة المدنية و الهدف من ذلك هو بناء قدرات و كفاءة و فعالية الخدمة المدنية عن طريق تقديم الدعم الفني و تنفيذ توصيات مؤتمر الخدمة المدنية القومي الذي عقد في الخرطوم في أبريل 2010 وقد أوصى ذلك المؤتمر ضمن أشياء أخرى كثيرة بتنفيذ الاستراتيجية القومية للخدمة المدنية للفترة من 2002 إلى 2026 و من أهم البنود الواردة في الخطة المشار إليها " تقوية المقدرات البشرية للخدمة المدنية و مؤسساتها من أجل إيجاد إدارة عامة ذات كفاءة و فعالية حتى تستطيع النهوض بإيصال و تقديم الخدمات إلى الجهات و المواطنين بطريقة أفضل". هذه بالتأكيد خطوة في الإتجاه الصحيح و لكنها تحتاج لكثير من العزم و الحزم مع وضع آليات و ميزانية و كوادر بشرية ذات معرفة و خبرة بالإضافة إلى وجود جهاز متابعة و دراسات مستفيضة لتغيير عقلية و موافق و سلوك العاملين في الخدمة المدنية على كافة المستويات بما في ذلك القيادات العليا لهذا الجهاز و بالطبع يلزم وضع قاعدة بيانات متكاملة لمعرفة إحتياجات البلاد من المصادر البشرية و كل ما يتعلق بالخدمة المدنية و بإختصار شديد لابد من: إدخال الإصلاحات القانونية و النظامية اللازمة لضمان سلامة الإختيار و من ثم تطوير و تدريب الكوادر العاملة في الخدمة المدنية. تحديث نظم و إجراءات الخدمة المدنية و تحسين بيئة العمل عن طريق توفير معينات العمل و زيادة الرواتب بما يتناسب مع ظروف المعيشة و استبعاد العوامل السياسية في المعاملات الخصة بالترقيات أو الفصل أو الحوافز و السلطات و هذا يعني عدم خضوع الخدمة المدنية للظروف السياسية السائدة إذ الأصل فيها هو الحياد و الاستقلالية و ذلك لضمان إستقرار الموظف و طمأنينته و بناء روح الخدمة على دعامات مهنية و وظيفية بحتة لا علاقة لها بالسياسة و هذا يعني ألا يظهر موظف الخدمة المدنية أي ميول سياسية أو تحزب في أثناء القيام بواجباته و كما لا يجب أن يعامل من جهات الإختصاص بناءا على خلفيته السياسية بل يقيم وفقا لتقارير الأداء و معايير الكفاءة و الإنضباط دون تمييز بسبب الميول الفكرية أو الإنتماء الجهوي أو القبلي أو الإثني. إن البرنامج الرئاسي للفترة القادمة نص على أن من أهم محاوره تطهير واصلاح الخدمة العامة، والنأي بها من الفساد الذي استشرى حتى أفقد الناس الثقة في أدائها وكوادرها. و لكي نصحح الوضع القائم لابد من إعادة النظر في كثير من الأمور التي تتعلق بالخدمة المدنية ووضع سياسات و خطط عملية وإشراك جهات و مؤسسات عديدة كوزارة المالية و منظمات المجتمع المدني و الاتحاد العام لنقابات عمال السودان واتحاد أصحاب العمل والنقابات المهنية و الجامعات و الكليات المتخصصة و المؤسسات التعليمية و الإدارية الأخرى للتأكيد على أخلاقية المهنة بالإضافة إلى تنمية الموارد البشرية و توفير الامكانات، التدريب و التمويل ووضع الرجل المناسب في الوظيفة المناسبة بعيداً عن الترضيات الجهوية والقبلية، وإستخدام أسلوب المحاباة والمحسوبية في توزيع الكوادر المؤهلة في المواقع القيادية الوسيطة والعليا. و كما قال وكيل وزارة العمل"الخدمة المدنية تحتاج لأن تؤسس بعمل مغاير لما هو موجود الان على أرض الواقع ويفترض أن تعيد الخدمة سيرتها الأولى من خلال وجود حلقات التدريب المرتبطة بالترقي ، كما يفترض ان تصمم برامج خاصة للتدريب التأهيلي لأي موظف يدخل عبر لجان الاختيار لكي يكون ملماً بما في المهنه المقبل عليها في المؤسسة المعنية." و ثمة سؤال يطرح نفسه هنا: مادام السيد الوكيل يعرف الداء و الدواء فماذا ينتظرا إذا؟