شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل بوصلة رقص مثيرة وهي تدخن "الشيشة" على أنغام (مالو الليلة) والجمهور يتغزل: (خالات سبب الدمار والشجر الكبار فيه الصمغ)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الثلاثاء    شاهد بالفيديو.. الناشطة السودانية الشهيرة (خديجة أمريكا) ترتدي "كاكي" الجيش وتقدم فواصل من الرقص المثير على أنغام أغنية "الإنصرافي"    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل بوصلة رقص مثيرة وهي تدخن "الشيشة" على أنغام (مالو الليلة) والجمهور يتغزل: (خالات سبب الدمار والشجر الكبار فيه الصمغ)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الثلاثاء    سعر الدولار في السودان اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024 .. السوق الموازي    سعر الجنيه المصري مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    مصر.. وفيات بغرق حافلة في الجيزة    قادة عالميون يخططون لاتفاق جديد بشأن الذكاء الاصطناعي    صلاح ينهي الجدل حول مستقبله.. هل قرر البقاء مع ليفربول أم اختار الدوري السعودي؟    معتصم جعفر:الاتحاد السعودي وافق على مشاركته الحكام السودانيين في إدارة منافساته ابتداءً من الموسم الجديد    عائشة الماجدي: (أغضب يالفريق البرهان)    رئيس لجنة المنتخبات الوطنية يشيد بزيارة الرئيس لمعسكر صقور الجديان    إجتماعٌ مُهمٌ لمجلس إدارة الاتّحاد السوداني اليوم بجدة برئاسة معتصم جعفر    احاديث الحرب والخيانة.. محمد صديق وعقدة أولو!!    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    كباشي يزور جوبا ويلتقي بالرئيس سلفاكير    عبر تسجيل صوتي.. شاهد عيان بالدعم السريع يكشف التفاصيل الكاملة للحظة مقتل الشهيد محمد صديق بمصفاة الجيلي ويؤكد: (هذا ما حدث للشهيد بعد ضربه بالكف على يد أحد الجنود)    عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام الفريق أول ركن ياسر العطا يستقبل الأستاذ أبو عركي البخيت    موعد تشييع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه    البرهان ينعي وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي    علي باقري يتولى مهام وزير الخارجية في إيران    الحقيقة تُحزن    شاهد بالفيديو هدف الزمالك المصري "بطل الكونفدرالية" في مرمى نهضة بركان المغربي    مانشستر سيتي يدخل التاريخ بإحرازه لقب البريميرليغ للمرة الرابعة تواليا    الجنرال في ورطة    إخضاع الملك سلمان ل"برنامج علاجي"    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجامعة العربية: قراءة في طبيعة الدور السلبي .... بقلم: علاءالدين أبومدين
نشر في سودانيل يوم 10 - 08 - 2010

سألت أحد القادمين من الخرطوم عن دور الجامعة العربية في مراقبة الانتخابات السودانية ابريل الماضي فرد قائلاً "دي بعثة السجم والرماد". السودانيون يستخدمون تعبير "المطره سجمت الواطه" (أو الواطئة التي تعني الأرض في عربية السودان، من وطأ بمعنى داس بقدمه) في معنى أن الأمور بلغت حداً من السُوء لا يُبارى. وكلمة (سجم) كلمة عربية فصيحة مُستخدمة في عربية السودان حتى الآن للدلالة على المبالغة في الأمر. لا سيما، إذا كان هطلاً غزيراً. أما كلمة (الرماد) فمن أحد معانيها في فصيح اللغة العربية معنى (الهلاك)؛ ومنها جاءت تسمية (عام الرمادة المشهور في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب). طبعاً شتان بين تحري عمر بن الخطاب للعدالة، وتحري عمر البشير للظلم. ويبدو أن وصف بعثة الجامعة العربية بكونها (بعثة السجم والرماد)، قد أراد منه صاحبنا التعميم أكثر من التخصيص. لكأنه يقول "الانتخابات كلها سجم ورماد". لكن حديثه ينطوي في جانب منه على عشم في غير محله، كما ينطوي من جانب آخر على عدم معرفة بحدود الدور الذي يُمكن أن تلعبه الجامعة العربية في عمليات التحول الديمقراطي في المنطقة، خاصة عندما يكون غالب طاقمها مصرياً. فالجامعة العربية منذ التأسيس وحتى الآن قد عجزت عن التحول من مؤسسة شمولية