سيف الدين عبد العزيز ابراهيم – محلل اقتصادى بالولاياتالمتحدة [email protected] فى فيلمه الجيد النص والحذق (تخليص أو انقاذ الجندى رايان) والذى لايخلو من تمجيد مبطن للآله العسكريه الامريكيه واسطورة الجندى الامريكى شأنه كشأن اى مخرج له أهدافه, عرض المخرج الأمريكى البارع استيفن سبيلبرج قبل عدة سنوات قصه جيدة الاخراج استمتعت بمشاهدتها شخصيا لاحكام التسلسل وجودة العرض والتمثيل الذى يشدك من بداية الفيلم الى آخره مما دفعنى لمشاهدة ذلك الفيلم مرات ومرات وفيه استرعى انتباهى موقف لضابط فى الجيش يقود مجموعه صغيره من قوات الرينجرز (من القوات الخاصه فى الجيش الأمريكى) فى مهمه لانقاذ وتخليص ذلك الجندى(والذى لعب دوره الممثل البارع مات ديمن) فى الريف الفرنس خلال الحرب العالميه الثانيه بتعليمات عليا من قيادة الجيش الامريكى والتى طلبت من تلك القوة احضار ذلك الجندى حيا وسالما لارساله الى الولاياتالمتحده لأسرته بعد أن فقدت تلك الاسره ثلاثه من أبنائها فى جبهات مختلفه فى تلك الحرب فى محاوله منها لمنع تكرار تلك المأساه. فى تلك المهمه وضعت تلك القوه وقائدها أمام خيارات صعبه بعد عثورهم على ذلك الجندى الذى هبطت وحدته المظليه فى مكان غير المخطط له ولم يكن معلوما فى البدايه وعند عثورهم عليه كان يجب عليهم أخذه واعادته للمعسكر الرئيسى تمهيدا لارساله لأهله ولكنه رفض بجة أن افراد فرقته بحوجه اليه لتوقعهم لهجوم محتمل من الالمان وعندها قرر ذلك الضابط المكوث فى تلك المنطقه للدفاع عنها مع المجموعه الموجوده أصلا والتى كانت تضم ذلك الجندى رايان. ولكن قراره ذلك كان صعبا على أفراد قوته الخاصه لأنهم ارتأوا أن مهمتهم تنحصر فى استرجاع ذلك الجندى وهنا ظهرت قيادة ذلك الضابط ( والذى لعب دوره الممثل القدير توم هانكس) حين واجه أفراد قوته وقال لهم أن مهمتنا الكبرى والتى تغيب عن أذهانكم فى هذه اللحظه هى الفوز فى الحرب, أما ارجاع رايان فذلك جزء من تلك المهمه وليست بالمهمه كلها. استرجعت ذلك الموقف وانا أسمع الاخبار القادمه من أرض الوطن عموما ومن كردفان على وجه الخصوص والتى تتحدث عن موسم مطير وخريف كردفانى اشاع البهجه لدى أهلنا الكرام مزارعين ورعاه وغيرهم وأطلق عبق الدعاش سهامه لتصيبنى برمية حب رغم بعدى عن وطنى الحبيب وأكاد أجزم بانى أشتم تلك الرائحه. ذلك الخريف الذى ارتوى منه القوز والطين مما يبشر بخير وفير وموسم زراعى جيد متوقع وايضا توقعات وتباشير بارتفاع مناسيب المياه فى الخزانات الرئيسيه حول مدينتى الحبيبه الابيض والتى تمثل تلك الخزانات روافدا مهمه لها لأنها تقوم بتغذية المدينه ( ببعض) حوجتها من المياه وأقول (بعض) حوجتها لان تلك الخزانات والمعالجات المصاحبه لها من حفائر وآبار جوفيه كان قد تم انشائها منذ زمن (سحيق) لأمداد مدينة تصغر عن المدينه الحاليه بكثير أو بالاحرى أن مدينة الابيض الحاليه تساى اكثر من ثلاثه