كان الطريق السريع يمتد أمام ناظري نمرود بلا انتهاء ، راح كبير الأبالسة المسؤول عن تزيين القيادة المتهورة ينهال عليه بأسئلة جنونية أخذت تطن في رأسه بلا توقف، لماذا لا تكف عن ممارسة جبنك في الطريق العام ؟! لماذا لا تضغط على دواسة البنزين وتنطلق بالسرعة القصوى؟! هل تخشى من المخالفات المرورية والنقاط السوداء ؟! هل ترتعد من الرادارات الثابتة والمتحركة التي قد تصطادك في أي لحظة؟! حسناً أوكد لك أنه لا يُوجد على امتداد هذا الطريق السريع أي رادارات وليس هناك رقيب في هذه الساعة الرمضانية الحاسمة التي تسبق الإفطار ، انس حذرك يا رجل، اضغط على دواسة البنزين ثم طر بسيارتك فوق الأسفلت وحاول الوصول إلى وجهتك التي لم يلح شبحها في الأفق حتى الآن وإلا فسوف يداهمك أذان الإفطار وأنت تقود سيارتك في اللامكان ، جازف بالطيران إلى وجهتك في زمن قياسي لتهنأ بما لذ وطاب من الطعام والشراب في لحظة الإفطار التاريخية سيكون ذلك بمثابة الفوز بالجائزة الكبرى التي لا يحرزها إلا الأبطال ، لا تتردد أبداً ، انتصر على مخاوفك الداخلية ولا تخش الحوادث التي لا تقع إلا إذا كانت مقدرة ، اجمع ثقتك واندفع صوب هدفك بسرعة البرق فمن يتقدم خطوة ويتراجع خطوتين يسير أبد الدهر إلى الوراء! نسي نمرود كل الحِكم التي تدعو للتأني بقصد الفوز بالسلامة ، شعر بأنه قد تحول فجأة من سائق حذر يحترم كل القوانين المرورية ويخشى من مفاجئات الطريق العام إلى سائق سيارة سباق يتدفق هرمون الدوبامين في عروقه بقوة ولا يعرف المحاذير ولا الخطوط الحمراء ، ضغط نمرود على دواسة البنزين بأقصى قوة فطارت سيارته فوق الأسفلت وراحت تئز ازيزاً مكبوتاً ، عندها فكر نمرود في تخفيض السرعة، لكن كبير الأبالسة تدخل في اللحظة الحاسمة ووسوس له قائلاً: لا تخفض سرعتك مطلقاً فهكذا تكون قيادة الرجال! زاد نمرود من سرعته إلى درجة أنه نسى أنه يقود سيارة على الأرض وتخيل لوهلة أنه يقودة طائرة نفاثة تمرق كالسهم في عنان السماء! أحس الكمبيوتر القابع في سيارة نمرود بالخوف فصاح قائلاً: لا تسرع أطفالك في انتظارك لكن دون جدوى! صاح الكمبيوتر مرة أخرى: لا تسرع فإن الموت أسرع لكن بلا فائدة!! صاح الكمبيوتر مجدداً : هذه السرعة قد تؤدي إلى الوفاة لكن دون أي نتيجة !!! فقد تشبث نمرود بعجلة القيادة وراح يضغط على دواسة البنزين بصورة جنونية تنذر بشر مستطير، وحينما بلغ مؤشر السرعة 200 كيلو متر في الساعة، صاح الكمبيوتر بأعلى صوته: "يا ابن العم اقيف نزلني هنا!" لم يصل نمرود إلى وجهته المنشودة ، وفي اللحظة المروعة التي تحطم فيها كل شيء ، أطلق كبير الأبالسة ضحكة مجلجلة ثم انطلق وهو لا يلوي على شيء بحثاً عن نمرود آخر!