لمؤسسة ديمقراطية. المحاولات التي جرت لإشراك المجتمع المدني العربي في الجامعة العربية، فشلت في فك الإرتباط بين الأنظمة العربية الحاكمة ومؤسسة الجامعة العربية. لذلك كان طبيعياً في بعض الأحايين أن تتحول الجامعة العربية لمجرد مؤسسة دعم لسياسات وزارة الخارجية المصرية. بعثات المراقبة الأُخرى الأفريقية والأمريكية بشكل خاص جانبت الصواب أيضاً، حينما حصرت جُل جهدها في ضمان انفصال سلس لجنوب السودان؛ ثم التفرُغ لاحقاً لمعاقبة نظام عمر البشير. وبينما لا تضمن التنازلات حصول انفصال سلس. فإن هذا التقدير الأفريقي- الأمريكي لا يشي فقط باستبعاد وتحجيم العامل السوداني الداخلي، بل يحكي أيضاً عن تعالي وسوء تقدير لحرص القادة السودانيين على عدم وصول الدولة السودانية لمرحلة الفوضى والانهيار. رغم توقهم في نفس الوقت لحدوث تغيير ديمقراطي. هذا التشوق للديمقراطية والتشوف لإرهاصات المستقبل، هما سر السلوك الحضاري الراقي للشعب السوداني أثناء كافة مراحل العملية الانتخابية بالسودان. وهو السبب الرئيسي لتردد قوى المعارضة وعدم قدرتها على حسم مواقفها مبكراً. بينما يبرز التنافس الحزبي كعامل ثانوي في حسم طبيعة حراك هذه المعارضة. من المُرجح في ظل ذلك أن تتوجه المعارضة السودانية للضغط على الحزب الحاكم عبر المزج بين العمل العسكري والعمل المدني. حسب صيغة المقاومة الايرلندية، قبل اتفاقها لاحقاً مع الحكومة البريطانية.
لكن العرب والمسلمين السودانيين شعروا بغضب وغثيان حقيقي جراء موقف المبعوث الرئاسي ومسئول ملف السودان بمصر اللواء (حاتم باشات)، وإعلانه من الخرطوم في يوم السبت 3/4/2010م (قبل بداية الاقتراع) دعم مصر لمرشح المؤتمر الوطني المطلوب دولياً (عمر البشير). لا بل دعوة قوى المعارضة السودانية لعدم مقاطعة التصويت. أسفر الموقف المصري الرسمي عن تراجع الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل (اللصيق بمصر)، عن موقف مقاطعة التصويت إلى المشاركة الفعالة. بينما أصرت أحزاب المعارضة الأخرى الكبيرة والصغيرة على مواقفها الرافضة للمشاركة في عملية التصويت، باستثناء التحالف السوداني بقيادة عبد العزيز خالد. كما أصاب السودانيين الغثيان أيضاً جراء ميل بعثة الجامعة العربية (المصرية الطابع) في ظل شكوك حول حصولها على رشاوى من حزب عمر البشير، للعمل كمُحلل لتزوير إرادة الناخب السوداني عبر ما عُرِفَ سودانياً بعمليتي الخج والتزوير الفج! كلمة (خج) تُلخص جماع حركات التحريك والهز الشديدين التي قام بها المزورون. وهي أيضاً حسب قاموس العربية، كلمة فصيحة من معانيها (الدفع، والشق، والالتواء) ما فتئ السودانيون يستخدمونها في دارج العربية السودانية. وكانت قناة العربية الفضائية قد بثت شريطاً مصوراً يقوم فيه أعضاء في لجنة انتخابية بشرق السودان (بزيهم وديباجتهم الرسمية)؛ بعملية خج لصناديق الاقتراع عقب انتهاء مواعيد الاقتراع الرسمية لتسهيل إدخال حزم من أوراق الاقتراع لجهة يُشتبه بأنها حزب عمر البشير المطلوب دولياً!! فما هي طبيعة هذا الموقف المصري- العربي الذي يدفع عملياً بوعي أو بدون وعي باتجاه انفصال جنوب السودان؟
الكلمة المفتاحية في طبيعة الموقف المصري والعربي هي عدم فهم الواقع السياسي السوداني وطبيعة الشخصية القومية السودانية (National Character). لذلك فقد كانت تقديراتهم مبنية على ما هو قائم في مصر والبلدان العربية (نوع من الإسقاط)، وليس نتيجة قراءة موضوعية وعلمية للواقع السوداني. إذ لا يعكس الإعجاب المشوب بالحذر من طرف المصريين والعرب تجاه الشخصية السودانية وقيمها وتقاليدها (أي ثقافتها) موقفاً إيجابياً بناءاً؛ طالما يشتكي العرب والمصريون من تعقيد الواقع السوداني وعدم قدرتهم على فهمه، ويشتكي السودانيون من ممارسات عنصرية ضدهم في البلدان العربية. لا سيما مصر؛ الرائدة عربياً في الدراما والأفلام السينمائية التي تُسئ للسود والسودانيين (ومنهم العرب السود) في شكل تنميط عنصري حامض؟ هكذا سوف يكون المصريون خصوصاً والعرب عموماً، الأكثر تفاجئاً من تطورات سودانية قادمة لا محالة.
