سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصلحة أميركا الأولى -الآن - لصالح دولة الجنوب
الخبير السياسي د. بكري عثمان سعيد في افادات جريئة
نشر في الصحافة يوم 30 - 11 - 2010

٭ يتميز الدكتور بكري عثمان سعيد المفكر السوداني الواسع الاطلاع والمتخصص في القضايا الدولية، بحكم وجوده خارج السودان لسنوات طويلة، فقد عمل في المجال الأكاديمي والبحوث والدراسات، وهو ذو نظرة ثاقبة، وكثير الإلمام بالعلاقات الدولية ذات الصلة بالسودان، وها هو يحدثنا عن ماضي وحاضر ومستقبل العلاقات السودانية الامريكية، ولعلَّ إفاداته في هذا الحوار الصريح تلقى ضوءاً على تلك العلاقة المضطربة على الدوام.
٭ في بداية الحديث معه قلت له، ماذا تريد الولايات المتحدة الأمريكية من السودان؟ ولِمَ تتخذ مواقف متشددة من بلادنا، وتمضي في فرض العقوبات الاقتصادية وتضغط على حلفائها لمساندتها في موقفها هذا، يحدث هذا رغم أنه إلى وقت قريب كان السودان واحداً من حلفاء أمريكا ومن الدول الصديقة، خاصة في عهد الرئيس الراحل جعفر نميري.. نريد أن نقف على ماذا تريد أمريكا أن تفعل بنا وماذا تريد أن تفعل لنا؟
إن العلاقات بين الولايات المتحدة الامريكية والسودان حالياً هى محصلة لعلاقات استمرت طويلاً ومتأثرة بتوجه الولايات المتحدة في العالم، ويمكن أن نقدر الفترات الزمنية التي مرت بها تلك العلاقة صعوداً وهبوطاً وسلباً وإيجاباً، ولنأخذ مثلاً فترة ما قبل 3891م، حيث كانت الولايات المتحدة مشغولة الى أبعد الحدود بحديقتها الخلفية في أمريكا الجنوبية، وذلك عن طريق عملائها في تلك المنطقة، ولكن ذلك الاهتمام لم يؤثر على علاقتها القوية والاستراتيجية بأوروبا الغربية، وفي تلك الفترة وفي عام 3891 تحديداً قامت واشنطون بتغيير النظام الحاكم في جزيرة «جرينادا» في البحر الكاريبي، وتلك هى المرة الاولى التي تنتقي فيها امريكا قاعدة مخابرات بواسطة الاحزاب الداخلية استعداداً للتدخل العسكري المباشر لتغيير الأنظمة بالقوة، وقد حدث في ذلك الوقت أن أزالت عبر هذه الاستراتيجية الجنرال نوريقا حاكم بنما، وأجريت له محاكمة في الولايات المتحدة ومكث في السجن أكثر من عشرين عاماً، واستمرت أمريكا في انتهاج سياسة التدخل المباشر لتغيير الانظمة بالقوة، وتوجت ذلك بغزو العراق.
وقد نجحت أمريكا في بداية الأمر في سياستها هذه بحكم أنها تعاملت مع دول هشة وضعيفة وليست لها قدرات للمواجهة، ورغم ذلك فإن احتلال امريكا للعراق وأفغانستان شكل لها صدمة كبيرة بسبب الجثامين المحمولة والعائدة من هاتين الدولتين، وساعد هذا مع ظروف أخرى كالأزمة الاقتصادية على سقوط حزب المحافظين «أى الحزب الجمهوري»، وصعد الرئيس أوباما وحزبه «حزب الديمقراطيين»، فظن بعض الناس أن صعود أوباما ستصحبه صحوة أخلاقية في امريكا، لكن الإصلاح الأخلاقي في امريكا في ظل مجموعات الضغط «اللوبيات» «الصهيوني واليميني المتشدد والاقتصادي» يبقى أمراً بالغ الصعوبة.