اضعاف حجم المدينه عندما تمت فيها تلك المعالجات وباستثناء المجهود (العبقرى محدود الافق والتاثير) (امداد المياه من حوض بارا الجوفى) والذى سبق ان تناولته فى أكثر من مقال موضحا سلبياته وايجابياته لتوخى الأمانه الفكريه, ذلك المشروع أضاع مجهود وموارد كان يمكن ان تسهم فى حل جذرى لتلك المشكله, منذ ذلك الوقت لم تجود عقول (هؤلاء العباقرة المخططين) باى حل جديد لحل تلك المعضله والتى تعيق تطوير تلك المدينه بل والمنطقه قاطبه. تلك الأخبار عن موسم مطر جيد دفعت ببعض الأفكار الساذجه الى التنبوء بالحل الناجع لمشكلة مدينه لابيض لان تجميع مياه الحفائر حول المدينه سيأتى بالحل المرتقب على حد قولهم, بل ذهب بعض (محدودى السقف العقلى) الى التشدق بأن ليس للأبيض مشكله مياه حقيقيه مستندين الى خريف العام كدليل على انتظام الأمطار ناسيين وبكل سذاجه معركة الشد والجذب التى ترنحت تحت ويلاتها المدينه لسنوات منذ بوادر الزحف الصحراوى والذى بدا فى السبعينات من القرن الماضى أو قبلها بكثير فى فترات جفاف ومجاعات سردها الباحث السودانى المتخصص والاستاذ بجامعة مدينة نيويورك (دكتور محمد بابكر) ابن جزيرة توتى والذى أحب غرب السودان وخبر دروبه. ذلك الدكتور الفاضل لم يبخل علينا بكل ماطلبناه منه من ابحاث وتفاصيل بل وجعل عصارة جهده فى متناول ايدينا لدراستها والاستفاده منها فله منى كل التقدير والتجله. حيث تركزت كثير من دراساته حول الجفاف والبيئه فى شمال كردفان وفى دارفور. فى بعض تلك الدراسات فصل دكتور محمد بابكر بالأرقام تذبذب كميات الأمطار منذ بدايات القرن الماضى وفى ابحاثه تلك مضى الى عرض الامثله للآثار المدمره لذلك الجفاف والذى لم نكن نعرف تاريخه نحن فى البندر و المراكز الكبرى الا فى منتصف الثمانينات حينما دقت أبواب المدن افواج من أهلنا الكرام الذين نزحوا من مناطقهم من جراء شح المياه. دراسات دكتور محمد بابكر وغيرها من الدراسات والبحوث لمتخصصين تمثل لى اشاره واضحه ومدعمه بالبحث والتقصى بأن الاعتماد الكلى على الامطار فى منطقه كشمال كردفان يمثل وهما ودفنا للرؤوس فى الرمال الزاحفه. المنطقه التى تقع فيها معظم مناطق شمال كردفان ستظل تتأثر بتذبذب الامطار لعقود قادمه لما للبيئه الصحراويه أو التصحر من دور فى ذلك. و رغم تلك الأخبار الساره عن موسم أمطار جيد فان ذلك ليس مدعاة لى لوضع قلمى جانبا عن الكتابه عن مشكلة المياه فى الابيض أو بالأحرى فى قرى ومدن شرق كردفان وبأكثر الحاحا مناطق شمال كردفان الممتده من أمدرمان الى بارا فى تلك المنطقه التى ظلت (تبلع الريق) لخريف غامر منذ عقود عجاف. لان هدفى ومبتغاى هما ليس بخريف أو خريفين متواليين ولكن الهدف هو تنفيذ المشروع الاستراتيجى الذى ظللنا ننادى به منذ سنوات ونادى به غيرى من أبناء كردفان ومن كتاب لاتربطهم بكردفان سوى عصبة الوطنيه وانتمائهم لقبيلة قول الحق وهو مشروع مد مدينة