من واشنطن بعد توقيع اتفاقية نيفاشا انتقدت كل من الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني التحفظات التي ابداها الامام الصادق المهدي على الاتفاقية باعتبار انها تحمل بذور الانفصال مطالبا بفتح الاتفاقية واشراك جميع القوى في تصويبها حتى تنتهي إلى وحدة حقيقية لا إلى انفصال حتمي . وضرب المهدي مثلا بموضوع اقتسام الثروة الذي يكرس للانفصال لاسيما في موضوع قسمة البترول وكانها دعوة للجنوبيين ان يسارعوا بالانفصال لضمان حصتهم كاملة من البترول بدلا من 50 بالمئة فور انتهاء الفترة الانتقالية مع اغفال تام لجميع الموارد الاقتصادية الأخرى التي كان يمكن ان تكون الشراكة فيها بين الشمال والجنوب عاملا يعزز الوحدة ويبعد شبح الانفصال . لكن اتت الرياح بما لاتشتهي السفن وكادت الفترة الانتقالية ان تنتهي وهاهو شبح الانفصال بكل مظاهرة الخافية والمعلنة يسيطر على المشهد. سيتقلص السودان رغم الامنيات المتأخرة ودعوات الرئيس ونائبه الى الوحدة سيتقلص إلى نصفه او زد عليه قليلا فحصاد نيفاشا بات على مرمى حجر وعيون الانفصاليين في الجنوب وصوتهم العالي وعيون الخارج بكل ماتحمله من نوايا باتت تترقب بدورها ذلك اليوم الذي سيكون صعبا على كل سوداني انطبعت في ذهنه خريطة السودان قلب أفريقيا بكل تفاصيلها فما بال القلب إذا انفطر . ومما يزيد القلق أن المشهد الماثل بكل تناقضاته بين الحركة الشعبية والحزب الحاكم قبيل الانفصال وبين الحزب الحاكم والقوى السياسية المعارضة يثير قدرا كبيرا من الخشية على امر البلاد والعباد وهي تواجه هذه التحديات الخطيرة التي لن يكون ذهاب الجنوب آخرها . ولعل قضية الحدود بين السودان والدولة المفترضة في الجنوب وملفات ترتيبات مابعد الانفصال التي لاتزال معلقة هي اخطر مظاهر هذا القلق حيث يجب ان يكون حلها بما يحقق " السلام الكامل " وعدم تجدد النزاعات الحدودية بين الشمال والجنوب هو الثمن المستحق للانفصال وقيام دولة الجنوب . وإلا سيكون القائمون على الأمر قد " فسروا الماء بالماء " بل ان أي نزاع هذه المرة سيكون نزاعا بين دولتين لابين سلطة حكومية مركزية وحركة تمرد داخلي . لذا فإن الحرص يستوجب حل جميع الملفات العالقة قبل الاستفتاء لا كما تهوى الحركة الشعبية التي نصحها حلفاؤها بالتفاوض حول هذه الملفات كدولة معترف بها لاكحزب وطني شريك . وان استجابت الحكومة لذلك تكون قد فرطت مرتين . الاقتراح الذي تقدم به الامام الصادق مؤخرا بضرورة ان تشرف الأممالمتحدة على الاستفتاء بما يحقق نتيجة حقيقية معترف بها هو اقتراح جدير بالاهتمام رغم رفض الشريكين له لأنه سيعطي اصوات الوحدويين في الجنوب الفرصة في التعبير عن أنفسهم دون تلاعب محتمل عبر صناديق الاستفتاء وسيعزز من صوت الوحدة ، اما أن يكون الاشراف عبر مفوضية مختلف عليها فسيعيد مشهد الانتخابات الماضية المشكوك في نزاهتها وسيفتح الباب على صراع جديد بين الاعتراف وعدم الاعتراف . فكثيرا ماتحققت رؤى المهدي وقراءاته عن خبرة ودراية يغتالها البعض حسدا من عند انفسهم . أما المؤتمر الوطني بدوره مطالب بان يترجم دعوات البشير إلى الوفاق الوطني إلى برامج عمل يشارك فيها الجميع بأفكارهم ورؤاهم لإطفاء الحرائق في دارفور أو في قضية التحول الديمقراطي الحقيقي وبسط الحريات وإعادة صياغة النسيح الوطني السوداني على أسس التراضي الوطني فقد ولى قبول اللقاءات الاحتفالية والشكلية في عالم مفتوح على كل التوقعات وإلا سيتحمل الحزب الحاكم المسؤولية تاريخيا حول ما ستسفر عنه التحولات القادمة من أخطار نتيجة سياساته الانفرادية . فأكثر من عشرون عاما في الحكم والعديد من الأزمات والتقلبات التي شهدها السودان خلال هذه الفترة مدا وجزرا كافية بان تجعل لصوت العقل موضعا في الحزب الحاكم للحفاظ على ما تبقى من الوطن أو ماسيتبقى من الوطن الذي مكن له أجدادنا بقدراتهم المتواضعة وإيمانهم الكبير ليصبح مليون ميل مربع وهانحن نقلصه بأخطائنا إلى نصف مشحون بالمظالم . الأجدى الآن أن تتجه الدولة بكلياتها وامكانياتها بقدر من الوعي الوطني إلى حشد الطاقات الوطنية لضمان إنفصال غير مكلف يحافظ على ماسيتبقى من الوطن ويبعد عنه شبح الحروب والأزمات وأن تبدا حوارا وطنيا بمساهمة جميع القوى الوطنية لحل أزمة دارفور ورأب صدع الأقاليم الأخرى وبناء سودان تقوم فيه ركائز الديمقراطية الحقيقية واحترام حقوق الانسان واستنهاض السودانيين المنتشرين في اركان الدنيا لبناء وطن جديد تنتفي فيه الأنانية السياسية ويندحر فيه الفساد وتعلو فيه الشفافية وتتقلص فيه التناقضات وتلتقي فيه الارادات يكون منصة لميلاد شخصية سودانية جديدة تستلهم ماضيها وتدرك دورها وتتجه بكلياتها نحو المستقبل . Hassan Elhassan [[email protected]]