٭ ألا ترى أن أحداث سبتمبر هزَّت المجتمع الامريكي هزة مروعة وأطاشت صواب الحكومة الأمريكية، ودفعت بالرئيس الامريكي الى أن يحارب بسيفه يميناً وشمالاً، بل ويحارب حتى طواحين الهواء، وشنَّ حرباً على ما سمَّاه بالإرهاب، وصعد من عنفه وعقوباته تجاه عدد من الدول، وخلق من بن لادن بعبعاً وأسطورة ستتحدث عنها الأجيال؟
في ظل القطب الواحد «أمريكا» اتجهت السياسة الامريكية توجهاً املائياً فرض الهيمنة والارادة على الآخرين، حيث شرعت في تنفيذ ما يُسمى بالحرب الوقائية التي أعطت نفسها حق التدخل في أية جهة في العالم لحماية مواطنيها وأمنها القومي، وكان هذا توجهاً جديداً لم يألفه العالم في هذا العصر الذي سادت فيه قيم حقوق الإنسان، وضربت امريكا عرض الحائط بكل تلك القيم، وتزامن هذا مع حكم الجمهوريين ذوي النزعة الامبريالية. وكانت البداية العراق وأفغانستان، ومازالت تدفع ثمن هذه المغامرات، ورغم سقوط الجمهوريين ومجيء أوباما لكن يبدو أن تغيير هذه السياسة من الصعوبة بمكان.
وعند مجيء أوباما للسلطة أمل الناس في أن يرسم خطاً جديداً يتسق ووعوده، مفاده أن امريكا تتعلم من اخطائها وتدرك أنها لا بد تعمل مع الآخرين، ونهاية عهد الأحادية الامريكية، التي هيمنت على العالم قرابة عقد كامل.
وهنالك عاملان لم يحسن الرئيس الامريكي التعامل معهما أو لم تكن تقديراته مناسبة، العامل الاول في كثير من القضايا قد تكون النخب سريعة التعامل مع تلك القضايا، ولكن تحتاج الى وقت اطول لتعيد المزاج العام للمواطن الذي لا يزال يعتبر ان الامريكي هو «البطل الهيرو» الذي بوسعه ان يفعل ما يشاء، وانا لا اقول هذا الكلام من فراغ، ولقد شهدت ذات مرة برنامجا تلفزيونيا كان السؤال الاول فيه كيف تتعامل امريكا مع ايران؟ فكان ردهم جميعاً ان امريكا يجب ان تحسم ايران، وهذا يعني استخدام القوة، وبعضهم قال يجب أن تقصف ايران حتى يصبح ذلك البلد حفرة كبيرة. وهذا الموقف من ايران اوصلت له الآلة الاعلامية التي صورت ايران بأنها دولة شريرة، وبامتلاكها للقنبلة النووية فإنها تهدد الحضارة الغربية، وعندما انتقل الحديث الى اسرائيل جاءت الافادات ان اسرائيل دولة مؤسسات وتفهم الديمقراطية، وانها بمواجهتها الفلسطينيين انما تحمي نفسها وقيمها ومواطنها ودولتها. وواقع الامر ان الاوضاع في امريكا بدرجة عالية من التعقيد، وان التغيير يحتاج الى وقت طويل، وان على الآخرين المستهدفين أن يقاموا ولا يكفوا لإثبات خطأ امريكا في ما تتخذه من سياسات.
٭ أين موقع السودان من كل هذا الذي يجري؟
إذا ما نظرنا إلى السودان في علاقته بأمريكا منذ أول عهد الإنقاذ وحتى إعلان سلام السودان فقد ظلت في حالة توتر، وحاولت أمريكا اسقاط النظام اكثر من مرة باتباع وسائل متعددة، حصاره عبر جيرانه، فرض العقوبات الاقتصادية، دعم القوى المعارضة، خلق علاقة بين المعارضة والحركة الشعبية، شن هجمات عسكرية على أطرافه، فتعددت الخطط وتنوعت لإسقاط النظام، ولكن كل ذلك لم يحالفه النجاح.
٭ ما هى الأسباب المباشرة لمعاداة أمريكا للإنقاذ، هل هناك وقائع معينة، وهل تشكل الإنقاذ خطراً على مصالح أمريكا في المنطقة؟
اعتقد أن هناك أسباباً كثيرة، من ذلك أنها أعلنت سياسات متحدية رأت فيها امريكا انها تشكل تهديداً مباشراً لمصالحها، لا سيما ان الانقاذ كانت تطرح نهجاً اسلامياً متشدداً في بلد تتعد فيه الديانات والاثنيات، جعلت من هذا اتكاءة لتدخلها في الشأن السوداني، وامريكا في آخر المطاف راجعت موقفها لاكثر من سبب، الاول حتى ولو اسقطت النظام عن طريق العمل العسكري المباشر، فإن ذلك سيكون باهظ التكاليف، في بلد مساحته شاسعة وواسعة وبيئاته متباينة، ومن ثم ستكون التكلفة المادية والبشرية عالية، ولن تجد تأييداً من الرأي العام الامريكي، الأمر الثاني إذا دخلت امريكا في حرب مع النظام واسقطته فإنه سيكسب تعاطف العالمين العربي والإسلامي وسيعتبر «شهيداً» بحسبان أن الحركة الاسلامية السودانية دخلت في مواجهة مع الامبريالية الغربية المسيحية.