الوجود المصري الكبير في بعثة الجامعة العربية لمراقبة الانتخابات السودانية، اشار إلى الدور المصري البارز في تأسيس الجامعة العربية وفي صياغة دستورها غير الديمقراطي. فقد فصَّلت مصر دستور الجامعة العربية في منتصف الأربعينات على قياسها؛ بطريقة تكفل لها السيطرة على منصب الأمين العام للجامعة العربية، وتؤكد في نفس الوقت على العاصمة المصرية كمقر دائم لمؤسسة الجامعة العربية. وإذا كان ذلك قد تم في مرحلة كانت فيها معظم الدول العربية ترزح تحت الاحتلال الأجنبي، فإن إصرار دولة مصر على بقاء الأمر على حاله يعكس رغبة مصرية عُليا في السيطرة على مقاليد الأمور بالجامعة العربية. حيث جاءت القوانين المحلية لتُكرس شبه سيطرة مصرية كاملة على دهاليز الجامعة العربية ومطابخ صُنع القرار فيها. أدى ذلك بالطبع لابتعاد الجامعة العربية عن أشواق وطموحات الجماهير العربية في الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية. الأمر الذي دعا دولة الجزائر لقيادة مبادرة لدقرطة الجامعة العربية عبر مسألة التداول الديمقراطي لمنصب الأمين العام للجامعة العربية.
وقد مارست مؤسسة الجامعة العربية بوضعها الموروث هذا دوراً سلبياً في الواقع العربي. إذ صدر بقرار من مجلسي وزراء العدل والداخلية العرب في عام 1998م ما يُعرف باسم (الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب)؛ التي استُخدمت ضد معارضين سياسيين من دُعاة العلمانية والديمقراطية في المنطقة. وجرت تفاصيل عملية اعتقال وتسليم قائد قوات التحالف السودانية العميد/ عبدالعزيز خالد إلى الخرطوم في إطار هذه الاتفاقية. كما قام مجلس وزراء الإعلام العرب بجامعة الدول العربية في يوم الثلاثاء 12/2/2008م بإجازة وثيقة عُرفت باسم (مبادئ تنظيم البث والاستقبال الفضائي والإذاعي والتلفزيوني في المنطقة العربية)، تحفظت عليها دولة قطر، وقامت كل من مصر والسعودية بدور بارز في صياغتها وتمريرها. وهي وثيقة ما برحت تُثير جدلاً ونقاشاً كبيرين في أوساط الناشطين العرب. فالوثيقة متهمة من قبل الناشطون بأنها تهدف لتكميم الأفواه ومصادرة الرأي الآخر.
