نوارة أبو محمد تقف على الأوضاع الأمنية بولاية سنار وتزور جامعة سنار    إبراهيم جابر يطمئن على موقف الإمداد الدوائى بالبلاد    قبائل وأحزاب سياسية خسرت بإتباع مشروع آل دقلو    النصر الشعديناب يعيد قيد أبرز نجومه ويدعم صفوفه استعداداً للموسم الجديد بالدامر    المريخ يواجه البوليس الرواندي وديا    ريجي كامب وتهئية العوامل النفسية والمعنوية لمعركة الجاموس…    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    فاجعة في السودان    ما حقيقة وصول الميليشيا محيط القيادة العامة بالفاشر؟..مصدر عسكري يوضّح    "المصباح" يكشف عن تطوّر مثير بشأن قيادات الميليشيا    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخارجية: رئيس الوزراء يعود للبلاد بعد تجاوز وعكة صحية خلال زيارته للسعودية    الأمر لا يتعلق بالإسلاميين أو الشيوعيين أو غيرهم    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خواطر سودانية (14) ... بقلم: أحمد جبريل علي مرعي
نشر في سودانيل يوم 03 - 07 - 2010


المسكوت عنه والبديل!!!
ظلت مجموعات سودانية كثيرة مغيبة دهورا وهي تتفرج على مجموعات بعينها تحتكر المسرح السياسي والثقافي والاجتماعي والرياضي الخ. تلك المجموعات التي استمرأت حكم السودان وجعلت من أنفسها سادة والآخرون ما دون ذلك. وصدقت هذه الفرية السخيفة وهذه الكذبة البلقاء وسمت بأنسابها إلى الأرومة الشريفة زورا وبهتانا.
استمرت هذه المجموعات المحتكرة لكل شيء في أدائها السخيف إلى أن زهقت كل المجموعات السودانية الأخرى منها وقررت مواجهتها بالسلاح. فبدأ الجنوب في وقت مبكر وحمل السلاح. ثم تلاه الشرق والغرب وأوشكت مجموعات في شمال السودان أن تحمل السلاح.
احتملت مجموعات سودانية عديدة قهرا كل هذه الخزعبلات والسخافات والترهات لأكثر من مائة عام. منذ أن هزم الغزاة الباغون الوطنيين البواسل الأفذاذ في كرري وانكسرت دولة العز والإسلام الحق. وتنادت الضباع وأبناء آوى والمجموعات العميلة والخائنة على جيف الأبطال المسجية بعز وفخار على أرض كرري.
استمر كل ذلك بعدما سلم الغازي البغيض حكم السودان للخونة وأبنائهم كمكافأة على جهدهم المقدر في العمالة والخيانة وإسقاط دولة العز والإسلام الحق.
فقد كانت دولة المهدية شأن إي حكومة لها معارضة تناصبها العداء. وحتى الرسول صلى الله عليه وسلم ناصبته قريش العداء وهم أهله وعشيرته.
استغل الغازي البغيض المعارضة العميلة واستقطبها في مصر، كالعادة، وفي طريقه إلى عاصمة البلاد أم درمان. وفي صباح معركة كرري يقال بأنه وضع المجموعات السودانية في صف المربع البريطاني الأول لتكون الضربة الأولى معركة بين السودانيين العملاء وبين الوطنيين الشرفاء. وكانت كذلك وتركت غبنا وحقدا وعداء سافرا إلى عهد قريب بين تلك المجموعات العميلة وبقية السودانيين الشرفاء. وحرم السودانيون الشرفاء الزواج من العملاء. وضربت أمثال غريبة وعجيبة تكشف عن مدى البغض لهذه المجموعات العميلة.
واستعان المستعمر البغيض بتلك المجموعات العميلة في إدارة دفة البلاد خلال وجوده في السودان مما وضع السودانيين في خانتين مختلفتين بمنظور الحاكم والرعية. نتج عن ذلك إقصاء بعض القبائل عن سدة الحكم والتنمية ونعمت القبائل العميلة بكل شيء في حضور سيدها. فأورث ذلك ما يسمى بالتهميش الذي وصل بنا إلى حمل السلاح في وجه حكومة الخرطوم من جهات السودان الثلاث.
