السودان\جوبا [email protected] مع إقتراب الموعد المقرر لإجراء حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان، حسب إتفاقية السلام الشامل التى وقعتها كل من الحركة الشعبية وحكومة الإنقاذ بضاحية نيفاشا الكينية عام 2005 .بدأت أصوات كثيرة فى الشمال تشكوا من ما اسموه تخلى الحركة عن مشروعها الأساس (مشروع السودان الجديد). وهو مشروع ظلت الحركة منذ تأسيسها عام 1983 تبشر من خلاله بإمكانية إيجاد صيغة دستورية أفضل لإدارة التنوع و خلق أرضية صلبة تحميها دستور علمانى ديمقراطى يوفر لكل اقوام السودان حقوقهم السياسية و الإجتماعية والثقافية والدينية لتأكيد إمكانية التعايش السلمى بين كل المكوينات الإثنية فى السودان. وقد جوبه هذا المشروع فى كل مراحل طرحه وتطوره بالرفض من قبل العديد من النخب الشمالية كما فعلوا بمشروع الفدرالية عام 1955 ومشروع الكنفدرالية الذى طرحه وفد الحركة فى مفاوضات أبوجا عام 1992. وقد تمظهر هذا الرفض فى أشكال عديدة من عنف جهادى وتخوين الجنوب إلى الإغتيال المعنوى للمشروع وقيادات الحركة الشعبية. إذا، لماذا التباكى على مشروع السودان الجديد خاصة بعد التوقيع على إتفاقية السلام وهى إتفاقية محددة المعالم توفر الحد الأدنى من طموحات الشعب السودانى فى الجنوب والشمال إلى ان يحين موعد تقرير المصير لشعب جنوب السودان؟ من حق النخب فى الشمال، سواء الذين يؤمنون حقا بمشروع وحدة السودان على اسس جديدة أو اولئك اللذين يسكبون دمع التمساح شماتة، التباكى على مشروع السودان الجديد. إلا ان هذا يجب ان لا يعنى إلزام الحركة بأى حال من الأحوال فى الإستمرار فى الدعوة إلى مشروع السودان الجديد خاصة بعد توقيع إتفاقية السلام الشامل. فقد حددت الإتفاقية معالم طريق واضحة يجب على الشريكين العمل من اجل تنفيذها وبالتالى لايجوز للحركة دستوريا وأخلاقيا ان يخدع المواطن فى الجنوب والشمال والتبشير بما لم يتضمنها إتفاقية السلام الشامل. وقد فرضت الإتفاقية نظامين للحكم يلزم طرفى اللإتفاقية تبصير المواطن السودانى بهما خلال فترة الخمسة سنة الإنتقالية، وهما نظام حكم علمانى فى الجنوب ونظام حكم دينى فى الشمال بما فى ذلك العاصمة حيث يحمى المواطن غير المسلم مفوضية خاصة به، وقد وافقت الحركة على هذا الترتيب بعد ان تجاوزت مشروع السودان الجديد حقنا للدماء. بعدها يكون المواطن الجنوبى أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الوحدة فى ظل النظام الذى ارساه نيفاشا أو التيمم نحو اللإنفصال. الشمال قد قال كلمتة بوضوح حول مشروع الدولة السودانية منذ الإستقلال وعلى الجنوبيين إحترام هذا الرأى خاصة بعد ما إستبان موقفهم فى حوار مع الشمال إتسمت فى كثير من الأحوال بالعنف بلغ مداه الجهاد دفاعا عن هوية السودان العربى الإسلامى وهو المشروع الذى يفترض على المؤمنين بالوحدة على اساسه ان يقنعوا الجنوبيين بالخضوع والقبول بوحدة السودان على اساسة إذا رأوا فيه خيرا للمواطن الجنوبى لأنه وحسب الإتفاقية، هو المشروع الوحيد والمتضمن فى الدستور الإنتقالى لوحدة السودان. مشروع السودان الجديد فى مخيلة النخب الشمالية مشروع إقصائى. وقد إجتهدوا خلال فترة الحرب لإخراجه كذلك بإضافة مفاهيم ومصطلحات من بنات أفكارهم مثل( دولة الزنوج) لإغتيال المشروع. فى