لذلك لم يكن غريباً أن يُكرر رئيس بعثة الجامعة العربية لمراقبة الانتخابات العامة السودانية/ صلاح حليمة (المصري الجنسية) نفس حُجج السلطة المصرية في تعذُر قيام انتخابات حُرة ونزيهة في مصر، في سياق بيئة سودانية مختلفة لا يدرك تفاصيلها!! بل أن يتحدث دون تثبُت أو احصاء مُبين عن نسبة أمية في السودان تبلغ "70%" وعن بُعد الشُقة بين السودانيين، وآخر ممارسة ديمقراطية قبل حوالي ربع قرن من الزمان. بينما جرت في الواقع عدة انتخابات سودانية على شاكلة الانتخابات والاستفتاءات المصرية إبان حكم الإسلامويين السودانيين؟ لكن الاعتداد الشديد بالنفس لدى السودانيين منعهم من حسبانها في حساب الانتخابات. وبهذه المقاييس النزيهة فإن آخر انتخابات حقيقية في مصر؛ قد حدثت قبل أكثر من نصف قرن من الزمان (حوالي58 سنة). ناهيك عن أن وجود ممارسة ديمقراطية في السودان يُحرج النظام المصري مع الناشطين المصريين (فقد طالب أعضاء في مجلس الشعب المصري وآخرين؛ بديمقراطية مُضاهية لما هو موجود بالسودان أثناء فترات ديمقراطية سودانية). تماماً كما يُحرجهم حصول المرأة السودانية على مناصب عالية في القضاء السوداني والسلطة التنفيذية. مثلما برز في سؤال مذيعة مصرية على التلفزيون المصري لقيادية مصرية حول "تأخر حصول المراة المصرية على هذا الحق رغم حصول المرأة في دول أقل تطوراً كالسودان على هذا الحق قبل عدة سنين" وذلك إبان المعركة القانونية لإجازة هذا الحق. الذي يُواجه الآن مُماطلات جمة بُغية منع تطبيقه. الجدير بالذكر أنه رغم الردة التي طرأت على حقوق المرأة السودانية مؤخراً، وتسببت في جلد المرأة السودانية النبيلة لمجرد ارتداء سروال طويل؛ فلا شك أن وضعها أفضل من وضع بعض العربيات. كما أن سلوك الشعب السوداني الراقي أثناء سير العملية الانتخابية، أحرج هذه الرؤية الفطيرة (غير الناضجة) لصلاح حليمة رئيس بعثة الجامعة العربية لمراقبة الانتخابات السودانية. ولربما إذا استدبر ما استقبل لأتخذ لبعثته حججاً أخرى في السياق السوداني. لأنه رغم مُجاراة عدد مُقدر من الصحف المصرية الحكومية والمعارضة، لخط رئاسة الجمهورية المصرية المتماهي مع خط بعثة الجامعة العربية. فإن صحيفة (المصري اليوم) المحسوبة على المعارضة، اضطرت للقول لاحقاً على لسان مراسلها المصري بالخرطوم " المواطنون على درجة عالية من الثقافة والوعي بقضايا الشارع السوداني، لا يهم المستوى التعليمي، فقط يكفي أن يكون سودانياً يقرأ له "زول" الجريدة إن كان لا يجيدها، أو يستمع إلى إذاعة (( بي. بي. سي)) التي أدمنها السودانيون وصاروا الجمهور الأول للإذاعة الإنجليزية العريقة" وذلك في الصفحة رقم 11 بالعدد رقم 2133 الصادر يوم الجمعة 16/4/2010م. طبعاً لا يدرك الكثير من السودانيين أن كلمة "زول" هي كلمة عربية فصيحة، دع عنك مصري لم يسمع بها سوى في السودان. وقد ورد هذا في إطار المقارنة للصحفي المصري بين عمال وصُناع في بلده، وآخرين في السودان. في سياقٍ شبيه تتداول أوساط المعارضة التجمعية فيما هو أشبه بالنكتة تلخيص وزير مصري شهير للمُشكلة السودانية (مشكلتكم هي أنه لا يوجد فرعون؟)، ولما رأى الدهشة على وجهي القياديين البارزين من التجمع الوطني الديمقراطي (السوداني) اللذان كانا معه، أوضح لهم فكرته (أنا لدي فرعون واحد أعلى مني.. إذا طلب مني عمل أي شيء أنفذه له فوراً.. المشكلة في السودان أنكم كلكم فراعنة..!!). يتقاطع مع جذور نفس الفهم ما اعتادت على تكراره د. إجلال رأفت القيادية بحزب الوفد المصري من أن (جوهر المشكلة السودانية هو أن المجتمع السوداني أقوى من الدولة.. !!). هذا يوضِّح طبيعة الحل التي يُمكِّن أن يوصِّي به هؤلاء!! والتي قد تكون محاولات مُستميتة من طرف الفاعلين الحكوميين المصريين باتجاه فصل (العسكري) عمر البشير عن حزب المؤتمر الوطني الإسلاموي!! وما يجري أثناء ذلك من شراء للذمم ورشاوى في لعبةٍ أثبت الإسلامويون حتى الآن أنهم يُجيدونها تماماَ.