٭ ألا ترى أن هناك عاملا آخر، لم يدفعهم لإسقاط النظام وهو حيرتهم في إيجاد البديل؟
اعتقد عدم البديل كان محط اهتمامهم، ولكن إدراكهم لذلك جاء متأخراً، صحيح في البداية حاولوا إسقاط النظام بحسبان أن «المعارضة» قادرة على ملء الفراغ، وانها تستطيع ان تدير دفة الحكم بطريقة افضل من الاسلاميين بحسب اعتقادهم، ولكنني اعتقد وبمرور الزمن فقد ثبت للامريكيين ضعف هذه الاحزاب واتساع مساحة الخلافات بينها، وبالتالي اصبحوا يفكرون تفكيراً مغايراً وصرفوا النظر عن المعارضة.
لقد تحدثت مع أحد المسؤولين الامريكيين قبل خمس سنوات، حيث قال لي إننا لا نريد إسقاط النظام القائم لأننا لا نريد للقاعدة أن تعود للسودان مرة أخرى، غير إنه قال إننا لا نستطيع أن نتعامل مع الحكومة القائمة بسياساتها الحالية، وقلت له أية مصلحة في عودة هذه الاحزاب المهترئة مرة أخرى؟ ولماذا انتم تصرون على ذلك؟، فقال نحن لا نصر عليها، ولكن لا بد أن يسعى هذا النظام للتصالح مع المجتمع واشراكه في شؤون الحكم.
وهنا أريد أن أقول لك بوضوح انه في تلك الفترة غيرت الحكومة الامريكية سياساتها الرامية لاسقاط النظام، الى ما يسميه البعض احتواء النظام ومنعه من ان يكون مثالاً للآخرين، ومن أن يقف عقبة أمام مخططات امريكية في المنطقة، والحقيقة انه في تلك الفترة لم تعد هناك سياسة نشطة لواشنطن في تلك الفترة وما قبلها، إلا أنه وبعد اكتشاف البترول بدأ النظام يستشعر قدرة بدخول البترول بوصفه موردا بما يمكنه من الصمود في مواجهة الحصار والمقاطعة الاقتصادية، وبدأ من العسير جداً على الحركة الشعبية أن تقتلع النظام باعتبارها واحدة من الأدوات المعول عليها لاسقاطه، وفي تلك الفترة بدأ سعي الامريكان لحل مشكلة الجنوب، وأصبحت الحركة والحكومة متعادلتين في القوى، بحيث لم يعد في وسع أحدهما أن يكسب الجولة في مقابل الآخر، فالجنوبيون خشوا بعد اكتشاف البترول أن يزداد تسلح الحكومة، كذلك ارادوا ان يشاركوا في الاستفادة من الثروة الجديدة، وعندما بدأت مسيرة السلام كان هناك تردد لأن الحركة لم تكن تدرك ما هو منهج الحكومة للسلام في ذلك النموذج الإسلامي الذي قدمه النظام، ولكن في المقابل كانت تعلم أن سقوط النظام قد يؤدي الى صوملة السودان وضعف القوى السياسية الاخرى، خاصة بعد أن تأكد للإدارة الامريكية أن الحكومة الحالية ليست لها علاقة بالمجموعات الارهابية، وهذا واضح في التعاون الذي أبدته الحكومة في محاربة الارهاب، وكان محل اشادة الحكومة الامريكية.