جريدة اخر لحظة الاربعاء 14 يوليو 2010 كتب الأستاذ عباس محمد صالح (كان شعار السودان الجديد وهو على المستوى التجريدى والنظرى لامنداحة فيه ولاتثريب عليه إذ يعنى كما يردده هؤلاء- بناء دولة وطنية قائمة على المواطنة والعلمانية والتنمية المتوازنة بين اطراف البلاد ومراكزها وإحترام التعددية والتنوع فى البلاد ولكن كان فى مدلوله السياسى مشروعا إستئصاليا لم يخفه ذلك التسربل بغطاء الديمقراطية او محاولات التحالف مع المعارضة الشمالية) وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها، لان مشروع السودان الجديد هو كما ذكره الأستاذ عباس على المستوى التجريدى والسياسى يطالب بإشراك كل مكونات السودان الإثنية فى صنع القرارات فى كل مناحى الحياة ومرافق الدولة لخلق واجهة جديدة للسودان وهذا يعنى صراحة إضافة وجوه من دارفور والجنوب والشرق إلى وزارة الخارجية والتعاون الدولى وحتى التلفزيون الذى يطل علينا منه كل صباح ومساء ذوات البشرة البيضاء إى( الواجهة المخادعة للسودان). وتغير وجه السودان بهذا الشكل قد يشكك اصحاب العقالات فى الهوية العربية للسودان ويزيد من إهانة اللبنانين للشعب السودانى العربى. لذلك عند تدشينه طريق( كريمة-ناوا) جدد نائب الرئيس على عثمان محمد طه تمسكه بالمشروع الحضارى قائلا (لا تبديل ولا تراجع عنه ولو ادى ذلك إلى التضحية والشهادة) وفى هذا الصدد علق إسحق فضل الله (على عثمان من الشمالية يطلق من لسانه إشارة (للشهداء) والمشروع الحضارى والربط بين هذا وهذا حين يصدر من على عثمان الرقيق الفصيح يصبح له معنى رهيب)، جريدة الرائد الأحد 18 يوليو 2010 . رهيب حقا، خاصة عندما ينوى الإنقاذ، لوجه الله و كواجب للدولة الدينية فى الشمال، إرسال فوج اخر من الشهداء إلى الجنة على جثث المواطنين الجنوبيين. إذا كان واجب الدولة هو إدخال مواطنيها الجنة فيجب على حكام الشمال ان لا يسترزقوا الحسنات عبر المواطن الجنوبى، هنالك وسائل اخرى يمكن للشمال إدخال المجاهدين الجنة، منها حثهم على الصلاة والصيام وأداء فريضة الحج او حتى تحرير حلايب. الحسنات التى تراكمت من فوج المجاهدين الأول أثناء الحرب كفيل بإدخال قيادات الإنقاذ الجنة. اما من جانب المواطن الجنوبى ف(لا عودة للحرب). النخب فى الشمال إعتادوا التباكى على اللبن المسكوب، فقد تحسروا عدم قبول الفدرالية عام 1955 ثم تحسروا رفض الكنفدرالية كما تحسروا غياب قرنق الذى كان عميلا لانهم إكتشفوا وحدويته بعد رحيله والان يتباكون على ضياع مشروع السودان الجديد. القضية المركزية المتصلة بوحدة السودان كما قال الأستاذ طه النعمان(اخر لحظة 14 يوليو 2010 ) قضية تتعلق بنظام الحكم، فإما نظام حكم ديمقراطى مدنى يعبر عن جميع مكونات الوطن او إنفصال وتشرذم على اساس الهوية الدينية والعرقية والجهوية. هكذا، يجب ان نفهم ان مشروع السودان الجديد غير مطروح فى اجندة تقرير المصير كخيار ثالث بين الوحدة والإنفصال. واجب الحركة الشعبية دستوريا، هو العمل ومتابعة تنفيذ إتفاقية السلام و هذا العمل هو ما يسميه النخب فى الشمال (مشاكسة او إبتزاز الشريك الأكبر). واى تبشير بمشروع السودان الجديد فى الوقت الحالى يعتبر تشويش على عملية تقرير المصير برمتها التى ستفرز فقط إحدى الإحتمالين، الوحدة على الأساس الحالى أو الإنفصال.