صحيح أن الغالبية العُظمى من أفراد النخبة السودانية يؤمنون بأن وجود نظام ديمقراطي في السودان يُشكل مصدر قلق كبير للنظام المصري، لذلك كان النظام المصري داعماً دائماً لأي نظام استبدادي في السودان. وصاحب مشاكل متعددة المستويات والمجالات مع أي نظام ديمقراطي سوداني. لكن الجانب الآخر من الصورة لا يبدو واضحاً بما فيه الكفاية أمام النخبة السودانية. فبعضهم لا يُدرك أن تاريخ مصر منذ مطلع القرن العشرين هو تاريخ حالة طوارئ مستمرة؟ ففي حوالي أربعين عاماً منذ سنة 1939م وحتى عام 1980م سادت حالة الطوارئ في مصر لأكثر من ثلاثين عاماً. أي أن ثلاثة أرباع الأربعين عاماُ، كانت تحت حالة الطوارئ. كما أُعلنت حالة الطوارئ سنة 1981م وظلت مستمرة حتى الآن، أي لحوالي ثلاثين عاماُ " تتحرر فيه السلطة التنفيذية من كل ضمانات دستورية تتعلق بالحقوق والحريات العامة وتتغول على اختصاصات كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية على حد سواء الأمر الذى يصبح معه الحديث عن ضمانات الحقوق والحريات والفصل بين السلطات واستقلال السلطة القضائية وضمانات المحاكمة العادلة من قبيل الصياغات الفقهية التى تتهددها سلطات الطوارئ المفرطة "، حسب ورقة قدمها د. محمد نور فرحات (المصري الجنسية) وأستاذ القانون الدستوري في مؤتمر عقد تحت عنوان (الطوارئ وأزمة الحريات العامة في مصر). لذلك يبدو الدكتور/ محمد البرادعي مؤسس حركة التغيير الديمقراطي ورئيس وكالة الطاقة الذرية السابق كمن يحرث في البحر. ففي وقتٍ يُجهد فيه نفسه مطالباً بإلغاء حالة الطوارئ (المُعلنة رئاسياً) وإجراء تعديلات دستورية تٌتيح تنافساً حُراُ ونزيهاً على منصب رئيس الجمهورية بمصر حيث يستشهد على ضرورة هذا التغيير بازدياد المظاهرات والوقفات النقابية المطلبية؛ يحمل المعتصمون على رصيف مجلس الشعب المصري صُور الرئيس حسني مبارك ويهتفون باسمه طالبين نُصرته في مطالبهم النقابية.
في الجانب المصري، يعكس هذا تجذُّر مفهوم وثقافة الفرعون- الإله، أو (الحاكم- الإله) في الثقافة المصرية. حيث لم يحكم المصريون بلادهم في عدة فترات لعدة قرون متصلة. كما ظل هدف كل حالم بإمبراطورية؛ السيطرة على مصر بسبب موقعها الجغرافي الممتاز. للدرجة التي تحول فيها اضطهاد السكان الأصليين (Indigenous People) من النوبيين في مصر، من ظاهرة مؤقتة مرتبطة بالفترة الاستعمارية لسُنةٍ مُتواترة في السياسة المصرية خاصة بعد تغيُّر التركيبة الديمغرافية لمصر بسبب الهجرات المُتتالية. طبيعة النشأة والتكوين لدولة مصر قديماً وحديثاً كمستعمرة أساساً، ومحل صراعات دولية متعددة الجنسية لاحقاً، وسمت الشخصية القومية المصرية بطابعها الحالي. يقول د. أحمد زايد "سمة التناقض والازدواجية من أبرز السمات التي تسم سلوك المصري المعاصر" في الصفحة رقم 164 من دراسة له بعنوان (المصري المعاصر: مقاربة نظرية وإمبيريقية لبعض أبعاد الشخصية القومية المصرية) صادرة عن مكتبة الأسرة في عام 2005م. ومن سمات الشخصية القومية المصرية أيضاً التخوف من الغريب وعدم الثقة فيه. حيث يُلاحظ أنه عند اشتداد الأزمات في مصر، أن الصراع