ستة عشر شهرا هي المدة التي تفصل أبناء جنوب السودان عن صناديق إستفتاء تقرير مصيرهم حسب نصوص إتفاقية السلام الشامل (نيفاشا)، للبقاء تحت مظلة الوطن الموحد، أو بالإنفلات والإنفصال عن مداره وهو ما يجعل من الإستفتاء علامة فارقة لتاريخ وجغرافية السودان ولقبه كأكبر أوطان القارة السمراء. ستة عشر شهرا تفصلنا عن صناديق الإقتراع وللمفارقة توازيها حاجة لمسيرة بعدد ثواني ساعاتها في إتجاه تصحيح كل أخطاء الماضي والإيفاء والإلتزام بمواثيق ومعاهدات الفترة الإنتقالية كيما تكون الوحدة جاذبة وهي التي ظلت طوال ستة وخمسين شهراً متنازع في مدى جاذبيتها، ما يبين صعوبة الإمتحان الذي نحن فيه. ونظمت مؤسسة طيبة برس ومنظمة تراث للتنمية البشرية ندوة حول أثر الوحدة والإنفصال، على جنوب السودان وشماله بقاعة محمد عبد الحي بمتحف التاريخ الطبيعي، وبالرغم من أن المؤسستين حدتهما آمال عراض بأن يعبر أبناء البلاد صراط الإستفتاء وصولاً لجنة الوحدة عبر شعار الندوة الذي جاء يحمل عنوان (نداء من أجل الوحدة)، الا أنهما لم يغفلا بأية حال الإنفصال كخيار محتمل وبالتركيز على تبعاته ما يعني نزع أي فتيل قد يشعل أوار حرب بين الدولتين الجارتين وبحسب مقولة الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة فان الندوة كانت من أجل (وحدة جاذبة أو جوار أخوي). ووصف د. لام أكول رئيس حزب الحركة الشعبية التغيير الديمقراطي الحديث الدائر في بعض الأوساط -لم يسمها- عن أمكانية قيام الإستفتاء في التاريخ المضروب له (يناير 2011م) دون قيام الإنتخابات ب (الوهم) وقال: ننذر من مثل هذا الوهم الصادر عن عقليات ضيقة جداً، وأضاف: عملية تقرير المصير لا تقوم الا على أكتاف حكومة منتخبة على إعتبار أن القرارات التاريخية لا تتخذ الا تحت مظلة نظام ديمقراطي، وضرب مثلاً بحادثة إعلان الإستقلال من داخل البرلمان العام 1955م وحث المواطنين بالضغط لقيام الإنتخابات في الموعد الذي أعلنته المفوضية أبريل المقبل. وأوضح أكول بأن الحركة الشعبية فاوضت نيابة عن أبناء الجنوب كافة في مفاوضات السلام، وقال إن الإتفاقية ونصوصها يثبتان صحة ما ذهب اليه، وأضاف بأن الحركة أستفادت من كل تجارب الماضي وصولاً لنيفاشا التي بمقتضاها تم منح الجنوب حق تقرير المصير وتابع: الشريكان (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) التزما بالعمل لأجل جعل الوحدة جاذبة. وعدّ أكول الحديث عن الوحدة الجاذبة مع تجاهل تكوين لجان للمصالحة الوطنية بالخطأ الجسيم، ونادى بأهمية مد جسور الثقة وبث الإعتقاد بمصداقية قضية الوحدة بين المواطنين على أساس أن الوحدة لا تتحقق بالإنجازات المادية وحدها. وشدد رئيس الحركة الشعبية التغيير الديمقراطي على ضرورة العمل على إستقرار البلاد بحسب خيارات أهله في الإستفتاء والحيلولة دون العودة لمربع الحرب، وقال: الوحدة والإنفصال من دون سلام تعني أننا هزمنا الهدف الحقيقي للإتفاقية وهو السلام، وأكد مقدرة