لما يبعث على الإستغراب، تنادي مجموعة من الناس (مجموعة المبادرات النسائية) ليناقشوا وبكل جدية عدد من القضايا التي تخص برامجهن (المجموعة) في السنة القادمة، كما ناقشن أمراً آخراً هو مسألة"ملبس" نساء آخريات غيرهن طبعاً، نعم ناقشت مجموعة من الناشطات اللبس لدي النساء وحاولوا التقليل من شأن، أو تتفيه ما ترتديه بعض بنات اليوم"إسكيرت وبلوزة" بإعتبار أنهما بعيدتان عن الحشمة، وترى هذه المجموعة أن الثوب السوداني هو خير ما يمكن أن تلبسه النساء في السودان لإعتبارات عُدّدت في مؤتمر صحفي نظمته طيبة برس حسب مصادر صحفية حضرته يوم الأربعاء 18/3/2009، وقد بادرت الكاتبة الرقيقة أمل هباني بإيراد ملاحظاتها عن تلك الندوة وسجلت وقفاتها التي تستحق الإعتبار(أجراس الحرية 19/3/2009). في السودان تعوّد بعض الناس علي أن ينصبوا أنفسهم أوصياء علي المجتمع، وأن يتدخل هؤلاء بشكل غريب في خصوصيات الناس، وتحضرني هنا ذكري شخص مشهور في الشوارع الخرطومية، موتور، يُلاحق النساء ويضربهن بخرطوش ماء، ولا توجد من مرّت بطرقات العاصمة لم تنل سوطاً من يده أو على أقلّ تقدير طرق أذنها صيته الذائع طيلة فترة التسعينات وإلى وقتٍ قريب، فهذه الحالة تنتاب من يظنون أنهم/ن يملكون الواحد الصحيح وما عدا ذلك صفر كبير. ولكن ما يبعث أكثر على الإستغراب مقالة سطّرها الكاتب مصطفي البطل، الذي كتبتُ في حقه من قبل مُشيداً ومُناصراً بكلمات نشرتها صحيفة الأحداث وقمت بنشرها من بَعد، علي بعض المواقع الإلكترونية، والمقالة التي سطّرها البطل نُشرت في نفس يوم المؤتمر الصحفي المذكور (18/3/2009) بعنوان "نساوين لاهاي ورجاجيل الخرطوم"، بدأت بتعريف مُفصّل بقاضيات المحكمة التمهيدية بالمحكمة الجنائية، وإنتهت بتعنيف لاذع للهتافيين الذين لا يعون ما يهتفون به في المنابر. فالبطل رغم نضج كتابته ورغم تمكّنهُ من المعلومات وإستيثاقها، ولج باباً تعسّر عليّ فهم ما دعاه لولوجه، فالرجل حاول وبرر وإستنفر وكرر لتبرئة النائب البرلماني محمد الحسن الأمين، وفي خضم محاولاته تلك كبا كبوات عزّ عليّ أن آخذها عليه لولا فداحتها، وذلك لما له من مواقف تجعل التوفيق بين هذا المقال وما كتبه ويكتبه من قبل، شئ في غاية الصعوبة، فمابال الكاتب العظيم يدعو من إنتقد النائب البرلماني إلى الرجوع للحق الذي تمثله مرافعته خاتماً تلك المرافعة ب" ما أشدّ ظلم الإنسان السوداني الصحفي لأخيه الإنسان السوداني البرلماني"، في الوقت الذي كان يجب عليه الإستوثاق من "السياق" الذي قيلت فيه العبارة، والإستوثاق كذلك- ومن باب أولى- من تقرير أنه"لا ينتطح عنزان في أنَّ المفردة – عاميَّة وفصحى - لا تستبطن أيَّة حمولة جندرية قمعية أو شحنة معنوية سالبة من أي نوع" وهي بالطبع مفردة نساوين، فكيف تسنى له أن يقرر ذلك وهو يعلم تمام العلم أن عبارة"مجرد نساوين" لا تحمل أي معنى بخلاف الإستهتار بما يمكن أن يقمن به، وهن "كنساوين" والمرأة عموماً حسب المجتمع السوداني العامي الذي يستشهد به"كان فاس مابتشق الراس"!. كيف جاز له ذلك وهو يعلم أشدّ العلم أن السياق الذي تقال فيه المفردة، أي مفردة، يحدد دلالاتها، فإحداهن يمكن أن تقول مثلاً لطالب فاتورة العوائد"إنتظر الرُجال"، ولكن كيف تقولها لرجل نهرها أو تحرش بها في شارع منزلها وهي وحدها؟. ثم من ناحية أخري هل كان مصطفي البطل حاضراً تصريح الرجل؟، وهل هو عليم بذات الصدور حتي يقرر أن سيادة النائب البرلماني لم يقصد التهوين من قدر"النساوين"؟. تلك والله كبوة اكبر من ما أخذه من قبل كاتبنا الكبير، علي الصديق الأستاذ فيصل محمد صالح، ولكن الكبوة الكُبرى تأتي ضمن حديثه عن أن"أخوات نسيبة من الناشطات في مجال حقوق المرأة" كُن ضمن من إنتقد حديث النائب، وكأني به بارح السودان وكل السودانيات الناشطات راغبات، أو هن مأخوذات على أخوات نسيبة من"نساء الدفاع الشعبي"، فهناك يا سيدي يا بطل الكلمة، من لا يقبلن بأن يوصفن بأنهن من أخوات نسيبة، ولهن رأي في نسبتك تلك، وإنتقدن ما قاله محمد الحسن الأمين، ويُفهم " ضمنياً" أن هؤلاء لسن مؤتمر وطني ولا يقبلن بأن يكُنّ كذلك، فكيف نحيت هذا المنحى الذي يرد في بعضه "التنابز بالألقاب"، وأنت المنصف الأديب، والكاتب النجيب، فالألقاب هي – حسب بن كثير- التي يسوء الشخص سماعها، وحديثك فيه الكثير الذي يسئ ناشطات كثيرات أن يسمعنه في وصفهن. أما الحديث عن "ماذا لو قال النائب إنَّ مستقبل السودان لا يمكن أن يكون رهناً بقرار ثلاثة رجاجيل"، فهذا مما لا يمكن حدوثه وذلك ببساطة لأن الحديث كالآتي:" إن المحكمة عبارة عن عمارة زجاجية بها ثلاث نسوة لا يمكن ان يحددن مصير هذه الأمة"(صحيفة الأخبار20/2/09)، فسياق تلك العبارة تنتفي معه إمكانية تحويل كلمة"نساوين" إلى رجاجيل، لأنه لا يستقيم الإستهتار بقدر "الرجاجيل" والعالم ملئ بديكتاتوريين(كأفراد وليس ثلاثة)، يحكمون بلداناً ذات مساحات شاسعة ويحددون مصائر شعوب تفوق الشعب السوداني في تعدادها مرات، ولكن يمكن الإستهتار ببساطة ب"النساوين" اللائي يناضلن إلي اليوم في كثير من البلدان لنيل حق"قيادة السيارة" أقلّهُ، ومن ناحية أخرى، فكما قلت في ردك علي فيصل محمد صالح ضمن نقده لمزايدته علي أردوغان حسب وصفك، نقول لك ما يوازن هجمتك علي منتقدي النائب البرلماني" إإذا كان سيد الحق – فى الأصل - راضيا ما بال قاضينا البطل يزايد عليه؟" ونقول لك كذلك "أتأمرون الناس بالبرِ وتنسون أنفسكم".