هذا هو تاريخنا، باختصار، من معركة كرري إلى عهد قريب. وليس معنى ذلك أن نظل في الخانتين ولا نتسامح ويغفر بعضنا لبعض. علينا أن نتجاوز هذا التاريخ المخزي. ويبدو أنه بعد تلك المدة تجاوزت الأجيال الجديدة الواقعة وتمازجت الأعراق إلا أن ظلال ذلك التاريخ تتمدد أحيانا وتتقاصر أخرى في ممارسات الحكومات تجاه مجموعات سكانية بعينها وهذا ما يفسر تصرفات الحكومات المختلفة التي توالت على سدة الحكم في البلاد.
هذا هو الحال بعد (الكسرة) في معركة كرري. هذه المعركة التي خرج إليها طوعا أكثر من خمسين ألف مقاتل صباح ذلك اليوم ولم يطاردوا في الأسواق والأزقة والمواصلات العامة والجامعات ودور العلم ليزج بهم في حرب (المشروع الحضاري) قسرا كما فعلت حكومة الإنقاذ!!!
وعندما انكسر صف المجاهدين لأول مرة في معركة كبيرة كتلك، تفرق المجاهدون أيدي سبأ بعدما استباح (كتشنر) أم درمان. تلك المعركة التي شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء وقال فيها ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا في الحرب العالمية الثانية: (لقد دمرناهم ولم نهزمهم). وصرح (بأنه لم ير أشجع منهم على وجه البسيطة).
وقال فيهم أيضا شاعر الإمبراطورية (روديار كبلنج)حين كسر الأمير والمقاتل الجسور والعبقري الفذ عثمان دقنة المربع البريطاني في شرق السودان: (أنهم قاتلوا في كل جهات الدنيا الأربعة، ولكنهم لم يروا أشجع منهم).
كانت تلك هي المرة الأولى التي يكسر فيها المربع البريطاني حيث قال (كبلنج) في قصيدته التي أسماها الفظي وظي (fuzzy wazzy)، أي المحارب ذي الشعر الأشعث،حسب ترجمة محمد صالح ضرار: (لأنك وأن كنت قد خسرت أعدادا أكثر منا، إلا أنك هشمت المربع).
هذا جزء يسير مشرف ووسام شرف في تاريخ (أدروب) الأشعث الذي ازدرته وهمشته الحكومات الوطنية قاطبة، ولم تعره انتباها وتركته نهبا للفقر والجهل والجوع والمرض غير مبالية به إلى أن حمل السلاح مضطرا لتحقيق أهدافه العادلة!!! أدروب الذي أخذت منه معظم قبائل الشمال والوسط مقطع (آب) ووضعته في نهاية أسماء قبائلها وترك بصماته اللغوية الواضحة على المفردات السودانية. (أدروب) الأصل والفصل في تاريخ السودان.
كان تشرشل محقا حين قال بأنهم لم يهزموا أبطال كرري البواسل، ولكن دمروهم. لقد أحدثت آلة الحرب الجديدة ذلك الفارق الكبير بين الهزيمة والنصر. فقد استخدم مدفع (مكسيم) المبتكر حديثا في معركة كرري لأول مرة في حرب في العالم الثالث.
كان ذلك المدفع بدائيا. وبرغم ذلك أحدث الفارق العظيم. وحطم جموع المجاهدين الذين كانوا يتنادون (سدوا الفرقة، سدوا الخرمة) عندما يتساقط الشهداء أفرادا وجماعات وفوجا إثر فوج والذين لم يكونوا يدرون بأنهم (بسد الفرقة وسد الخرمة) يسهلون على الآلة الحربية الجديدة حصدهم وإبادتهم.
حذا غرب السودان حذو شرقنا الحبيب في التمرد وإن كانت بوادر التمرد على المجموعات المحتكرة للسلطة في السودان قد بدأت منذ حكم الجنرال نميري – رحمه الله رحمة واسعة - عندما حل الإدارة الأهلية وانفرط عقد الأمن والأمان والاطمئنان ، فظهرت مجموعات النهب المسلح في دارفور.
لقد كانت مجموعات النهب المسلح المتمردة تفرق بين شاحنات (الغرابة) وشاحنات مجموعات (الجلابة) في كثير من الأحيان. فتترك الأولى وتستولي على الثانية. فكانت تلك أولى الإشارات الدالة على وميض نار تحت الرماد. ولكن لا حياة لمن تنادي. فلم تستيقظ هذه المجموعات المحتكرة للسلطة إلا على دوي مدافع وبنادق المهمشين.
