الريفي أحد رواد الصحافة السودانية من العاصميين النوابغ الذين انجبتهم القضارف مثل عبد الله رجب السلمابي وعوض بربر وابراهيم عوض بشير وحسب الله الحاج يوسف وأحمد طيفور وغيرهم إذ لم يقتصر دور القضارف على أنها القدح الكبير وشونة العيش والسمسم وسلة غذاء السودان بل أنها مهد الفكر والثقافة والاستنارة والريفي لم يولد تحت ظلال نخيل (العوضاب) في الجزيرة مساوي أو في قرية (الكنيسة) فقد ولد بعيداً عن أرض أجداده في حي فريق الشايقية العريق بالقضارف وكان أول صوت اخترق سمعه ولامس قلبه هو صوت والده الخليفة طه ود عوض خليفة خلفاء الختمية وهو يتلو القرآن أو يقرأ أوراده عقب كل صلاة ثم عندما أصبح صبياً أصبح صوت الخلفاء والمريدين ينفذ الى داخل البيت الكبير وهزيم الحيران في الخلوة وهم يتلون آيات الذكر الكريم ، وحلقات الذكر والمديح ليلة كل خميس وأحد ، فكان كل ما يسمعه في سنينه المبكرة ختمياً نابع من ضمير ختمي وكما قال هو " من ذلك الوقت كانت الختمية بالنسبة له دائماً أنه ليست له إلا شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله " لأنه هجر الخلوة بعد حفظه للثلث الأخير من القرآن وترك المدرسة بعد إكماله للسنة الثالثة الأولية .. إذ أنه كان يحب الحرية ويكره الأوامر والإنضباط وكان لا يضايقه شئ مثل النظام المفروض . ولكنه أصبح كاتباً وشاعراً وصحفياًَ بالجريدة المصرية والكتاب المصري والمجلة المصرية وموهبة فطرية وذكاء حاد حباه بهما الله سبحانه وتعالى ولقد كان صغيرا يقرأ مجلة " اللطائف" المصرية المصورة والمجلات التي كانت تصدرها دار الهلال ثم بدأ في قراءة مجلة (الرسالة) وأدمن قراءة الرافعي ثم أخذ يلتهم الكتب المصرية التهاماً هذا في الوقت الذي ظهرت فيه مقولة (مصر تؤلف – لبنان تطبع – السودان يقرأ) وكان في مكتبة والده عشرات من كتب السيرة والحديث والعبادات التهمها جميعاً لقد أصبح فأراً للمكتبات – كان يلقي الكتب من مكتبة الإثيوبي المثقف حنا تسفاي وغيرها والتي كانت ترد أسبوعياً .. وكان للمنافسة البريئة بينه وبين أقرانه عبد الله رجب والسلمابي وغيرهم القدح المعلى في اشتعال المنافسة في قراءة أكثر ما يصدر من الكتب.. وكان بين هؤلاء الثلاثة والذين أصبحوا عظم ظهر الصحافة السودانية في الجيل الثاني وكان لكل منهم توجهه واستعداده النفسي ولكن عملية التأثير والتأثر بينهم كانت مفيدة مثمرة . بدأ نجم الريفي في الظهور المجتمعي حين ما دعوه العام 1978م لإلقاء قصيدة مشاركاً بها في المهرجان الأدبي بود مدني والتي فازت بالجائزة الثانية وكانت بعنوان (وحدة وادي النيل) يقول في بعض ابياتها : فتحت بابها الكنانة تأوينا وباهت بنا الإياب السعيدا والشهادات والتميز فيها طوقها الشباب جيداً فجيدا حيّ هذا النبوغ يا شرق وأنثر من ربوع الشام فينا ورودا جعلوا للعلوم حداً ولكن همم القوم ما عرفن الحدودا وقيمة ذلك المهرجان الأدبي بود مدني كان في أنه أسس لنواة مؤتمر الخريجين العام ثم قيام الأحزاب السياسية الاتحادية منها والاستقلالية وشكل ظهور الريفي في ذلك