في أواخر العام 2003 تجمع ثلاثة نفر على صخرة في شارع النيل جمعت بين قلوبهم محبة في الله وكان ذلك إيذاناً باقتحام (السوق) بشركة تعمل في مجال المقاولات.. حلموا بها تكبر بقدر حلمهم في عظمة السلام الآتي وقتها.. اتفقوا (غفر الله لهم) مع أحد الصحفيين وقتها لعمل حوار مع من اختاروه مديراً عليهم.. وشطح ذلك المسكين متحدثاً عن ملايين الجنيهات وكان يأمل أن يرزقه الله بها حلالاً طيباً وما درى أن أعيناً تترصد.. حتى إذا ما ذهب لافتتاح ملفه في الزكاة مقسماً بأنهم لا زكاة عليهم أخرج موظف الزكاة ورقة أفردها أمامه وكانت تمثل نسخة من ذاك الحوار على الصحيفة.. ملايين الجنيهات.. وابتسم في ظفر ولسان حاله يقول..(انت قايل الكلام مجاني يا خوي). حسناً.. هل تعرفون معتصم يوسف، حسن فضل، عبد الرحيم علي، هل تعرفون هذه الأسماء.. هل سمعتم بها من قبل.. هل خطر ببال أحدكم أن يسأل عنها يوماً.. طيب.. إن هذه الأسماء هي لتجار كما تدعي إحدى الصحف المهمة في ملفها الاقتصادي وهي تكتب بالخط العريض (تراجع طفيف لأسعار العقارات بالخرطوم) لنكتشف إن هذه الطفيف تمثل 25% من الأسعار وذلك بناء على معلومات أدلى بها هؤلاء (البورصات). الأمر الأكثر طرافة لم يأتي بعد إذ إن صحيفة محترمة أخرى.. أي والله.. وبالخط الأحمر العريض كتبت (ارتفاع أسعار العقارات بأسواق الخرطوم بنسبة 50%) وذلك بالطبع نقلاً عن البورصات العالمية لتلك الصحيفة وهو التاجر إبراهيم فتح الرحمن وكان ذلك في نفس اليوم وتحت لهيب ذات الشمس. إن إدارة الاقتصاد في بلادي ما زالت تتوكأ على منسأة مهترئة لم تكن تحتاج أصلاً لدودة الأرض كي تنهار.. وإلا فما الذي يمنع سلعة كالاسمنت مثلاً أن ترتفع بين عشية وقبل ضحاها بنسبة قد تصل إلى 100%.. نعم.. تقفز أسعار السلع في السماء الصافية لأن (فلان الفلاني) قد صرح بأن المصنع (الفلاني) متعطل.. والباخرة (المابعرف ايه) قد تم إرجاعها و... وكلام فارغ لا يملأ وعاءاً دعك من أن يقنع ذا عقل.. مصالح مجردة من أي منطق أو منهج أو علم.. ارتفاع أسعار العقارات بنسبة 50%.. يا سلام.. إنها لغة لا يتحدث بها إلا من يستطيع أن يبلع (جب) بدون مضغ وبدون تذوق حتى.. إنها لغة (التماسيح).. حتى إذا قفزت الأسعار فعلاً بناءً على ذلك اللون الأحمر العريض في الصحيفة المشهورة لا ينفع بعدها ألف ندوة ومحاضرة وتحليل في أن يعيد الأسعار حتى قريباً مما كانت عليه، دعك من أن يتم التعرف على السبب وعلاجه.. إنها العشوائية. إن الأفعال العشوائية يصعب التنبؤ بها أو التعامل معها.. وتلك لغة أهل الأمن والمخابرات.. وتصدر الصحف كل يوم بهذه الألوان الحمراء القوية والعريضة لتقول حديثاً أجوفاً لا علم فيه وتمر الألوان والأرقام على أعين رجال أجهزة الأمن الاقتصادي.. ثم لا حراك، ثم عند قفز الدولار لرقم فلكي يملأ بنك السودان الصحف عويلاً و تهديداً و لربما لو أمهلناه قليلاً لطالب بسن التشريعات الصارمة في مقابل هؤلاء الذين يعملون على هدم الاقتصاد.. يعمل هؤلاء لأنني عند حوجتي لحفنة دولارات أرفه بها عن أبنائي احتار دليلي أن كيف أعثر عليها.. إما أن (تدقش) الصف منذ الفجر الكاذب وتترك عملك حتى آخر اليوم و لربما لا تعثر عليها.. كصفوف رغيف في العام 1988.. أو تتصرف. إنها العشوائية تمشي على اثنتين.. عشوائية السياسات.. وضبابية المنهج الذي يحكم الأشياء.. ثم التوهان في البيضة قبل الدجاجة أم العكس. من المسئول عن مراجعة وتصحيح تلك المعلومات.. من هي الجهة التي نضمن أنها تراجع الصحف الصادرة كل يوم لتقول في أمر الصفحات الاقتصادية قولاً؟!. والله لقد سئم المقاولون هذا الكار وهم يبحثون عن من (يخارجهم) مما هم فيه من هم وكرب.. ويبشرنا السيد وزير الدولة بوزارة الصناعة السابق بتصدير الاسمنت بعد توفير الاستهلاك المحلي بمقدار 2.5 مليون طن وما درى أنه لو غير تصريحه ذلك لتخفيض أسعار الاسمنت لاستهلك أهالي (غزاله جاوزت) ضعف ذلك الرقم بتغيير أبنيتهم من الجالوص إلى الاسمنت.. ولعله يدري ولكنه (مطنش) نسبة لما تدره هذه السلعة من دراهم. الخطوط متشابكة.. والأمر أصله واحد.. وفروعه كل أدوات الاقتصاد .. تتوه المسيرة.. مسيرة الاقتصاد.. حين تتحكم في الأسعار وكالة (قالوا).. تحلق الأسعار ولا تهبط أبداً لأن الصفحات الاقتصادية يكون مدى الفرق بين توقعاتها للزيادة والنقصان بمقدار 75% من قيمة العقار.. تتهاوى الأنشطة الاقتصادية واحدة تلو الأخرى عندما لا يثق بائع الطماطم بكم يبيعها غداً! وإن وجدها اليوم بسعر زهيد.. وأظل أنا مستيقظاً حتى ساعات الفجر الأولى لأكتب متهكماً بكلمات المنلوج الشهير .. يا الإخوان بلغنا خبر.. وقالوا في أزمة في السكر .. ولازم نعلن البوليس. يا بوليس ها أنا ذا أعلنك.. قالوا العقارات زادت بنسبة 50% ونقصت بنسبة 25% في ذات اليوم.. (على الأقل قول ليهم يحترموا عقولنا شويه).