وظهرت بوادر التمرد على السلطة عندما غزت مجموعة الأحزاب المعارضة لحكم الجنرال نميرى(حزب الأمة والاتحادي والإسلاميين وغيرهم) السودان من ليبيا بمجموعات معظمها من (الغرابة). فنحا النميري نحوا عنصريا بغيضا. وقام بتقتيل (الغرابة) تقتيلا بربريا في الحزام الأخضر. وأطلق عليهم زورا وبهتانا اسم (المرتزقة) مستغلا جهل الوسط الجغرافي الظالم ببقية قبائل السودان.
فكان زبانية أمن ما يسمى بثورة مايو (سبة الدهر) يأخذون (الغرابة) بالشكل والشعر القرقدي (الزنجي) ونطق كلمة الحصاحيصا (معذرة لأهلنا الطيبين في الحصاحيصا) التي يحول الغرابة (ومعظم الناطقين بغير العربية) الصاد فيها سينا.
كما قام النميري بشحن ماسحي الأحذية من (الزغاوة ) وأبناء دارفور عامة إثر فشل انقلاب البطل محمد نور سعد في قطار إلى دارفور وتصدى له محمد إبراهيم دريج – محافظ دارفور آنذاك – ومن ورائه أهل دارفور بأنه متى ما وصل هذا القطار إلى محطة نيالا فإنهم سيشحنون كل مجموعات (الجلابة) – ويقصدون بها أبناء المديرية الشمالية - التي قدمت إلى دارفور لكسب عيشها بحجة أن أبناءهم ذهبوا للخرطوم لكسب عيشهم فإعادتهم السلطات. وهي معاملة المثل بالمثل.
أضطر رئيس الجمهورية إلى تحويل القطار إلى الأبيض التي عاد بعدها (الغرابة) إلى الخرطوم ثانية بعد الأحداث المأسوية. واضطر النميري(القائد الملهم) لبلع قراره.
وقد بلع النميري قائد جيشنا (الماكل لحمنا وشارب دمنا يا جيشنا يا جيش الهنا والذي لم نر بطولاته إلا في حروب داخلية منذ فجر الاستقلال إلى الآن) قراره الثاني عندما عين الطيب المرضي (من مواطني كردفان) محافظا على دارفور فخرجت الفاشر عن بكرة أبيها تهدد بحرق المحافظ المعين وطائرته إذا حطت رحالها في مطار الفاشر.
استكثرت جماهير دارفور عدم تعيين المحافظ من بنيها. واضطر (أبوعاج) ثانية إلى الرضوخ لقرار أهل دارفور وإلى تعيين محمد إبراهيم دريج غصبا عنه ونزولا عند رغبة أهل دارفور.
وحكم (أبو عاج دراج كل المحن إلى داخل السودان) على أهل كردفان والأبيض خاصة (وسط السودان الحقيقي المظلوم) بالحرب وتعطيل التنمية في ربوع كردفان الغراء (الغرة أم خيرا جوه وبره) في أعقاب انقلاب البطل حسن حسين وانقلاب البطل محمد نور سعد.
صبر أهل كردفان الأشاوس على حرب حكومة مايو لهم بعلو همة وحكمة كعادتهم. وتساموا فوق الصغائر واحتملوا الحرب الشعواء التي شنها زبانية نظام النميري عليهم دون وجه حق. ولم يحملوا السلاح إلا بعدما بلغ السيل الزبى وطفح الكيل فانبرى الفارس المغوار المرحوم (يوسف كوه) وغيره من الصناديد من أبناء النوبة و أبناء المسيرية وقبائل أخرى لوقف تلك العنجهية وانضموا إلى جموع المتمردين الجنوبيين والمهمشين بقيادة الراحل قرنق، كما يفعلون الآن مع حركة العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم وغيرها من الحركات المتمردة.
وظل الشعب السوداني يعاني الأمرين خلال 54 عاما من حكم السودان؛ كان نصيب العسكر الأغبياء الذين جثموا على صدر السودان كالبلاء 44 عاما. يقاتلون سنين عددا ثم يتراجعون بعد هلاك الكثير من البشر إلى المربع الأول.