٭ الحركة الإسلامية تحت قيادة عرابها الأول حسن الترابي كانت على علاقة حسنة مع أمريكا، ما هى أسباب ودواعي التغيير؟
الدكتور الترابي على وجه الخصوص له العديد من الميزات التي تجعل الغرب ينظر له بنوع من التقدير، فالرجل عالم لا جدال في ذلك، فهو على إلمام واسع بالحضارة الغربية، وهذه الجوانب ساعدته في بلورة الفكر المتفتح بالحركة الإسلامية، وهناك كثير من الجهات كانت تنظر لطرح الحركة الإسلامية بصورة ايجابية لا تراها في حركات اسلامية أخرى، مثلاً موقفها من المرأة هذا في الغرب لها احترام وتقدير كبير، ولديهم فهم خاطيء لنظرة الإسلام للمرأة، وهناك اجتهادات ذكية للترابي يمكن القول انها تقدمية، مثلاً موضوع الشورى والحريات، ولكن عندما جاءت الإنقاذ للسلطة وكان الترابي منظرها لا اقول أنها نفذت المبادئ والشعارات التي كان يتحدث عنها الترابي، فالإنقاذ امضت سنوات لتثبت اقدامها، وكانت هذه ذات اولوية على المبادئ، والأمر الآخر هو أن الحركة الإسلامية نفسها لم تسع لتوطيد العلاقة مع الدول المجاورة والغربية، وهنا يتمثل لنا موقفها من حرب العراق على الكويت، هذا الموقف المساند لصدام حسين كان موقفاً خاطئاً، وما كان صائباً عربياً أو عالمياً، ومنذ ذلك الوقت لم تعد العلاقات طبيعية بين السودان والغرب.
٭ ما هو تأثير إبعاد الدكتور الترابي عن مواقع صنع القرار على مسار علاقات السودان مع الغرب والآخرين؟
الإجابة على هذا السؤال صعبة للغاية، وعندما نعود ونسأل عن موقع الدكتور الترابي في قيادة الحركة والسلطة وما هو حجم تأثيره في الانقاذ، نجد بعض الصعوبة في الاجابة على مثل هذا السؤال، أولاً الفترة التي كان فيها معتقلاً، ففي هذه الفترة لا ندرك تأثيره، وفي الفترة السابقة كان من الواضح للمراقبين التأثير الكبير للترابي، وكان منزله بالمنشية قبلةً لمن يريد أن يتعامل مع السلطة، لكن بعد المفاصلة هناك كثير من القضايا انكر صلته بها، بينما يقول آخرون بصلته، لذلك الصورة غير واضحة، وكان هناك الكثير من الأسئلة المرجعية الفكرية للحركة الاسلامية لا يمكن ان تفصلها عنه، أما عن الجوانب الأخرى المتعلقة بالسلطة فقد كان له دور مقدر في الجوانب التنفيذية، وخرج بهذا الدور، ولكن لا بد أن يحدث تعديل بعد أن خرجت معه مجموعة من القيادات، ولكن الغالبية العظمى ظلت مستقرة في الوطني والسلطة، ولكن هل حدث تغيير في سلوك الوطني؟
ويقول الترابي إنه كان يسعى لتحقيق أكبر قدر من الحريات، لكن لنتحدث عن الواقع والممارسة والاتجاه للتفاوض مع الحركة الشعبية وما افضى اليه من نص على الديمقراطية وما تعلق بها، كذلك فإن خروج الترابي لم يؤثر تأثيراً جوهرياً على العلاقات بالغرب ممثلاً في امريكا، بل بالعكس انها استمرت حتى معه.
٭ هل تأسيس المؤتمر الشعبي العربي وقدوم ابن لادن للسودان له علاقة بالترابي؟
من الصعب أن نقول الذي حدث في عام 8991 كان نتيجة لعوامل خارجية، فالغرب بعد أن عرف أن الحكومة في السودان تتراجع عن موقفها لم يحسن من مواقفه، لأن المجموعات المعادية للنظام في السودان تعمل جاهدة لتحول دون إحداث أي تغيير جذري في علاقة الغرب بالسودان.
٭ هناك حادثة مهمة قد يكون لها تأثير كبير في نظرة الغرب للنظام الاسلامي، وهى حادثة محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك.. هل هذا واحد من الاسباب القوية لمعاداة امريكا للسودان؟
تلك الحادثة حدثت في وقت كانت فيه المواقف الامريكية والغربية متمايزة وحكم الامريكان على النظام في السودان قد صدر، لكن اتهام السودان بمحاولة اغتيال رئيس دولة لها تأثير في المنطقة وحليفة لأمريكا، كان من الممكن أن يؤدي لاضطراب كبير.
