بسم الله الرحمن الرحيم بروفسور الحاج الدوش المحامي - الأستاذ بجامعة قطر لا يختلف اثنان في أن القانون والسياسة يقعان تحت قسم العلوم الإنسانية أو ما يسمي بالعلوم الاجتماعية كما يحلو للأكاديميين ذلك .و مهما يكن من خلاف في خارطة العلوم والفنون وتقسيماتها المختلفة وفقا للمدارس الفكرية والسياسية والاقتصادية من راسمالية وشيوعية واشتراكية وإسلامية فان الإجماع قائم علي تلازم السياسة والقانون والاجتماع بل إن هناك من يدخل القانون والسياسة من ضمن علم الاجتماع وهناك من يجعل القانون جزءا من السياسة ومازالت جامعات عريقة في العالم في أوروبا واسيا وأمريكا تجعل السياسة قسما من أقسام القانون والثابت في الإسلام إن السياسة الشرعية هي جزءا لا يتجزأ من أقسام كليات الشريعة والقانون في العالم الإسلامي أو حتى في الجامعات الغربية التي تعنى بدراسة العلوم الإسلامية المختلفة ، وتكمن هذه المسالة في ان السياسة الشرعية التي تقوم علي رعاية المصالح ودرء المفاسد هي احدي محاور ومصادر التشريع سيما في المسائل التي لا يوجد فيها نص صريح من القران او السنة او القياس أو الإجماع أو أي من مصادر التشريع الإسلامي الاخري . ومما سبق فثبوت التلازم بين الاجتماع والسياسة والقانون هو أمر واقعي وطبيعي وهو من النواميس الطبيعية كما يقول علماء الفلسفة والمنطق وهي (أمر فطري) كما يقول علماء الإسلام ودون الخوص في الفروق والاختلافات الاصطلاحية فان أي مجتمع وطبيعته وظروفه لابد ان تنسجم وتتوافق مع القوانين التي تطبق وتنفذ فيه كما ان السياسة في ذلك المجتمع لابد ان تراعي طبيعة المجتمع وان تحترم القوانين التي تسود فيه وبمعادلة بسيطة فان المجتمع السليم هو ما انسجمت فيه سلوكيات وأعراف وأسس المجتمع مع القوانين والتشريعات التي تطبق وتسود فيه وان تكون السياسة ومن يشتغل بها علي انسجام ور ضا وتقديس للأسس الاجتماعية والقوانين التي تسود ذلك المجتمع علي السواء ومن هنا تكون مقومات الدولة العادلة القوية التي تحفظ للإنسان كرامته وحقوقه .وظهرت الديمقراطية باعتبارها حكم الشعب بالشعب وهي تقوم علي فرضية نظرية تقول ان الشعب يعرف نفسه لذا فهو يعدل مع نفسه إذا حكم نفسه ويكون ذلك العدل باحترام المجتمع والقوانين السائدة في الشعب .كما أن الحاكم الديمقراطي للشعب كنتيجة منطقية بطبيعة الحال سيضع السياسات السليمة علي هدي المجتمع وقوانينه وعطفا علي ما سبق فان موت الإمبراطوريات وانهيار الدول والأنظمة عبر التاريخ يكون بانهيار تلك المعادلة بمعني ان الدولة تنهار اذا كانت سياسة الدولة بعيدة عن أسس المجتمعات وأعرافها وطريقة معاشها كما ان عدم سيادة القانون واحترامه من حيث مصدرية التشريع وارتباطه بالمجتمع وعدم مراعاته للعرف الاجتماعي هو أسرع الأسباب لنهاية الدول وفسادها ولعل اكبر مظاهر فساد القانون والسياسة هي الحالة التي يكون فيها رأي المجتمع وعقائده ورؤيته بعيدا عن النظام القانوني والقضائي وعن النظام السياسي في الدولة بان يغرد السياسيون في وادي ويكون المجتمع وإفراده وإرادتهم في وادي آخر وهذا الأمر يكون واضحا في القوانين المقيدة للحريات الدينية فقد فشلت اكبر الدول وأعظم الملوك في إبعاد الناس عن عقيدتهم الدينية أو سلوكهم الاجتماعي بالقوانين التي لا تعبر عن ذاتهم وعقائدهم وأول الفاشلين في ذلك هو فرعون مصر فكما فشل في خفاض الإناث الفرعوني وقتل الذكور من المواليد وهو سلوك من الدولة ضد الطبيعة والفطرة وعقيدة المجتمع. أيضا ذلك الفرعون القوي وبدولته القوية فشل في القضاء علي رسالة سيدنا موسي والقضاء علي دين الحنيفية (التوحيد ). ومن التاريخ الحديث اكتشفت أمريكا والاتحاد السوقيتي وما لف لفهما أنهم فاشلين في مواجهة رغبة الشعوب في العيش الكريم وفقا لطباعها وخصائصها، ففشلت الشيوعية في تنميط كل الناس بنمط وسلوك كارل ماركس في الاقتصاد .