لقد رأينا كيف قاتل عسكر حكومة الإنقاذ جيش قرنق خمسة (15) عشر عام. وشهدنا (البروجي) و(ساحات الفداء) و(كتائب الأهوال) و(صيف العبور) و(الميل أربعين) وغيرها من المآسي!!! بعد ذلك أعادونا للمربع الأول، بل أسوأ.
أعادونا للمربع الأول باتفاقية الخزي الشامل التي ضاع معها المجاهدون الأبرار وضاعت معها كل المكاسب الوطنية. تلك الاتفاقية البائسة التي ستمنح الجنوبيين الانفصال المؤكد. فليت عسكر حكومة الإنقاذ منحوا الجنوبيين الانفصال منذ اليوم الأول وأراحونا من (وجع القلب) ولم يهلكوا كل الزرع والضرع ولم يفسدوا في الأرض.
ونسمع تهديدات هذه الأيام من الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني بأن الجيش السوداني سيتصدى لخليل إبراهيم ميدانيا. يبدو أن جيشنا الحالي لا قبل له بالمعارك البطولية الدولية ولم يسمع بها. ويبدو أن تاريخه سيكون حافلا فقط بالمعارك الداخلية على أبناء الشعب السوداني فقط، يا للعجب!!!!
هكذا حال العسكر في كل الحكومات التي سبقت. مراجعات بعد فوات الأوان. ولهم العذر في ذلك لأن الشعب السوداني لم يفرز قادة مدنيين أكفاء يأتمنهم على مستقبله. فقد اتسم القادة السياسيون المدنيون بقصر النظر، وسوء التخطيط، وضعف الإرادة والإدارة والتنفيذ، وكثرة المشاكسات، والجعجعة، والحسد لبعضهم البعض.
واستمر الشعب السوداني مع هذه الحلقة الشريرة وذاق الأمرين وأصبح بين سندان العسكر الأغبياء ومطرقة الأحزاب الخايبة. وكان كالمستجير من الرمضاء بالنار. ولسوء حظ الشعب السوداني واصلت هذه القيادات الطائفية وغير الطائفية من المجموعات التي تدعي التقدمية (العواسة) كالعادة ولم تجد من يتصدى لها من المتعلمين الشرفاء.
ورضي بعض المتعلمين الخائرين بأن يكونوا (مرمطون) في حكومات العسكر وينالوا من فتات موائدها أو خدم عند سادة البيتين الكبيرين (الأمة والاتحادي) ويقبلوا أياديهم ولا يستغلوا علمهم في النهوض بالأمة حتى وصل بنا الحال إلى ما نحن فيه الآن!!!!
وفي السنين الأخيرة شهدنا تمردات وانشقاقات داخل الأحزاب كانت بداية شق عصا الطاعة على الطائفتين التقليديتين اللتين سخرتا الشعب السوداني – طائعا مختارا - لخدمتهما طوال عقود من الزمان. وبرغم ذلك تمخض الجبل فولد فأرا!!!!
برغم ذلك لم تفرز هذه التمردات والانشقاقات قيادات يشار إليها بالبنان في الغرب أو الشرق أو الشمال أو الجنوب أو الوسط ولو بين القبائل إلا نادرا!!!!
فمثلا قبائل جهينة -عطية وحيماد وراشد الولاد -من بقارة وأبالة وغنامة في غرب السودان عموما لم تفكر مطلقا في مفارقة قيادة حزب الأمة الفاشلة من أحفاد المهدي الذين لا يحملون منه سوى أسمه العظيم فقط.
ظلت تلك القبائل عقودا من الزمان وهي تتفرج على أحداث السودان التي تسير من سيء إلى أسوأ وتزيد من تهميشها. تنعقد المؤتمرات المحلية والدولية في قضايا تهم هذه القبائل، ويتم تغييبها تغييبا كاملا وعمدا.
أبرمت اتفاقية الخزي الشامل دون الرجوع إلى هذه القبائل. وتمت المصادقة على حق الدينكا نقوك في التصويت على حق تقرير مصير أبيي دونها. وحجب وزير البترول آنذاك (الجاز) عن أهلها العمل في مناطقهم -التي فتحها أجدادهم عنوة، وبذلت فيها نفوس كريمة، وحرسوا هذا الثغر لأكثر من 300 عام لم يؤت السودان من قبله - وآثر توظيف غيرهم من أبناء قبليته. وكذلك حل المؤتمر الوطني ولايتهم (ولاية السلام) عشان سواد عيون شريكه الأطرش. والآن تنعقد محادثات الدوحة بشأن مشكلة دارفور بدون الرجوع إلى قبائل جهينة وغيرها!!!!!