اهل السودان على التعايش ضمن بلد موحد عبر بوابة الحوار. من جانبه وصف ملونق مجوك القيادي بالحركة الشعبية عضو المجلس الوطني حديث أكول بإستحالة قيام الإستفتاء دون أن تسبقه إنتخابات ب (دعوة الحق التي أريد بها باطل) وقال: لا توجد علاقة تربط بين الإستفتاء والإنتخابات. وأعتبر مجوك الوحدة مكونا أصيلا في أجندات الحركة الشعبية، بينما عد الإنفصال أستثناءً، وعزا تضمين حق تقرير المصير في أجنداتهم نزولاً عند مطالب القواعد التي ظلت ترزح تحت وطأة الحرب، وأشار إلى أنه ونسبة لكل المظالم والمرارات فان الوحدة بين مكونات الوطن الواحد بحاجة لثمن، وقال لا بد من إيجاد معالجات للرق، وإندثار بعض اللغات، وقضية حكم غير المسلمين، ونعت الحديث عن قضايا البلاد المهمة (أبيي وهجليج) من منطلقات الربح والخسارة ب (السلبي). وحذر مجوك من إندلاع حرب واسعة النطاق تعم جميع أقاليم البلاد حال إنفصال الجنوب بدعاوى التهميش أسوة بالحركة الشعبية في إنتزاعها المطالب وصولاً للمشاركة في السلطة وقال: ستندلع الحرب حال الإنفصال إذا لم تتم مخاطبة مصالح المجموعات في البلاد كافة. ودعا فاروق جاتكوث القيادي بجبهة الإنقاذ الديمقراطية المتحدة الى إلغاء الإنتخابات وتساءل لماذا نضع إنتخابات في وسط فترة إنتقالية بموجبها توقفت رحى الحرب؟ ودعا الحركة الشعبية للتنازل عن جزء من نسبة ال (70%) في الجنوب التي حددتها إتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) وتشكيل حكومة إنتقالية تضم الطيف الجنوبي بألوانه كافة عوضاً عن الإنتخابات. وأعلن جاتكوث أن الوحدة غير جاذبة وأنه مع خيار الإنفصال وقال: (صوتي ماشي في صندوق الإنفصال)، وأضاف لا أجد سوى مقولة السيدة الجنوبية (ماذا سأقول لأخي الذي أستشهد وملايين الجنوبيين إن لم ينل الجنوب إستقلاله وأنا على قيد الحياة)، لكنه تابع بأن الأمر متروك لشعب الجنوب ليقررمصيره على اعتبار أن إرادة الشعوب لا تقهر. وأشار جاتكوث الى أن إنفصال الجنوب حال حدوثه سيخلف آثاراً سالبة على الشمال في قضايا عديدة تتعلق بالأصول الثابتة والمتنقلة، إحتياطي العملات المحلية والأجنبية، إحتياطي الموارد خاصة الذهب واليورانيوم، تقسيم مياه النيل، البترول والتعدين، الإتفاقات المعلنة، التعامل مع الجنوبيين في الشمال، بالإضافة لقضية الجنسية. وفي المنحى ذاته وصف تأثيرات الإنفصال على الجنوب بالإيجابية كونه يمتلك كل مقومات الدولة، الا أنه عاد وأضاف بأن الأمر لا يخلو من سلبيات متمثلة في التوقعات بإندلاع حرب أهلية بالاقليم إضافة لملف ديون السودان الخارجية التي يتحمل الجنوب حصة منها وقال: السودان مديون حتى النخاع. الندوة التي إقتصرت رقاع دعوتها على الأطراف الجنوبية وعدت بأستضافة بقية المهتمين بالقضية في محاولة لردم الهوة التي أظهرتها الندوة بالشاسعة وذلك بغرض جعل مواطن الجنوب ينقاد طوعاً للوحدة وحتى لا نحرم من إستخدام عبارة لطالما أحببناها عن وطن بمساحة مليون ميل مربع.