وفشلت نظرية الاقتصاد الحر في العيش الكريم للإنسانية فصار الناس بين فقر مدقع وأغنياء أقلة في العالم كله . ومازالت العولمة التي انتشرت بعد انهيار المعسكر الشرقي هي حليفة الفشل وبعيدة عن النجاح لا لشئ إلا لأنها جاءت بقوانين ونظم وسلوكيات لا تراعي شعوب العالم المختلفة وخصوصياتهم وسلوك مجتمعاتهم كما أنها أهملت كل شي في العالم إلا النمط ال الذي تروج له وتزعم بأنه هو النمط الوحيد الذي يجب أن يسود العالم كله في كل القارات فالعولمة تتجاهل خصوصيات المجتمع المسيحي واليهودي والمسلم والبوذي واللاديني والهندوسي و....الخ فكيف يكتب لها النجاح ؟! فالعولمة تتجاهل الكل وتريد الغاء كل شئ الا العولمة !!!!!! ستنتهي العولمة وكل من يتجاهل الآخرين سيموت غير مأسوفا عليه ولو كان ظاهرة او دولة او حكومة أو حزبا أو جماعة أو قبيلة لسبب بسيط هوهو مخالفة الفطرة والسنة الكونية وطبيعة الأشياء فالاختلاف هو سنة الله في الكون قال تعالي:- (ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لاملأن جهنم من الجنة والناس اجمعين ) سورة هود الاية 119 ستظل كل القوانين واللوائح والأنظمة فاشلة إذا لم تنسجم مع الواقع الاجتماعي وطبيعة الوسط الذي تريد تنظيمه فالقانون كائن حي يحمل الحياة بداخله اذا وجد البيئة الصالحة التي يراد له العيش فيها وتنظيمها فهو مثل البذرة فلكي تنمو تحتاج درجة حرارة معينة وتربة ذات خصائص محددة ودرجة ملوحة او حموضة بنسب محددة وفقا لنوع البذرة وفق كل ذلك فان البذرة تحتاج لوعاء يحفظ تلك التربة ولاشك إن حدود الدولة القطرية في زماننا هذا هي ذلك الوعاء الذي يحفظ تلك التربة ومن باب أولي إذا فقدت الدولة سلطانها علي ترابها فلن تري للقانون او المجتمع اثرا وتكون السياسة حرثا في البحر وما تلك الدول التي فقدت سلطانها السياسي ببعيدة عنكم أهل السودان انظروا للعراق والصومال وأفغانستان وحافظوا علي تراب السودان واسمعوا للمجتمع السوداني وليتعلم الساسة من تاريخ أجدادنا ومعايشتهم للواقع السوداني وكم هي عظيمة حكمة الشيوخ والسلاطين والنظار والعمد والشراتي وكم هو صالح منهجهم في التعامل مع مشكلات القبائل والعشائر عبر مئات السنين ولاشك ان صلاحهم هذا ونجاحهم في التعايش إنما جاء من فهمهم لواقع مجتمعاتهم وفهمهم لرغباتهم الحقيقية في المرعي والزراعة والاحتطاب ونتساءل بصراحة ونحن في محراب الوطن الجميل :كم من الإحكام الخاطئة وقعنا فيها عبر قانون مستورد لحل مشكلاتنا ؟ لعل الإجابة ان تكون مرة ولا نحتاجها هذه الايام فالمقام مقام آخر لا لمحاسبة احد ولكن المقام مقام التصحيح والرجوع لحضن الوطن . سادتي ان السياسة والقانون هما أبناء المجتمع فيجب أن يطيعاه ويحققا آماله وأحلامه ورغباته وتطلعاته ونعوذ بالله من عقوق الوطن والوالدين وكفانا استيراد للقوانين من الخارج فكل قانون لا يعبر عن واقع أهل السودان فهو لا يصلحهم ومصلحتنا في إبعاده وقديما قيل (إن القردة لا تلد غزالا ) ،ويحب علي الساسة في سوداننا الحبيب الابتعاد عن الكسب الرخيص فاكبر أمل وغاية يريدها مجتمعنا في هذا الزمان هي السلام ان مجتمع السودان لا يريد حربا مهما كان الأمر والأسباب كفاية خروج علي إرادة الشعب استفتوا ما شئتم فان التعايش في السودان لا يحتاج إلي خبير أجنبي .