بسم الله الرحمن الرحيم (1) توطئة: قبل الولوج إلي مثل هذا الموضوع الشائك لابد من استعراض جملة من الأمور الهامة التي يمكن أن تساعدنا في استجلاء وقائع (ربما تكون قد استشكلت علي شخصيا ) للإجابة علي سؤال محدد، فيما إذا كان أن هناك من المواقف، والشواهد والأدلة والبراهين التي يمكن أن تؤكد أن الدولة تدار الآن بعقلية عنصرية قبلية صرفة ليس لها أي علاقة بالقواعد والمبادئ المؤسسة لأي حكم، وإنها تستر خلف مبادئ دينية سامية لتحقيق مكاسب ذاتية بالدرجة الأولي الأمر الذي يخرج بها عن المسار التقليدي المعروف لإدارة الدولة ؟. ذلك أنه من المعروف أن مصدر القوة في مثل هذه السياسات هو التعاضد القبلي الذي حتما ستعود فوائده علي أفراد القبيلة أولا، فإما أن تلتحق بالركب لكونك تنتمي إلي أي من القبائل المميزة (إما بالكثرة العددية، الإرث الحضاري، الإرث الثقافي، أو بالعلم والمعرفة، أو حتي معنية بالزراعة أو الرعي أو الانتاج الحيواني) أو أن تكون مقتنعا بالمبدأ الإيديولوجي المطروح( العروبة والإسلام) أو غيرها من الأطروحات السائدة أو بالبرنامج السياسي للحزب، أو لك مصلحة خاصة أخري غير معلنة، وأيا كان الغرض فان العقلية القبلية هي التي تسيطر علي مقاليد الأمور وهي التي تدير كل المواقف، شمالا كان أم جنوبا، شرقا كان أم غربا. ليس هذا وحسب وإنما نراها حتى في التفاوض وفي المفاوضين وفي الاتفاقيات. ليس هذا هو بيت القصيد، أن ننقب عن أصل القبائل والأنساب، والتي إن تتبعنا أثرها بمنهجية علمية لتساقطت أوراق الأشجار علي اختلاف مسمياتها لتثبت زيف الخريف القائم، ولكننا نؤثر أن تبقي الأشجار أشجارا، إن كان أصلها ثابت وثمرها يؤكل، وإنما طرحنا سؤالا سابقا أردنا أن نثبته أو ننفيه فقط... لنؤكد- في كلا الحالتين- خطأ وعبثية أولئك النفر الذين يتشبثون بالقبلية المقيتة علي النحو الذي نراه الآن في العمل السياسي ومحاولتهم فرض هيمنة عنصرية بعينها أو ممارسة التعالي القبلي علي الآخر أو فرض دين لا إكراه فيه علي الناس أو غير ذلك مما يوصمه الدين نفسه ب" الجاهلية". وحسبنا كل الشرف أن ننتسب إلي الإسلام...تماما، كما دخل فيه سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي وأكتفوا بعدئذ بالعمل. وإذا التزمنا بالإسلام، فإننا حتما سنلتزم بكل ما أتي به من قواعد ومعايير ولكوننا مصنفين كبشر مكلفين بتكاليف العقل فسنعرف حتما أن أساس التفاضل عند الله تبارك وتعالي بين الشعوب والقبائل هو التقوى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13 (وجعلناكم شعوبا) جمع شعب بفتح الشين هو أعلى طبقات النسب (وقبائل) هي دون الشعوب وبعدها العمائر ثم البطون ثم الأفخاذ ثم الفصائل آخرها مثاله خزيمة شعب كنانة قبيلة قريش عِمارة بكسر العين قصي بطن هاشم فخذ العباس فصيلة (لتعارفوا) حذف منه إحدى التاءين ليعرف بعضهم بعضا لا تتفاخروا بعلو النسب وإنما الفخر بالتقوى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم) بكم (خبير) ببواطنكم* راجع تفسير الجلالين في شرح الآية. نستدل مما سبق أن الخطاب موجه لكل الناس وليس للمسلمين وحدهم، أي يشمل العالم قاطبة، كما أن أعلي درجات الأنساب هو الشعوب وأن أي شعب يمكن أن يتكون من قبائل وبطون وأفخاذ وفصائل يجمعها كلها ما يعرف بالوطن، وأن التعارف شرع بين هذه التصنيفات لقياس مدي تطبيق أفضل معايير حسن الخلق ، ألا وهو التقوى وهي من أعلي درجات التقدير عند الله تبارك وتعالي للبشر. تري..!! ماذا سيكون الأمر إذا ما حاولنا تطبيق هذه التصنيفات وما يتبعها من معايير علي بلد كبلدنا، ونحن، لحسن الحظ، وفي هذا الوقت بالذات، في أمس الحاجة إلي تحديد هوية وطنية جامعة لا ضيم فيها لأحد؟. انه حقا لعمل مضن يحتاج إلي تجرد تام وجهود مشتركة لمن يهمهم الأمر لتتبع اثر هذا البلد وتحقيق تاريخه القديم والحديث من مصادره المتعددة، خاصة وقد تشعبت المسالك و "تشربكت" الخيوط وأصبح مجرد التحليل والتعليق، مجرد موقف شخصي أو ترف فكري أو "فضفضة" لا يجدي معظمها نفعا إن لم تزد المواقف تعقيدا وتشتيتا، وان كان هناك ثمة حل، فلنتوكل علي الله، فهو يهدي الي الحق وعليه قصد السبيل،ونمسك بأول الخيط علنا نصل إلي نتيجة . الدمازين في:04/07/2010 محمد عبد المجيد أمين(عمر براق )