بدلاً من أن يتوجه أساساً للنظام (صانع الأزمة)، يتحول لصراع أساسي بين مكونات الشعب المصري، وصراع ثانوي مع النظام. بما يُحيل إلى صورة كوميونات Communes طبقية واجتماعية متعددة ومنكفئة على نفسها. ينجح النظام غالباً في تحريكها واعادة توجيه غضبها للخارج (اسرائيليين، أفارقة (سودانيين)، أمريكان.. إلخ). بينما يظل رأس النظام على الأقل بمنأى لحدٍ كبير عن أن تنتاشه سهام المعارضة أو لسانها. إذا استثنينا عملية اغتيال الرئيس أنور السادات. هذا يُفسِّر مواقف المعتصمين النقابيين على رصيف مجلس الشعب بشارع القصر العيني بوسط القاهرة. كما يُفسِّر تفشي ظاهرة موظف الدولة المستنير ممسوخ الإرادة والاستقلالية؛ رُغم وجوده في مركز قيادي.
في هذا المناخ لم يكن غريباً اقتصار بدايات نويات الحركة الديمقراطية المصرية المعاصرة على أوساط طلابية وخريجين لهم علاقة بالتعليم الأجنبي، وبمنظمات مدنية وحقوقية. حقيقة الوضع تكمن في أنه منذ ظهور الحركة الأُم في شتاء 2004م، (الحركة المصرية من أجل التغيير) المعروفة باسم (كفاية)، مروراً بجمعية البرادعي وتأسيس (جماعة العمل الوطني) في مارس 2010م، بأهدافها في توحيد جهود ومطالب الحركة الديمقراطية المصرية المعاصرة، ؛ لم يناقش الفاعلون السياسيون بجدية كافية، مسائل ضعف القدرات التنظيمية وضعف التجربة السياسية. رغم أن تضافر وتشابك طلاب وخريجين معظمهم من الجامعة الأمريكية في موقع الفيس بوكFace book) )، كان مؤشراً على مدى تأثُر الحكومة المصرية لدرجة الدخول حينها في صراع سجالي مع إدارة الموقع الشهير. بلا شك أن هذه النويات انفتحت لاحقاً بشكل غير مدروس على أوساط طلابية ونخبة مصرية وعمالية في مواقع أخرى. المؤكد أن هذا الانفتاح جلب معه زخماً في بداياته، كما جلب أيضاَ سلبيات عدم التقارب الفكري، وتفاوت مستوى الوعي السياسي الذي أنتج صراعات بين نويات الحركة الديمقراطية المعاصرة تسببت لاحقاً في تضعضع وحدتها وانحسار زخمها وإضعاف قوتها المتوقعة. لكن أكثر ما يتحسر عليه المُراقب للشأن المصري، هو التبديد الكبير الذي حدث في حجم ونوع الطبقة المستنيرة في مصر، التي كانت أكثر فعالية وتأثيراً في زمن غابر بسبب التفاعل بين تطاول أمد النظام الشمولي والسياسات الاقتصادية الخاطئة وهجرة العقول المصرية للخارج فضلاً عن ضعف التجربة السياسية المصرية؛ بسبب استمرار منع النشاط السياسي بكل الجامعات بجمهورية مصر العربية منذ صدور لائحة الاتحادات الطلابية عام 1979م. بما يعني أن النشاط السياسي في الجامعات بمصر ظل ممنوعاً لحوالي ثلاثين عاماً حتى الآن. زد على ذلك أن الذي أنجزه المصريون في دستور 1923م قد تم التراجع عنه كثيراً، مقارنة بالدستور الحالي. على الرُغم من أن دستور 1923م في تواصل مع فكرة الحاكم- الإله، قد أعطى الملك صلاحيات مهولة في المادة 38 منه. إذ تُتيح له تلك المادة، من بين صلاحيات أخرى؛ حق نقض القوانين التي أجازها البرلمان المصري. كما أن ما ابتدره الإمام جمال الدين الأفغاني وتلميذه المصري الإمام محمد عبده من تجديد ديني وتنوير، أصبح محل خلاف بين أوساط النخبة المصرية الحالية.
