إستضافت الفضائية السودانية مؤخراً أمين حسن عمر أحد مفاوضى الحكومة فى المفاوضات الجارية فى دولة القطر بين الحكومة و حركة التحرير و العدالة فى قضية دارفور. و كعادته تحدث الرجل بتكبر وتجبر و إستهزاء عن سكان دارفور و خاصة النازحين فى معسكراتهم و اللاجئين فى منفاهم و المشردين فى فضاءاتهم. و فى أحاديثه كان مستهتراً و مستصغراً حتى لمضيفته التى قدمت لقاءاً جميلاً فطرحت الأسئلة التى تحتاج الى أجوبة واضحة و شجاعة من جانبها و لكن من جانب واحد فقط لأن الضيف المتعالى حتى على هذه المحاورة البارعة بدلاً من أن يجيب على الأسئلة، فذهب يتفلسف كعادته يتعجرف و يتجبر و يستهزأ بضحايا قضية دارفور إستهتاراً و إستصغاراً. و فى المحصلة فإن الرجل لم يقدم الأجوبة للأسئلة التى قدمت فى اللقاء و لكن ذهب يروج لما سميت مؤخراً بإستراتيجية الحكومة لملف دارفور و هي خطة الحكومة بتجاهل كل أطراف دارفور بما فيها تجار السلطة و الجاه و الوظائف فى حركتى التحرير و العدالة و العدل و المساواة و العمل فى الداخل من أجل السلام فى دارفور. و هذه الخطة هى فى الأساس تمثل قمة التحايل على أطراف القضية فى دارفور و من ضمنها الحركات الثورية و المجتمع الدولى و ذلك بمساعدة الإتحاد الإفريقى الذى أصبح بوقاً من أبواق المؤتمر الوطنى. سألت المضيفة ضيفها عن إمكانية العودة الطوعية للنازحين الى قراهم و ما هى المقومات التى أعدتها الحكومة لإستقبال هؤلاء فى هذه القرى.. فقبل أن تكمل سؤالها – كعادته – قاطعها الرجل قائلاً بأن الحكومة تريد أن تعيدهم فقط الى قراهم و ليس الى عمارات فيها الغاز و الكهرباء و المياه و طرق مسفلته و عليهم- اى النازحين - أن يعلموا هذه الحقيقة. هذا الحديث ليس فيه إستهتار بأهل دارفور فحسب، بل فيها كثير من التعالى و التكبر و الإستعلاء. و هذه هى العقلية الوحيدة التى ظلت الحكومة تتعامل مع قضية دارفور منذ بدايتها و حتى الآن. و هكذا كانت كل الحكومات فى الشمال تتعامل مع قضية شعب جنوب السودان حتى إذا جاء زمان نيفاشا، إضطرت الحكومة – مرغمة غير طواعية – إلى تغيير نظرتها و تفكيرها و إستراتيجياتها تجاه جنوب السودان و شعبه. و لا تغير الحكومة هذه النظرة الإستعلائية لأهل دارفور حتى يغير أهل دارفور نظرتهم لقضيتهم العادلة و ذلك بتوحيد صفوفهم و بإرتقاء قادتهم الى مستوى القضية و أن يتركوا سياسات الإستقصائية للآخرين التى ظلت تمارسها كل الحركات المسلحة فى دارفور ضد بعضها البعض. فدارفور لديها قضية عادلة و ذلك بشهادة الإعداء قبل الإصدقاء و لكن عدالة القضية وحدها ليست كافية لحلها.و إن هذه القضية العادلة تحتاج الى قيادة واعية و حكيمة و رشيدة. قيادة لا تنظر الى تحت قدميها و لكنها تنظر الى مستقبل أقليم دارفور و مستقبل سكان دارفور الذين عانوا كل مرارات و ويلات الحروب بعد أن عانوا من الإهمال و التهميس و جميع أنواع التفرقة من عنصرية و إثنية و جهوية فى جميع مناح الحياة منذ الإستقلال حتى الآن. قيادة تعمل على حل قضية دارفور و تنظر الى جميع جوانبها ولا تبدؤها بلهث وراء بعض فتات الوظائف و لكنها تبدؤها بجلب الأمن للمواطن الذى ظلت ترهبه الطائرات الاحكومية صباح مساء فى جميع ربوع الإقليم و تنهشه مليشيا الجانجويد ليل نهاروتقتله الأمراض و الجوع فى كل الأوقات و الذى ظل يفترش الأرض و يلتحف السماء لكل هذه السنوات. قيادة تجلب المنظمات الإنسانية الطوعية من جميع أنحاء العالم لتعمل بحرية و تصل لكل محتاج فى فيافى دارفور لا ان تسكت و لا تحرك ساكناً عند طردها من الأقليم بواسطة الحكومة و مسئولى ملف قضية دارفور فى المؤتمر الوطنى و مسئولى الإغاثة فى دارفور و السودان فهم لا يجدون حرجاً فى إغاثة أهل فلسطين و أهل اليمن و أهل دولة تشاد و لكنهم يطردون من يطعم أطفال دارفور الجوعى و يعالجون كبار السن المرضى فى دارفور فلا حول و لا قوة إلا بالله العلى العظيم! فكيف يفكر قادة الثورة فى دارفور هؤلاء؟ و متى يدافعون عن أهل دارفور إذا لم نسمع عنهم قولاً فى هذه الفظائع التى ترتكبها الحكومة يومياً فى حق هؤلاء و فى هذه الظروف القاسية و اللا إنسانية بسبب هذا البطش الظالم و المخالف لكل القيم؟ و كيف تسول لهم أنفسهم بأن يرضوا بفتات الوظائف بغاث المال و يتركون أس القضية وهوالأمن كما فعله منى أركو مناوي فى إتفاقية أبوجا و كما فعله خليل إبراهيم و التجانى السيسي فى إتفاقياتهم الإطارية مع الحكومة فى الدوحة؟ لقد كانت حرياً بهذه الإتفاقيات أن تسقط و يسقط – ايضاً - هؤلاء لتجاهلهم حقوق المواطن فى دارفور المشروعة و المهضومة و عدم أعتبار قضية الأمن و إعادة بناء القرى و إبعاد شبح القتل اليومى بواسطة الحكومة و الجانجويد عن المواطن حتى فى داخل المدن الكببيرة فضلاً عن المناطق النائية. ليس عيباً أن تكون فى دارفور حركاتٌ متعددة و كما أنه ليس عيباً أن تكون لدى الحركات و القادة أراء مختلفة و متباينة و لكن العيب ألآ نحتمل بعضنا البعض. و العيب ألا نتفق على القضايا الأساسية التى تشكل قضية دارفور اليوم. و العيب ألا نجد قاسماً مشتركاً فيما بيننا و العيب كذلك ألا نستطيع أن نتفاوض على إستراتيجية واحدة تحمل جميع عناصرقضية دارفور الأساسية من إلزام و إبعاد الحكومة و مليشياتها بعيداً عن المواطن فى دارفور. و إجبار الحكومة على بناء جميع القرى التى أحرقتها بواسطة طيرانها أو بواسطة مليشيا الجانجويد. و أجبار الحكومة على طرد كل المهجرين الذين جلبتهم من خارج السودان والذين إستخدمتهم فى قتل أهل دارفور و حرق قرى دارفور من جميع حدود دارفور حتى يستطيع أهل القرى من العودة إليها آمنين غير مرعوبين عندما توفر الحكومة جميع مستلزمات الحياة الحرة والكريمة. لقد غرق أمين حسن عمر فى وحل مستنقع دارفور بتكبره و بتفلسفه و بعنهجيته وعجرفته مثلما غرقت حكومته من قبل بتهميشها أرض دارفور و بإستحقارها أهل دارفور. و لكن الغريب أن يغرق قادة الثورة و النضال فى دارفور فى ذات المستنقع و ذلك بتجاهلهم المطالب الأساسية لأهلهم فى فيافى دارفور و بتلهفهم للسلطة و المال كلما تحدثوا عن قضية دارفور مع الحكومة. و غرقوا كذلك بتسليط ألسنتهم على أخوانهم فى الحركات الأخرى بسقط القول و سوء النعت كما يفعله خليل وولله إن هذه ليست من خصال قائد لمثل قضية دارفور! لآنها تفرق و لا تجمع و تبعد ولا تقرب. ونحن اليوم أحوج ما نكون الى الوحدة و الترابط و التعاضد لآننا جميعاً نحمل عنواناً عريضاً واحدا و هو أقليم دارفور بكافة محتوياته. و إن قضية دارفور اليوم لا تعوزه إلا القيادة المناسبة لتكسب الرهان لدى المتنمر المؤتمر الوطنى فهو ولله نعامة إذا إتحدتم لكنه الشيظان الذى يقرق بين المرء و زوجه إذا إفترقتم فيفعل بكم ما شاء من إفاعيل الإبليس، فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم!! فهل يعى هؤلاء القادة الدرس من معاملة المؤتمر الوطنى مع جنوب السودان و شعبه؟ أفلم يتعامل المؤتمر الوطنى مع مشكلة شعب جنوب السودان بنفس الأسلوب و الإستراتيجيات الى يتعامل بها مع قضية دارفور طيلة الفترة ما قبل نيفاشا؟ أفلم تفرض الوحدة فقط (وحدة الجنوبيين) الحل السلمى مما أجبر أهل الإنقاذ لتوقيع إتفاقية السلام الشامل فى نيفاشا مرغمين غير مختارين؟ افلم يكن ترابط و تماسك و تعاضض الجنوبيين هو الذى جعلهم أن يصمدوا فى وجه كل انواع المكايدات الى يحيكها أهل الإنقاذ و المؤتمر الوطنى حتى كادوا أن يصلوا الى برالأمان و نيل إستقلالهم الشريف من جبروت الشمال المتمثل فى هذه الطغمة الظالمة - و الذين إسودَّت وجوههم فى الدنيا قبل الآخرة - التى تحمى نفسها بجميع الوطن؟ إذا كان العاقل من إتعظ بغيره، فما هى العظة التى فهمناها نحن (قادة دارفور) من مسيرة شعب جنوب السودان المناضل و هو قد ضرب أروع الأمثلة لكل المهمشين و المظلومين ليس فى السودان فحسب بل لكل إفريقيا و العالم؟ فالسلام فى دارفور يبدأ بإبعاد اليد القاتلة و الباطشة عن الضحية و تهيئة الظروف المناسبة لأبسط مقومات الحياة الكريمة و ذلك لا يتأتى إلا بإعادة بناء جميع قرى دارفور المحروقة و توفير الخدمات و مقومات الحياة الأنسانية حتى يستطيع أهل دارفور من العودة من معسكراتهم فى الداخل و الخارج إلى قراهم و فرقانهم فهل نفهم الدرس اليوم؟ Ali Jubran [[email protected]]