٭ لماذا سعى الامريكان لتحقيق السلام في السودان؟
اعتقد أن أية ادارة امريكية تحاول بوسائل شتى استهداف النظام وتحجيمه ووضع قيود تفضي لإحداث سلام ومشاركة في الحكم، وان تكون هناك رقابة عليه.
٭ ما هى رؤيتك لمستقبل هذه العلاقة؟
اعتقد أنه يمكن أن تمضي هذه العلاقة بشكل ايجابي، ولكن من الصعب التكهن الى أى مدى يمكن الاعتماد على الادارة الامريكية وشجاعتها في اتخاذ قرارات ايجابية في التقارب مع السودان في ظل الجو المعادي حالياً، فالمسألة مرتبطة بشعبية الادارة الامريكية والقوى السياسية الاخرى، مثال ذلك، ما هى مصالح الادارة الامريكية في التعامل مع السودان؟ وانا اعتقد ان المصلحة الاولى الآن للادارة الامريكية لصالح دولة الجنوب، رغم أنها كانت مترددة والى وقت قريب في انفصال الجنوب، لكنها اصطدمت برفض قيادات الحركة الشعبية للوحدة، وكذلك القواعد.
٭ معنى هذا أن أمريكا كانت مع الوحدة؟
اعتقد أن الإدارة الامريكية لم تكن على الأقل متحمسة لانفصال الجنوب، لكن تغير موقفها تماماً من موقف المتشكك في عواقب الانفصال وملازمته الى موقف الذي يريد أن يستثمر سياسياً في انفصال الجنوب، ليكسبوا انتخابياً.
٭ المناديب الامريكيون يروحون ويجيئون من كيري الى غرايشون، ماذا يريدون وماذا يفعلون؟
لا عمل لهم مع حكومة السودان، ولكن زياراتهم اسهمت في توضيح الصورة لحكومة الجنوب، ولعلنا نلاحظ تغير نبرة الحركة الشعبية بعد زيارة سلفا كير لامريكا، حيث وقف على دعم امريكا للاستفتاء وفصل الجنوب ودعم الجنوب بعد الانفصال، وافهم كذلك انه لا ينبغي أن يتصور انه الابن المدلل الوحيد لامريكا ومن ثم تفعل ما تشاء، واوصلت له رسالة ان امريكا ستطالب بدفع الفواتير، فامريكا في تصوري لا تريد ان تشتعل النار.
٭ إذن أمريكا حريصة كل هذا الحرص على تثبيت دولة الجنوب؟
لاحظ زيارة السيناتور جون كيري وذكره للحوافز، وربطه ذلك بحضور اجتماع بان كي مون في 42 سبتمبر، وأن تقيم الحكومة الاستفتاء في موعده وبطريقة سلسة، وأن تكون علاقة الحكومة حسنة بحكومة الجنوب، وكيري روى هذه الواقعة بعد اسبوعين من عودته لامريكا، وقال متسائلاً كم مرة يطلب رئيس الولايات المتحدة من رئيس لجنة العلاقات الخارجية أن يذهب الى بلد واحد مرتين خلال شهر واحد ليلتقي بالقيادات، قال إن هذا لم يحدث من قبل، ويجب تقدير هذه المسألة لأنها تعكس بوضوح قلق الحكومة الامريكية، وهو قلق لا تشارك فيه حتى الحركة الشعبية، موضحاً ان الامريكان والغرب اكثر قلقاً على مستقبل الجنوب من تيارات الجنوب نفسه.
وأقول إن هذا الحديث هو المحرك الاساسي للإدارة الامريكية، ولكن هناك عوامل اخرى بعيدة المدى، بحيث ان أهداف امريكا في المنطقة والقرن الافريقي وافريقيا كلها والبحر الاحمر والثروات الطبيعية والتنافس مع الصين. كل هذا يساعد على التوجه والحركة السريعة، فالامريكان لا جدال يحتاجون للشمال، وبعيداً عن الاستنتاج والتخمين هناك أشياء مطروحة للتعاون الايجابي بين الدولتين حال الانفصال، رغم أن العلاقة بين الحركة والمؤتمر الوطني ظلت لوقت طويل في أسوأ حالاتها، وظهرت تحولات ايجابية بعد زيارة سلفا كير لامريكا، فالحركة قدمت بقوة مذكرة لاجتماعات أديس ابابا دعت للتعاون الكامل في كافة المجالات السياسية والاقتصادية في المستقبل، ووعدت باستخدام رصيدها الطيب في الغرب لمساعدة الشمال. وعندما اطلع اسكوت غرايشون على المذكرة وما حوته من مقترحات سالت دموعه من شدة المفاجأة، وهذا المقترح وافق عليه المؤتمر الوطني ورد التحية بأحسن منها بمذكرة حوت الكثير من البنود الايجابية للتعاون بين الجانبين، والموقف المشترك هذا شجع كيري ليعود هذه المرة بمجموعة حوافز قوبلت بعدم الرضاء، لأنها تنتظر جمع كل المواقف والبت فيها بعد ستة أشهر من الاستفتاء، من بينها رفع اسم السودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب.