المهرجان بداية ظهور الريفي السياسي .. الاتحادي الختمي .. وكان للدروس التي يلقيها عليهم والده المتعة والفائدة العظيمة فقد كان الخليفة طه رجلاً بعيد النظر مستنيراً . كتب الريفي الشعر بموهبة ذاتية كبيرة فلم يكن يحتاج الى دراسة العروض وكان لمجلة الحضارة " ومجلة " السودان" التي كان يصدرها عبد الرحمن أحمد الأثر في تكوينه الصحفي والتي كان يكتب فيها محمد السيد السواكني وسليمان كشه وبعض معلمي وزارة المعارف .. وفي شعره تأثر بقصائد الخليفة بابكر ود المتعارض ذلك الشعر الوجداني الصوفي الرقيق كما كان والد الريفي نفسه شاعراً في المديح الراقي .. في العام 1945م استدعى السيد على الميرغني الاستاذ الريفي من كسلا حين كان القيم على حسابات السادة المراغنة بها طلبه للخرطوم محرراً في جريدة (صوت السودان) . ثم تنقل الريفي الى معظم الصحف لأنه يريد أن يعمل في الصحيفة حين يشاء ويتركها حين يشاء ولا يريد أن يقيد قلمه في صحيفة واحدة ثم أصبح نجماً لامعاً واجتماعياً من الطراز الأول وصديقا لجميع ألوان الطيف من السياسيين والعلماء وعامة الناس كان أصدقاؤه من كبار الساسة الذين عرفهم وعاشرهم لقربه من السيد على الميرغني ومن أصدقائه الخُلعي التجاني الماحي والمحجوب وعبد الحليم محمد وأبو داؤود وقبله سرور وعشرات غيرهم .. كان صديقاً للفنان محمد احمد سرور والذي تعرف عليه بكسلا والريفي نفسه يتمتع بصوت جميل شجي وخاصة في الانشاد الديني وفي ترنيم عيون الشعر فقد كان فناناً بالسليقة قال لي مرة أنه يستقي أخباره من مواقف السيارات وسوق الخضار ومن أنفاس الغلابة والحيارى ، لذلك كان الريفي الصحفي طرازاً قائماً بذاته .. ابتكر عناوين صحيفة لم يسبقه عليها أحد مثل (وأنا ماشي) (ولو كنت المسئول) و(الناس والحياة) و(المرايا) و(قيس وليلى) حينما كان رئيساً لجريدة الثورة الناطقة باسم عهد الرئيس عبود . والريفي الصحفي هو علم الناس أن يقرأوا الصحيفة من آخرها لأنه كان يحرر تلك الصفحة . وكان الريفي في شعره الإخواني قريباً من شعراء الكنبة ... علم مرة بأن وفداً من حزب الأمة تقرر أن يسافر الى امريكا، ليعرض قضية السودان في الأممالمتحدة ، فتناول ورقة وكتب عليها : سيري بنا سيري يا مركب الميري وأمضي بتسخيري سيري الى "تكسسي" للوفد للمجلس : جئنا من السودان يا يابا "كادوقان" نسألك النجدة في ساعة الرعدة خفنا من الوحدة كان الاستاذ الراحل عمي الريفي شاعراً موهوباً وفناناً في كتاباته الرشيقة والجديدة على القارئ فيه من رومانسية ابراهيم ناجي وواقعية بيرم التونسي وظُرف الريحاني .. وقد كان منزله مفتوحاً لعموم أهل القضارف الذين أحبوه وأحبهم وكان يسعى في قضاء حوائجهم .. أرجو من إبن عمي سامي جعفر الخليفة العمل على جمع تراثه المتناثر بين أصدقائه وفي دار الوثائق ليكون سفراً يحكي عن أحد نوابغ السودان – رطب الله قبره بالندى ، وظلله بسحائب الغفران. وأختم قولي بالصلاة مُعظماً أيا ربنا بارك وصلي وسلما على المصطفى والآل والصحب دائماً صلاةً تفوق المسك عطراً مفخما يطيب بها كل الوجود ويتلألأ