ظلت الأحداث تترى ولا يؤخذ لهذه المجموعات القبلية رأي، وكأن هذه القبائل لا فكر لها ولا رأي!!! عجبا وقد كانت أهل الرأي والفكر والجهاد في سبيل الله عندما استعان بها المهدي ورفع راية الجهاد فسارت خلفه ظعائن هذه القبائل في كل المعارك وهي تردد (في شان الله .....في شان الله). و حين كان الرجل يخرج من بيته مودعا أهله والدنيا وهو يردد ( في شان الله.... في شان الله).
وخلال وقت وجير (قرابة الأربع سنوات) جمعت هذه القبائل المجاهدة الباسلة مع غيرها من القبائل الوطنية الأخرى السودان المترامي الأطراف في دولة امتدت من نمولي جنوبا إلى حلفا شمالا، ومن الجنينة غربا إلى سواكن شرقا. وأنشأت دولة سامية الأهداف عمرت زهاء الستة عشر عاما بنيران القرآن والجهاد الحقيقي المتواصل – الذي لا يشبه جهاد حكومة الإنقاذ الكاذب -حتى تداعي عليها الخونة والمأجورون والمرتزقة فأسقطوها.
فتحت تلك الدولة الحبشة وأضافتها للمليون ميل مربع الذي يتباهي به السودانيون الآن ولا يعلمون من ضحى في سبيل الحفاظ عليه. ولا يعلمون أن السودان كان أكثر من مليون ميل مربع!!!!
ثم جاءت حكومة الإنقاذ وضيعت حقوق مجموعات كبيرة من هذه القبائل في اتفاقية أطلق عليها خطأ (اتفاقية السلام الشامل) وحقيقتها (اتفاقية الخزي الشامل). ورأينا كيف انكسر المؤتمر الوطني وضيع حقوق تلك المجموعات القبلية – من بينهم قبائل التماس - بانكساره المخزي في هذه الاتفاقية المشؤمة.
ظلت تلك القبائل – برغم التمرد والانشقاق الذي اجتاح حزب الأمة القومي - في ولائها الأعمى لقيادة حزب الأمة القومي الفاشلة التي لم تقدم شيئا لمناطقها ولم تنهض بها خلال عقود من الزمان!!! وكذلك فعلت القبائل الموالية لأحفاد محمد عثمان الميرغني الكبير!!!
هذا الحب (اليتوبي) جعل الأنصار يسلمون أمرهم وقيادتهم لأحفاد المهدي. وفعل الختمية الشيء ذاته وسلموا أمرهم وقيادتهم لأحفاد الميرغني الكبير. فأبقت الطائفتان على جماهيرهما في جهل تام وسخرتهما لخدمتها ولم ترع لهم حرمة، ولم تتق الله فيهم، ولم ترد الجميل بإنشاء مدرسة أو مستشفى أو تمهيد طريق في مناطق الأنصار أو الختمية. وبعد كل هذا، أما آن لهذا الحب من جانب واحد أن يتوقف؟!!!
نقدر لهذه القبائل ولاءها وإخلاصها المثالي وأن (الأنصارية) أو (الختمية) جزء من تاريخ أسرها ومسيرتها في الحياة. لكن من المؤكد أن الأجيال الجديدة ستبحث عن صيغ جديدة للأحزاب والقيادات بعيدا كل البعد عن الأصنام القديمة ولن تستكين. وقد بدأت بشائر ذلك في التمرد الذي ضرب الحزبين الكبيرين ومزقهما أربا.
وأثناء البحث عن بديل، وعن صيغ وقيادات جديدة للحكم، سيظل المؤتمر الوطني يعوث في الأرض فسادا ويتفنن في تنغيص عيش وحياة الناس بأشكال جباياته التي فاقت جبايات التركية السابقة (عشرة في تربة ولا ريال في طلبة)، وفي تعذيب الخلق بشتى صنوف العذاب التي مهر المؤتمر الوطني في إيجاد صيغ لها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.