٭ ما هو في تقديرك السبب الأساسي وراء هذه المواقف المتسارعة؟
السبب الأساسي المعارضة الداخلية في امريكا التي لها موقف معادٍ للحكومة، إذن الامر برمته حسابات سياسية، فالجانب السوداني طلب في محادثاته مع الامريكان انفاذ بعض الحوافز، وكان الرد «لو ذهبت للكونغرس الآن وطلبت رفع العقوبات عن السودان ستظنون إني غبي»، قلنا الا يكفي كل ما انجز في اتفاقية السلام، وأنا مقتنع ان هناك انجازا في الاتفاقية ولكن فهم الآخرين مختلف.
قلنا ما هى الضمانات؟ قال صدقوني إن الحكومة الامريكية لن تعد بكل هذه الوعود ولا تفي بها، قلنا له وعدت من قبل، قال هناك بعض السياسيين يتصرفون الآن بأنهم لا يريدون حوافز امريكا، وانا لا اتفق معهم في هذا التوجه، قلنا نحن لم نعد امريكا بشيء لا ننوي فعله، من ذلك قيام الاستفتاء واحترام نتائجه واحترام دولة الجوار والسلام واستدامته هذا هو هدفنا، حتى اذا ظن البعض ان امريكا لا تنوي الالتزام بهذه الوعود، قلنا كيف نرفض أن ترفع امريكا هذه العقوبات ونحن نعلم اثرها وضررها على المواطن، ومن واجبنا ان نسعى الى رفع المظالم.
المخرج كالآتي أن يجري الاستفتاء، ويجب ان يجتهد الجنوب في ان يكون بطريقة جيدة، ونحن نرى في الوقت الذي يعد فيه الاستفتاء أن حكومة الجنوب تأوي متمردي دارفور وتحاول توحيدهم عسكرياً لمحاربة الشمال والضغط عليه، يحدث هذا في وقت هناك حديث عن التعاون الايجابي بين الشمال والجنوب، فالحل حقيقة ان يسعى الوطني والشعبية لتسوية الامور، ولا يمكن التحدث عن تعاون ايجابي في ظل هذه الاجواء، وعندما ذهبت الى النمسا قدم النمساويون طرحاً اكثر تقدماً، وهو أن يستمر التعامل بين الشمال والجنوب كأنهما دولة واحدة، وطرحت افكاراً أخرى كبيرة لاستمرار التعاون المتبادل.
٭ هل يستطيع الجنوب أن يدخل في مثل هذه العلاقة مع الشمال؟
الجنوب لديه علاقاته التاريخية مع مثل هذه المنظمات، ولديه مستشارون مثل روجر ونتر، وكثيرون لا يرون الجنوب إلا مخلب قط لزعزعة الشمال. ومن دعموا الجنوب في كل هذه السنين سيحاولون منع هذه المحاولات، فيوغندا وكينيا تحاول أن تصبح الأب الروحي للجنوب، وكل هذه الفواتير يجب أن تدفعها حكومة الجنوب، وكل هذا يمنع قيام هذا الاعتماد، كذلك فإن الحركة الشعبية خلقت جو عداء وعمقته، وأظهرت الاستفتاء بأنه مناسبة للتحرر من الشمال، كذلك فإن واقع الحال يقول إن هذا الاعتماد لن يكون متكافئاً لدولة مستقرة سياسياً واقتصادياً مع دولة وليدة، ولن يكون متساوياً، وفي هذه الحالة سترتفع صيحات أن الشمال مازال مهيمناً على الجنوب.
