* ما ان تبقى من ليلة الاستفتاء على حق تقرير المصير بين جنوب السودان وشماله نصف دستة من الشهور حيث انقضت خمسة سنوات " سمان " بالتمام والكمال إلا وطفحت للسطح كلمة " الوحدة الجاذبة " وتحولت لحديث بالقاعات المكيفة والمجالس وعلى ألسنت المنظرين من على شاشات الفضائيات تماما كاللبانة " العلكة " الماسخة في افواه العاطلين ومن لا يملكون تحريك افواههم بغير " لبانة " لا تغني ولا تشبع من جوع فما ان تحط بانظارك وسمعك في احدى القنوات الفضائية السودانية وإلا وتجد رجالا مهندمين يرفع احداهما حاجبيه ويغمض عين ويفتح الاخرى ويمطمط الحديث تمطيطا محدثا المستمعين عن " الوحدة الجاذبة " وانتقلت العدوى لسفاراتنا بالخارج وبين الصفوة تقام ندوات تحادث الحاضرين " الغائبين " عن هذا الحلم الجميل السودان الواحد المتعايش بعضه بعضا . بعض المتحدثين تمتليء خزاينهم الفكرية بتجارب وخبرات عن تماذج شعب السودان وارواحه النبيلة المرتوية بحب الاخرين فما بال ابناء جلدتهم بنات وابناء الجنوب ان السودانيين اشتهروا بدماثة الخلق ولطف المعشر والتواضع وسهولة التقارب والتعايش وتداخلت في وجدانهم المرئة والمخفية وافردت مساحاته التي تفوق المليون ميل مربع للقبائل العربية والزنجية تصاهرت وانبتت وتكاثرت في شماله وشرقه وغربه وجنوبه وبواقع الحال هو مخزن مثالي للتصاهر العرقي الاثني الثقافي ولكن .. جاءت اتفاقية نيفاشا بالسلام وحسمت الحرب الضروس وفي جعبتها حق تقرير المصير يحل اجله يناير القادم 2012 وينفذ كالتزام قانوني للدولة واعطى استحقاق القول الفصل لابناء الجنوب وحدهم ليقولوا قولهم ويدلوا بدلوهم عبر صناديق الاقتراع والتي نتمنى ان تكون محروسة بايادي أمينة ورقابة دولية اقليمية ومحلية متجردة ونزيه ليظل السودان واحدا موحدا ولا ينشطر لدولتين لا قدر الله . ولتكون هذه الوحدة جاذبة استحقاقات كثيرة وحفر عميقة لم تردم في ميزان الثقة بين طرفي الحكم وآليات ردمها لن تأت ما بين يوم وليلة وفيما تبقى من زمن ضيئل والمجالس ما زالت تلوك مفردة " الوحدة الجاذبة " دون ان تفتتها لعمل استراتيجي ملموس ولبرامج تثقيفية ممنهجة ووسط الجنوبيين بالذات حتى تغسل شيء مما علق بوجدانهم من مرارات الاختلافات والانشقاقات لذلك تتقافز الاسئلة للاذهان لماذا صمتت الافواه وتأخرت المناداة وتلكاءت السلطات المسيطرة على مقاليد الامور والنافذة عن حديث الوحدة للترجمه لبرامج عمل جاد وطيلة الخمس سنوات المنتهية لترتفع الان كلمة " الوحدة الجاذبة " لاقصى مداها لتتبخر في الهواء الطلق طالما ليس لديها اجنحة تطير محملة بالرؤية الصادقة وبحديث الممكن وليس المستحيل . ان حديث الندوات ينحصر في خانة استدعاء التاريخ وتعسكر تفنيداته لمغبة الانفصال الكريه ولا تقدم حلولا وهي ايضا لا تخاطب المعنيين الحقيقيين واللذين يحق لهم التصويت من ابناء الجنوب . ان الحديث عن الوحدة الجاذبة وفي القاعات المغلقة بسفاراتنا وكندوة ليلة الجمعة بعنوان " وحدة السودان .. الفرص والتحديات " والتي اقيمت بسفارتنا بالدوحة السابعة حتى التاسعة وعشر دقائق بالتمام والكمال لا ننتقص من شأنها وجهد القائمين بها والمتحدثين فيها ولكن تظل واحدة من بقايا " علكة " تلاك هنا وهناك وبيوت عزاء بعضها اداء واجب وبعضها " أنا موجود " فتحت لبكائيات لم يحضرها غير المعزيين