الأبيض بالمياه من النيل الأبيض من كوستى أو من النيل من أمدرمان عبر الصحراء الى الابيض. بنيت تركيزى على الدعوه لمشروع امداد مدينة الابيض ومناطق شمال وشرق كردفان من مياه النيل على افتراضات علميه ودلائل أساسيه لها مرتكزات عده تناولتها فى مقالات سابقه كنت قد نشرتها بهذا الصدد وكتبت مذكرا وداعما لافكارى لان هدفى هو كسب (الحرب) ضد معوقات التنميه ورفع العبأ عن كاهل أهلى الكرام. الهدف ليس لرؤية خريف أو خريفين, انما الحل والمبتغى هو المسعى لايجاد مخرج جذرى فى محاوله جاده لازالة معضله أساسيه من معوقات التنميه وهى توفير المياه الدائمه والتى بدورها يمكن أن توفر الاستقرار وتدفع بالمواطن من تركيز اهتمامه وجهده فى مشاريع تنمويه منتجه بدلا من اللهث خلف ( الكارو والخرج) للحصول على أبسط مقومات الحياه والتى لايمكن أن يتخيل معظم سكان العالم أننا لازلنا نتعارك حولها فكريا ونتحاور لاقناع مسؤولينا بشئ يقع فى صميم دائرة اختصاصاتهم ومهامهم لان توفير المياه هو من ابجديات مهامهم. كما أسلفت اننى تناولت هذا الامر مرارا وتكرار وتحدثت باسهاب عن الجدوى الاقتصاديه والفائده الاستراتيجيه لنا كقطر وكمنطقه لتنفيذ مشروع مد مدينة الابيض وشرق كردفان بخط مياه من النيل الأبيض فى كوستى أو من النيل عبر شمال كردفان من أم درمان فى مشروع سيؤدى الى طفره اقتصاديه, اجتماعيه واستراتيجيه تزيل الغبن وتبعث على الأمل. تكنلوجيا ضخ المياه تكنلوجيا قديمه وفى السودان تستخدم الدوله الآن نفس التكنلوجيا وباختلاف طفيف جدا فى ترحيل منتوج النفط من غرب كردفان والجنوب عبر مدينة الابيض الى ميناء بورتسودن. تناولت بعض من الجوانب الفنيه لهذا المشروع ولست بصدد ترديد ماذكرت والدراسات مودعه اضابير وزارة التخطيط السابقه منذ ستينات القرن الماضى وتناولها الكثيرين, منذ يام الراحل المقيم الكردفانى, ابراهيم منعم منصور ومامون بحيرى, مروربمجهودات العم سليمان دقق والراحل المقيم العم الاستاذ كرار ابراهيم فرح (طيب الله ثراه) والذى حينما تطرقت معه لهذ المشروع ذكر لى أن هذا المشروع تدارسه المخططين منذ الستينات وحديثه معى هو مادفعنى الى البحث والتقصى عن وحول هذا المشروع وفى تلك البحوث عثرت على ثروه محليه وعالميه لباحثين سودانيين وأجانب تناولوا هذا المشروع بالدراسات والبحوث التى يسهل نفض الغبار عنها وتعديلها بما يلائم التطورات الحاليه لجعلها حقيقه واقعه. أيضا الاستراتيجيه الاجتماعيه هى وسيله أو آليه لدرء ارتفاع درجة الغبن والاحتقان الاجتماعى والذى يولد بدوره نتاج سلبى تتراوح درجاته من التذمر الى حمل السلاح. دعوتى ودعوة الكثيرين من الاخوه الكتاب ألى المناده بالاساسيات يجب أت لاتقابل بالتجاهل لأن التجاهل والأقصاء هو ما أدخل بلادنا فى دوامات من الاعتراك والحرابه والتى نحاول جهدنا درءها لما عاناه البلد من ويلات تلك الحروب والتى كان ولازال خاسرها الاول