في البيان الختامي عن طرح رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان اعترض لوكا بيونق على ذلك، فكيف يمكن السعي لاعتماد متبادل، فهناك أطراف في الحركة الشعبية تلعب لعبة خطيرة وعواقبها خطيرة على المنطقة كلها، وعلى العاملين في الحركة أن يمسكوا بزمام الامور، كذلك فإن المؤتمر الوطني يحتاج لعمل كبير بوصفه حزباً متسيداً، وهناك الكثير الذي يجب فعله على الجانب التنظيمي وعلى المجتمع السوداني، ثم أنه المسؤول من دولة مليئة بالمشكلات وفي الفترة القادمة ستنقص الموارد، وكذلك يجب الالتفات للجبهة الداخلية والعلاقة مع القوى الأخرى، فيجب أن يشعر الوطني بعظمة التكليف، والقضية الاقتصادية والامنية هى الاولى في الساحة.. صحيح أن الحكومة الامريكية وعدت حال اكتمال مفاوضات السلام برفع العقوبات ورفع اسم السودان عن قائمة الارهاب، لكن ذلك لم يحدث، وربما كان مرد ذلك رأى عام تبنته الحركة الشعبية عبر سنوات، واتهامات غليظة وصلت الى الاستعباد والرق والاضطهاد والقتل العشوائي والعنف ضد المدنيين، وهى اتهامات وقف الإعلام السوداني عاجزاً عن تقديم دليل يدحضها، كذلك فإن قضية دارفور أصبحت قضية داخلية تهم المواطن الامريكي، وانبنت على ذلك صناعة كاملة ضد السودان تقودها منظمات وجماعات.. إذن المؤتمر الوطني مواجه بثلة مشكلات تستوجب منه تقوية الجبهة الداخلية، ومد جسور الوصل مع الآخرين.
٭ أهل الشمال كذلك غير معفيين «التجمع المعارض»؟
اعتقد ان الامريكان ادركوا ضعف هذه التجمعات ولم تعد في حساباتهم، بل في وقت كانوا فيه مهتمين بعدد من الجماعات اليسارية والليبرالية اكثر من اهتمامهم بعقدة الاحزاب الكبيرة، فبعد توقيع اتفاق السلام الحكومة الامريكية لم تفقد اهتمامها بالسودان، والمجموعات في الكونغرس والمنظمات حافظت على عدائها للسودان حتى وصلت المسألة لتحويل ملف دارفور للمحكمة الجنائية، وكل هذه الأشياء تصب في اتجاه واحد.
٭ قلت له مرة أخرى، ماذا تريد أمريكا من السودان؟
عندما نتحدث عن الامريكان نحتاج إلى أن نفرق بين الإدارة والمجموعات، لأن الإدارة أكثر المواقف تطرفاً وصلت اليها هى إسقاط النظام بطريقة غير مباشرة عن طريق تأليب الجيران ودعمهم واضعاف النظام اقتصادياً، لكن كانت هناك مجموعات متطرفة تظن أنها تستطيع دعم الحركة الشعبية ليكون السودان دولة افريقية، والادارة الامريكية تفكيرها كان مختلفا، لأنك عندما تكون مسؤولاً تفكر جيداً في عواقب قرارك بخلاف عندما تكون فرداً أو منظمة، وأدركت الحكومة الامريكية أن الحركة لن تنتصر ومن ثم ألجأتها لخيار السلام.
وبعد إننا نأمل أن يفتح هذا الحوار السياسي بصيص امل في النفق المظلم في العلاقات السودانية الامريكية التي ظلت طوال سنوات الانقاذ العشرين تمضي متعسرة في دروب وعرة وشاقة، ووصلت درجة من التدهور أن قصفت امريكا إحدى مؤسسات صناعة الدواء بالصواريخ.. وطيلة تلك الفترة جرت محاولات لكن لم يكتب لها النجاح بسبب رفض الحكومة السودانية الدخول في بيت الطاعة الامريكي، الذي يبدو أنه لم يعد فيه مكان لقادم جديد، خصوصاً إذا كانت صحيفة أفعاله مرصودة من قبل الاستخبارات الامريكية، التي كانت ترصد كل شاردة وواردة صدقاً ام كذباً؟ وبرغم ذلك نتساءل إلى متى نظل نتأمل في سراب الوعود الأمريكية التي ظلت دراما بلا تنفيذ؟ وإذا كان تحسين العلاقات مع أمريكا يحتاج إلى ثمن، فليس هناك ثمن باهظ أكثر من انفصال جنوب السودان؟ فهل من مقابل؟!
يُنشر بترتيب خاص مع صحيفة «الوحدة»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.