في الواقع لا يعرف الكثير من السودانيين والأجانب أن الوجود السوداني بمصر قد ساهم بشكلٍ كبير في زيادة الوعي الحقوقي وكسر حاجز الخوف لدى المصريين. هذه حقيقة أعرفها كمتابع من داخل مصر للشأن المصري على مدى عشر سنوات متصلة. وتوجد أدلة عديدة على ذلك، منها على سبيل المثال لا الحصر، أولاً: التدريب الذي أقامه مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بالقاهرة لطلاب مصريين وخريجين سودانيين معظمهم من اللاجئين حوالي عام 2005م بغرض التعريف بحقوق الإنسان. وفي إطار إطلاع الطلاب المصريين على تجربة النشاط السياسي بالجامعات السودانية، جرت حينها أحداث واقعة طريفة، تمثلت في هرولة عدد من الطلاب المصريين لواذاً نحو السلالم والمصاعد للخروج من مركز الدورة التدريبية؛ أثناء العرض الحي لركن نقاش بجامعة سودانية قدمه خريجون سودانيون. بما في ذلك النداء من أجل التجمع لمخاطبة سياسية (فيما يُعرف باسم ال Calling في الثقافة السياسية بالجامعات السودانية).. ثانياً: المتابعة اللصيقة لبعض طلاب الجامعة الأمريكية وناشطين مصريين لاعتصام اللاجئين السودانيين وكسره في نهاية عام 2005م، وتأثير ذلك الاعتصام على تصاعد الأنشطة النقابية المطلبية بمصر وفقاً لأقوال عدة جهات ذات صلة. ثالثاً: طلب جهات أمنية مصرية من جهات سياسية سودانية بالقاهرة أن يطلبوا من السودانيين الكف عن الحديث عن السياسة ومجزرة اللاجئين وتوابعها بالمقاهي المصرية، حسب مصادر مُطلعة.. إلخ.
من جانبٍ آخر، غنيٌ عن القول أن الحضارة الإسلامية قد تراجعت واضمحلت وانهارت قديماً بسبب التفاعل بين تطاول أمد الشمولية وفساد السياسات الاقتصادية. عملياً ظل نفس السببين يُقعدان بالكثير من العرب والأفارقة عن اللحاق بركب التنوير والتحديث والتنمية المُستدامة. بل أُضيف لهما أخيراً هجرة العقول العربية والأفريقية. هذا يُزكيِّ ضرورة عصر تنوير عربي وأفريقي جديد يرتكز على إصلاح التعليم حسب منهج (التفكير النقدي). منهج تفكير نقدي يُعلي من قيمة العقل والحوار العلمي الموضوعي والتفكير فيما هو خارج إطار المألوف (Out of the Box). لا سيما في تشذيب للعصبية الفردية والقبائلية الأفريقية والعربية بما يرفُد فكرة وممارسة الديمقراطية، وفي عتق للمصريين نهائياً من أسر تداعيات ثقافة شمولية قد استطالت.