او فلنقل اصحاب الوجعة " المسلوبين الارادة " طالما لن تصل اياديهم لصناديق الاقتراع ولا اصواتهم لغسل ما علق في ثوب السودان الناصع البياض والمطرز بكل الوان الطيف وتشكيلته التي وسعت كل جماليات انسان السودان بعاداته وتقاليده وثقافاته المتماذجة والتي تشوهت باختلافات ومشاكسات السياسيين " وزفرات " احاديثهم التي لم تكن تعرف إلا حدود مرمى انظارهم لكراسي الحكم وقسمة السلطة والثروة أما السودان الشاسع الواسع الذي يسع الجميع بتكافؤ فرص الحياة الكريمة لانسانه البسيط فلم يكن في الحسبان .. انها فعلا " بكائيات " طالما لم تفكك للغة بسيطة يستوعبها المعنيين الغبش في احراش الجنوب وقراه واللذين يحق لهم التصويت وطالما أهدرت خمس سنوات في مماحكة ومغالطات بين طرفي الحكم المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وغابت او غيبت رموز لاحزاب تقليدية التي فارقت الهم الوطني وأنكفاءت على انقساماتها واوجاعها الذاتية وقيادات لحركات دارفورية ما زالت تتعنت وترفض الجلوس لمائدة مفاوضات سلام دارفور متجاهلة قضية انفصال الجنوب وكأن تفتيت السودان لا يعنيها بشيء .. ان ردم الهوة وتغذية الوحدة بعمل ممنهج ومدروس من المفترض ان يكون حديث عمل للجميع لان السودان للجميع . كان لابد ان يكون الحديث عن الوحدة " بالعمل لا بالحديث المنمق " الذي يستدعي التاريخ ويضرب الامثال عن تماذج الشعب السوداني وعلى ضروراته التثقيفية والتنويرية .. ان الوحدة حصانها الان في المنعرج الخطير من السباق وهو يحتاج لبناء المشافي والشفخانات المدارس والقطاطي الشوارع والمطارات السدود والمزارع لانبات العشب وادرار الضرع ولتوطين كامل الصحة والتعليم لان حصاد ذلك هو الوطن الجاذب والحاضن لابناءوه في الشتات وفي النجوع والفرجان . ان جنوب السودان عانى مرارات الحرب الاهلية ولم يعرف الاستقرار إلا بعد اتفاقية نيفاشا التي هندسها شريكي الحكم وستسجلها لهم كتب التاريخ كانجاز " مهم ورائع " وكان يمكن ايضا ان تكون الوحدة جاذبة إن ترجمت لبرامج عمل ينقل " المدينة للريف الجنوبي " يعمره بضرورات الحياة ويبعده عن التنافر والتشرزم ليكسب السودان رهان السباق واحدا متلاحم متلائم مع قدره ومصيره وفي زمن القوة والبقاء فيه للتكتلات الكبيرة والتي تنسج بنزاهة وقدرات تستغل امكانياتها البشرية بتجرد والطبعية بمنهجية علمية .. وما دون ذلك لا يغادر خانة " البكائيات " يقيمها وفي الوقت الضائع ويحضر مجالسها في الغالب الاعم من لا يحق لهم التصويت لان الاستفتاء حق خالص بحكم القانون لابناء الجنوب " الغائبين خلف كواليس نصبت خيامها " بعيدا عنهم وسهامها متحدثون صفوة يمطمطون شفاءهم بحديث يدغدغ الفؤاد ويستحلب الاعين بكاء انه يتحدث بلغة لا تجيد " عربي جوبا ولا لغة المندكرو " انها ندوات تتحدث عن " وحدة السودان .. الفرص والتحديات " لسودان كان كبيرا ومصيره الان مجهول طالما حديث الوحدة لا يغادر بيوت عزاء بقاعات يدخلها صفوة مهندمين لا يحملون أي " طورية للحفر ولا فانوس لاضاءة عتمة الطريق " ويغيب عنها المعزين الاساسيين " اخوتنا من جنوب السودان وللحديث بقية . عواطف عبداللطيف awatifderar [email protected] اعلامية مقيمة بقطر همسة : لسنا متشائمين ولكن لغة المنطق تقول ان استثمار الوقت بالعمل لا بالحديث المنمق .. والله من وراء القصد