الانقسام الأخير بين النظام السوداني والمعارضة إزاء عقد مؤتمر تشاوري شامل يشكل ضرباً من الهروب. ما من منحنى سوداني يستوجب مثل هذا المؤتمر أكثر حدة مما هو حالياً. الوضع السوداني يستنفر كل القوى السياسية للتلاقي والتشاور. التجاذب بين النظام والمعارضة تجاه أجندة اللقاء ليس أكثر من تبرير للإخفاق السياسي. الوحدة هي القضية الوطنية المركزية الوحيدة في أجندة أي اجتماع سوداني مفترض حالياً للقوى السياسية. ربط الوحدة بنزاهة استفتاء تقرير المصير، على نحو ما يطرح المؤتمر الوطني يمثل قفزاً فوق الاستحقاقات الوطنية. وضع قضية دارفور والتحول الديمقراطي على أجندة المؤتمر كما ينادي تحالف جوبا يشكل خلطاً ضاراً للأوراق. إضافة الضائقة المعيشية لثالوث الوحدة ودارفور والتحول الديمقراطي على نحو ما يطرح الشيوعيون يُعقِّد القضايا ولا يعين على حلها. في السودان لا شيء يعلو فوق صوت الوحدة، شاءت القوى السياسية التحديق في وجه الوطن أم لم تشأ. الوحدة هي قضية السودان المركزية صاحبة الأولوية القصوى. وحدة تراب الوطن «حمولة ثقيلة» لا تحتمل إضافة أي بند. الحفاظ على الوحدة مطلب وطني لا يرقى غيره إلى طموح سياسي. في ظل الوحدة وليس خارجها تجري معالجة كل قضايا الوطن الأخرى، تحت سقف الوحدة يتم النظر في ترقية المعيشة الحياتية للمواطنين. الحفاظ على وحدة الشمال والجنوب يقدم نموذجاً جاذباً للدارفوريين. قضية السودان الملحة هي الوحدة وليس الاستفتاء. تقرير المصير بند أساسي في اتفاقية نيفاشا غير أن الوحدة تمثل روح الاتفاقية وليست مجرد بند أساسي. الذهاب إلى مراكز الاقتراع في الاستفتاء هو المهمة الأخيرة في نيفاشا. العجلة في إنجاز هذا المشوار الأخير قبل الوفاء بالبنود الأخرى في نيفاشا، انتهاك للاتفاق وخيانة للوطن. وحدة التراب السوداني قضية وطنية فوق كونها مسألة محورية تستدعي التنادي كما تستوجب الرويِّة. هناك بون شاسع بين التمهل والتشاور وبين المراوغة والجفول. السؤال السوداني الآني أمام كل القوى السياسية يتمحور حول ما إذا تم الوفاء باستحقاقات نيفاشا كاملة قبل الذهاب إلى تقرير المصير؟ الإجابة الشافية عن السؤال تفتح الباب مجدداً على أهمية إنجاز بنود اتفاق السلام كما ينبغي. من اليسير الاتفاق على الإخفاق الوطني في هذا الصدد. ثمة بنود جرى تنفيذها على عجل عمداً هرباً من تداعياتها، هناك بنود لاتزال عالقة. التحول الديمقراطي لم يتم إنجازه. حدود أبيي لاتزال مفتوحة على المجهول. الجيش الموحد في المربع الأول. القفز فوق مثل هذه القضايا لن يفضي إلى السلام المرتجى من نيفاشا. استكمال مثل هذه البنود على الوجه الأكمل يسهم في تكريس الوحدة. حتى في حالة غلبة خيار الانفصال فإن إنجازها يمهد إلى الاستقرار والسلام. احتمال انزلاق السودانيين في مستنقع الحرب ليس ضرباً من الشطط في التشاؤم. قضايا ما بعد الانفصال تشكل حقول ألغام قابلة للانفجار أكثر من قابليتها للتفكيك. ثمّة أطراف تتعجل تفكيك الوطن قبل نزع تلك الألغام. علاقة المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ظلت تحت سقف نيفاشا أشبه بحالة زوجين متنافرين يعيشان على حافة حتمية الطلاق. الشراكة المؤقتة أجبرت الزوجين على الاصطبار المقنن بسنوات ست. الانفصال يأتي خاتمة منطقية للطلاق العاطفي. بدلاً عن نسج شبكات الثقة ظل كل شريك يتربص بتوقيت تحديد المصير. القناعة الراسخة لدى المؤتمر والحركة باقتسام الوطن بددت احتمالات تعزيز العيش المشترك في سودان واحد. كما لم يستثمرا سنوات نيفاشا في تكريس الوحدة، أخفق الطرفان في التمهيد لانفصال سلمي. الفشل في طي الملفات العالقة قبل فتح مراكز الاقتراع يشرع المنافذ أمام الشياطين الخبيئة في التفاصيل. ما من بند في نيفاشا تم إنجازه في الموعد المضروب. كل القضايا تم ترحيلها عبر الزمن. لا جدوى وطنية من وراء التشدد في توقيت تحديد المصير. الوحدة قضية وطنية مقدسة تستأهل الصبر السوداني كما تستوجب العمل الجماعي. omar alomar [[email protected]]