هو المواطن السودانى الذى ظل صابرا وشامخا شموخ الجبال. ورغم كل ماينتابنى من احباط الا أن ايمانى بأهمية هذا الشأن لا تجعل لى مساحه للاكتئاب والزعل (ومد البوز), لأن شأن مياه الابيض هو اكبر منى ومن كل الذين يتناولونه, لأنه يتعلق بحياة اهلنا وعشائرنا, ويتعلق بسبل بقائنا كمجموعه او فنائنا وهذا مايدفعنى لمواصلة الجهد والتأمل فى السِؤال الازلى فى أن نكون أو لانكون؟ مايزيد أيمانى بما أدعو اليه ويدعوا اليه بقية الأخوه والاخوات هو دعوة حق ما ظللت اتلقيه من ردود فعل من أهلى الذين يكتوون بعناء شح المياه فى الابيض وكردفان عموما. ولكن وبرغم كل هذا (النضمى) لم أسمع او اقرأ أى مقارعه فكريه تدحض فكرنا وتفنده زاعمه عدم جدواه حتى ندخل فى عراك فكرى وحوار ممنهج أعددنا له ماتيسر لنا من الاسباب والدلائل لنخرس به من لم يكن مزودا بالحقائق وغارقا فى الجعجعه والخطب الناريه والكلام (الفارغ) وسنرد بالبراهين والارقام لكل من اتانا بناصية متكاملة الاطراف وله او لها من الحجه لتحدى زعمنا. حتى هذه اللحظه لم يأتينا من القائمين على الأمور سواء كان ذلك من الحكومه القوميه وهى ( صاحبة القرار) الاخير وأنا لا أعنى أن لها (الحق) ولكن قرار التمويل بيدها والاراده السياسيه هى ماينقص ذلك المشروع لان الجدل لا يدور حول فنيات وجدوى المشروع, لأن ذلك السؤال تمت الاجابه عليه من قبل. الحكومه القوميه ابدت عدم اراده سياسيه وتمترس ايدولوجى يثير التعجب ان لم يكن لاستنكار ولم تبدى اى استعداد حتى للتحاور مع دعوتنا هذه ناهيك عن تنفيذ مشروعنا. ايضا لم يأتينا أى حوار جاد من الحكومه الاقليميه لحقبات متتاليه تحت ادارة ولاه مختلفين من ابراهيم السنوسى ومن تلاه مرورا بفيصل حسن, ابو كلابيش, الى الوالى الحالى معتصم ميرغنى والذين يقع على كاهلهم دعم كل المشاريع التنمويه بما فيها مثل ماندعو له. عدم جدية الحكومات الاقليميه المتلاحقه وتناولها لما نكتب سلبا أم ايجابا كان محبط لأبعد الحدود. لأن تناولهم لما ندعو له يثرى الحوار ويشحذ الهمم لتعبئه قوميه لدفع مثل هذا المشروع كما حدث بحق مدينة بورتسودان والتى حصلت مؤخرا (عن استحقاق لما عانته من نقص المياه كالأبيض ) لتمويل مشروع مماثل لمدها بمياه من النيل بتكلفه تبلغ 500 مليون دولار امريكى ولقد تناولت ذلك الخبر فى حينه ولكن الصمت الآتى من الابيض والخرطوم يصيب طبلة الأذن بالخروق والتصدع (لعلوه وارتفاعه). مع العلم أن مانكتبه يقراه الكثيرين بمافيهم المسؤوليين والذين تصلنا (ردودهم) و(تعليقاتهم) بصوره فرديه مبتعدين عن تناول الأمر على الملأ لأسباب لاأدرى غير أن اقول أنه هروب دائرى لن يفضى الا بالفشل فى اللحاق بركب التطوير والذى لانطالب الا بأساسياته فى هذه المرحله. وكما قال توم هانكس, ان هدفنا هو كسب (الحرب) وليس الاحتفال والاكتفاء بخريف واحد او اثنين ولذلك السبب سنواصل انشاء الله, والله المستعان.