فى الوقت الذى تتجه فيه العلاقات الدولية نحو العولمة وتتسم فيه روح العصر ظاهرة تلاقى شعوب كانت متنافرة ، وقيام منظومات اقليمية، وبروز مساعي جادة لتوحيد القارات الكبرى فى العالم فى اطار سياسى واقتصادى. فالتكوين الاجتماعى المتعدد ليس خاصية للمجتمع السودانى وحده ، بل هو سمة اغلب المجتمعات التى تبدو اكثر تجانسا فى نسيجها الداخلى. فالتعددية اصبحت تمثل حقيقة عالمية تعرفها الدول المتقدمة والنامية على حد سواء. وقد ارتبط هذه التنوع تاريخيا بالهجرات البشرية على مر العصور وانتقالها الى السودان بحثا عن الاستقرار الجغرافى والامان السياسى، ولكن قلة من سكانه فى الشمال والجنوب تسعى لان يكون خيارها التفكك والتمزق الذى يقود للحروب الاهلية والصراعات المعلنة والخفية. بالرغم من ضالة هذه الشريحة الانفصالية فى الشمال متمثلة مايعرف بمنبر السلام العادل، ومناداتها بتجزئة الوطن وتعطيل المشروع الوحدوى بين ابناء الوطن الواحد جنوبه و شماله، وتغليب مصالحها الفئوية الضيقة بنشرها مشاعر الحقد والكراهية والعنصرية بين المواطنين، خلال العملية الانتخابية الاخيرة اثبت المنبر انه معزول حيث لم يترشح او يفوز مرشح باسمه فى الانتخابات الاخيرة وفشله ،وتاسيسه كان لمجرد اثبات الحضور والرغبة فى الظهور، بعد ان اكتسى برداء سلطوى مما سلبه كثير من مصداقيته بعد تسجيله كحزب سياسي، يتهافت مثل بقية الاحزاب الاخرى طمعا فى نيل جزء من كعكة السلطة، اكثر من معارضته لاتفاقية السلام الشامل، ومن خلال محاولته اكساب المفاهيم الانفصالية الجديدة مضامين وشعارات اسلامية تم نشرها فى الشوارع والاماكن العامة بهدف اتصال فعال مع المواطنين واثبات عدم وجود تعارض فكرته مع الاسلام لتحقيق اجندته الانفصالية، ورغبته فى حصد المكاسب من دون مقابل حقيقى، واقصى طموحات قادته هو نيل جزء ولو يسير من بريق السلطة باستفادة ابرز قياداته، ونيلها مواقع مهمة سياسية ودستورية بعد الانتخابات، بالرغم من انكشاف ضعفهم ، هم مجرد نقطة صغيرة وسط جموع غفيرة ،واثبتت ذلك نتيجة الانتخابات بفوز المؤتمر الوطنى بالاغلبية الكاسحة، بما له من شعبية وجماهيرية، وهو المنادى بالوحدة الطوعية، فهو اكثر انفتاحا وتعقلا فى حل مشكلات التعدد والتنوع، واحترام الغير وخبرته فى بناء المؤسسات القادرة على التغير الاجتماعى مما يؤدى لاستقرار البلاد وحفظ وحدتها الوطنية. اما الانفصاليين فى جنوب السودان يعود ضعفهم كفكرة في حد ذاتها الى الميول الوحدوية التى يتمتع بها قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان الزعيم الراحل دكتور جون قرنق الذى كان وحدويا فى توجهه وظلت كل ادبيات الحركة منذ البيان الاول الصادر عام 1983 م تدعو لخيار الوحدة، وتاسيس مايسمى بالسودان الجديد، كما ان الغالبية فى الحركة يظلون متشككين فى جدوى السياسة الانفصالية بكل ماتتضمنه من اختلافات وصراعات فكرية ومصلحية مع اطروحة الراحل قرنق كما اشرنا من قبل ، كما يتخوفون بصفة خاصة من عملية الانفصال والنتائج المترتبة على ذلك اهمها عدم قدرة الجنوب لاستقبال العائدين من الشمال،بالاضافة الى عدد المواطنين المتواجدين بالجنوب الذين يعيشون اوضاعا انسانية متردية، نقص فى الغذاء والخدمات، وصلت حد (الكارثة الانسانية) كما وصفها وزير الشئون الانسانية وادارة الكوارث بحكومة الجنوب (جيمس كوك). ان خلاصة ماحصده الانفصاليين الجنوبيين فى الشمال هو جر البلاد الى حالة من التشاكس المفتعل بين الشريكيين ، مما انعكس على الاستقرار السياسي، و صاعد من عملية العنف والعنف المضاد الذى اكتسى بالطابع العنصرى الدموى عقب موت الراحل قرنق، وغالباً ما كانت لديهم الإشاعات المتداولة بين الناس، والتي تستند إلى الدعايات والافتراضات المسوقة من قبل جَهَلة مغرّر بهم، نتيجة التحفيز السياسى المسبق من الانفصاليين و الاثارة الايدلوجية للمشاعر الاثنية، نتيجة لتلك الممارسات الخاطئة تراجعت الحركة الشعبية من حركة سياسية قومية فاعلة انتشرت فى شتى أقاليم السودان الى حركة جنوبية محدوده التاثير. اما في الجنوب نجد بعض الانفصاليين فى الجيش الشعبى يكرسون لانقسام المجتمع الجنوبى قبل انفصاله من الشمال، بسبب دخول الجيش الشعبى طرفا فى النزاعات القبلية ، مما ادى لوقوع كثير من المظالم على مجموعات عرقية مختلفة ، بسبب عدم التقيد بدوره المهنى كجيش محترف يمثل كل حكومة الجنوب مما برزت حالة من الضعف فى ولاء الاقليات القبلية بدلا عن اندماجها مع الاخرين واصبحت شرخا مؤذيا فى جدار الوحدة الجنوبية الجنوبية. مما زايد الصراع الداخلى وفاقم المشكلات الاقتصادية وتزايد الانفاق العسكرى على حساب متطلبات البناء والتنمية الوطنية، فضلا عن تشجيع ذلك لقوى خارجية على التدخل. كما ان بيوقراطية الدولة فى الجنوب المتمحورة حول سعادة الفريق سلفاكير ظلت تقبض بيد من حديد على مجمل العملية السياسية، واستطاع ان يؤثر فى تفاعلاتها كافة،وقيادتها فى الاتجاه الذى يحقق المصلحة العامة، ولعل اهم دليل على صلابة سيطرته من اعلى على مجمل العملية السياسية ، سحبه مرشح الحركة الشعبية لرئاسة الجمهورية ياسر سعيد عرمان، كما لم يتردد فى التعامل الجدى مع التيارات ذات الاجندة المريبة داخل الحركة، والحرص على توجيه ضربات استباقية لها من وقت لاخر. واخيرا نجد اغلب المنجزات فى الجنوب نابعة من الجهاز الحكومى المتمثل فى رئيس حكومة الجنوب ، وليس من ضجيج الانفصاليين او مظاهرات اصحاب الاجندة المريبة.