أما في الجانب السوداني، فقد تضافرت عوامل البيئة والتنوع الثقافي والإثني في خلق مجتمعات شبه مُكتفية ذاتياً، لا تتخوف من الغريب وتمتاز بالاعتداد الشديد بالنفس والتردد. لدرجة يُمكن فيها القول أن السمة الرئيسية للشخصية القومية السودانية هي الاعتداد الشديد بالنفس، بينما سمة التردد هي سمة ثانوية. حيث يشتغل كل ذلك الآن سلبياً في عملية شبيهة بتدمير الذات تعصف بأركان الدولة السودانية. بينما يُمكن استثمار الاعتداد الشديد بالنفس ايجابياً في عمليات التغيير والبناء والتنمية المُستدامة. لذلك لم تقلق الغالبية العُظمى من السودانيين من احتمالات تسليم أو إلقاء القبض على الرئيس عمر البشير، إذ لا يوجد بالسودان تماهياً بين الحاكم والدولة كما هو الحال في مصر وبعض الدول العربية. وهكذا بينما رأت النخبة الحاكمة في مصر في قبول المعارضة السودانية تسليم الرئيس عمر البشير خروجاً عن القاعدة ووقاحة (قلة أدب)، سوف تؤدي إلى تفكك الدولة السودانية. كانت المعارضة السودانية ترى في بقاء البشير على سُدة الحكم خطراً يُهدد وجود الدولة والكيان السوداني في أساسه. ناهيك عن تخوُف بعض القادة العرب من تحول أمر القبض على الرئيس البشير لسابق. قد تطالهم يوماً ما. الخُلاصة أن نجاح الشمولية والقمع في تحقيق استقرار وتنمية لحدٍ ما في بعض بُلدان الشرق الأوسط؛ لا يعني بالضرورة إمكانية غرس ونجاح ذلك في التُربة السودانية. لذلك ندعو كل وطني عاقل لإعادة النظر كرَّتين في مآلات الشمولية والقمع على الصعيد السوداني. يقولون "العاقل من اتعظ بغيره"، ولا أدري بماذا أصف من لا يتعظ بتجربته الخاصة! حينما يسعى حثيثاً لاستنساخ نموذج ثبُتَّ بالتجربة أنه لا يُناسب الثقافة والقيم السودانية؛ دع عنك أنه ما برِّح يُهدد الدولة والكيان السوداني في أساسه.. لا يغيب عن البال طبعاً مساعي دولة مصر للسيطرة على المزيد من الموارد الطبيعية والبشرية السودانية سواءً عبر الاحتلال المباشر مثلما هو حاصل في مثلث حلايب والحوض النوبي أو بالضغوط على عضوية المؤتمر الوطني للحصول على مزايا تفضيلية للجانب المصري، في الاستفادة من الموارد الطبيعية السودانية. وبطريقة لا تُراعي المصالح الوطنية العُليا للشعب السوداني.
لكن هل تسبب كل ذلك في تغيير الحقائق على الأرض؟
طبقاً لحسابات المفوضية القومية للانتخابات السودانية، فإن عدد الناخبين السودانيين المُسجلين (أي من يحق لهم التصويت)، قد بلغ أكثر من 16 مليون سوداني. وبناءاً على أرقام فوز مرشح المؤتمر الوطني البالغة أكثر من 6 ملايين صوت؛ يكون بذلك حوالي 10 ملايين سوداني لم يصوتوا لمرشح المؤتمر الوطني المطلوب للعدالة الدولية. القول الدارج بين الناس أن "الأرقام لا تكذب"، أو كما يقول السودانيون " الحساب ولد"؛ في معنى أنه رقم مجرد لا تعيقه طبيعة الخجل الأُنثوي عن الظهور والإفصاح. وهكذا فقد فاز البشير المطلوب دولياً بأكثر من ستة ملايين من أصوات الناخبين السودانيين، بينما لم يُصوِّت له حوالي عشرة ملايين ناخب سوداني!! تُعبِّر عن هذا الوضع الغريب النكتة السياسية السودانية عن الانتخابات الأخيرة بالآتي:
سأل الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر، الرئيس السوداني البشير قائلاً: هل أنتم جاهزون للانتخابات؟
فرد عليه الرئيس البشير: نعم، حتى أسماء الفائزين جاهزة.
المؤكد أنه في إطار العلاقة السودانية- المصرية لم يدخر الناشطون السودانيون بمصر جهداً في سبيل تبيان خطر المؤتمر الوطني الحاكم على وحدة السودان. ولم تُعرهم الجهات الرسمية المصرية آذاناً صاغية بل دعمت على أعلى مستوى ترشيح عمر البشير عشية الانتخابات السودانية العامة في أبريل 2010م. مما جعل الناشطين السودانيون يضربون كفاً بكف وهم يرددون المثل السوداني البليغ "أقول له تيس، يقول لي احلبه". كأن النخبة المصرية الذكية المرتبطة بالسلطة قد أدمنت الإمساك بالعصا من المنتصف والتوصية بالاستمرار في حلب التيس!! بدلاً من رؤية استراتيجية تُحافظ على مصالح الجميع دون أن يتململ أحد، أو يشعر أن يده هي السُفلى. ناهيك عن تعكير دم سوداني ليكشف أن الأمرَ برمتهِ محضُ مسخرةٍ في سجمٍ في رمادٍ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.