إن مواكبة العالم المتقدم في أي مجال من المجالات طموح ترنو إليه كل دولة وأي إغفاءة علمية ستتسبب في أن تجد الدولة أو الفرد أو المنشأة نفسها قد تأخرت عن ركب التقدم. ومواكبة السودان للعالم المتقدم ولو في مجال واحد لهو أمر يفتح بوابة عريضة من الأمل العلمي ومحفز للمواكبة في باقي المجالات التي يسعى للالتحاق بركب التقدم فيها. وتقنية "النانو" هي (الثورة العلمية) القادمة والتي هي في طور التبلور الآن , وهذه التقنية هي عبارة عن تقنية متناهية الصغر, أي يمكن صناعة جهاز كامل بمحركاته الكاملة ويعمل بعدة أنواع من الطاقة ويؤدي كل الأعمال التي يصمم من أجلها بدقة متناهية وهو لا يرى بالعين المجردة. وهذه القفزة العلمية ستحل معضلات حالية في عدة مجالات منها المجال الطبي يقوم جهاز متناهي الصغر بتوصيل العلاج اللازم لخلية أو أجزاء من الجسم تستهدف دون بقية الخلايا. ويقوم هذا الجهاز بعمل جراحات دقيقة لا يستطيع أي جراح الوصول لدقتها أو إرسال جهاز بصورة كبسولة يمكن ابتلاعها تقوم بتصوير أجهزة الجسم لكشف مرض معين قبل استفحاله. وتفيد تقنية النانو في صناعة الملابس وحفظ الأطعمة وتنظيف البيئة بالإضافة إلى كثير من التقنيات التي توفرها . إن لحاقنا بركب هذه التقنية يتطلب إدخال هذه التقنية إلى أنظمتنا التعليمية على مختلف المستويات، بدءًا من التعليم الابتدائي، وحتى الدراسات العليا. وفي مجال الأبحاث في تقنية النانو، فإن على جميع الجامعات أن تهتم بهذه التقنية بوضع خطط إستراتيجية، تحدد فيها أهدافها الرئيسية وكيفية الوصول إلى هذه الأهداف، وأن تعمل جميع الجامعات في تناغم وتوحد جهودها بحيث تركز كل جامعة على جانب من هذه التقنية. و الدعوة إلى إدخال تكنولوجيا النانو إلى نظامنا التعليمي يدعمها توافر الشروط الموضوعية للتطبيق. ولكن قد يسأل سائل هل يتسع البرنامج التعليمي لإدخال مواد إضافية جديدة ؟.. في ظل مطالبات أخرى بإدخال عدد من البرامج الحديثة للجسم التعليمي، رغم أن المنهج العام مثقل بكثير من المناهج المهمة ، لكن الضرورة الملحة تؤكد أهمية الأخذ بتوصية إدخال تقنيات "النانو" في برامجنا التعليمية وذلك لرفع كفاءة اقتصاديات التعليم. وقد يقول آخر إن السودان ليس من الدول الصناعية حتى يسعى وراء هذه التقنية فأقول: تعتبر تقنية النانو في مرحلة التطوير والاستخدام وهذه الفترة من أهم الفترات التي يمكن للسودان البدء في استخدامها لأنها عند وصولها لمرحلة النضج سيكون على السودان الكثير من العبء ليواكب هذا التطور السريع .وليس من الضروري أن يكون السودان دولة مصنعة أو أن يملك المبالغ ضخمة فهنالك مشاريع قليلة التكلفة يمكن أن نجعلها البداية لتقنية النانو وتبدأ مثلا :بصناعة ملابس النانو التي لا تتبقع ولا تنكمش ،صناعة مواد بلاستيكية بالنانو بحيث تزيد من صلابة البلاستيك،صناعة المطاط،صناعة الزجاج، وغيرها.و بالرغم أن السبق في هذا المضمار لعلماء الدول المتقدمة التي تملك الإمكانات وضآلة حجم المساهمة العربية في هذا المجال الحيوي والتي لا تكاد تذكر إلا أننا كعرب موجودين في هذا المضمار فلا مانع من أن نلحق بالركب العربي. ولا شك انه سيكون لهذه التقنية اثر ايجابي كبير على الاقتصاد السوداني في مقبل الأيام. من جانب آخر فإن النجاح في البحث العلمي ، يفترض أن ننظر إليه كرافد وممول للاقتصاد الوطني، بحيث ينتقل البحث العلمي من المعمل إلى المصنع، ليخرج كمنتج. إذا لابد من كيان بحثي علمي قادرا على المنافسة. كما أن اتجاهات البحث العلمي الحديثة وخصوصاً في أبحاث تقنيات النانو تحتاج إلى التعاون الوثيق بين العلماء والباحثين من مختلف التخصصات مع قطاع التصنيع لينهض كل منهما بالآخر. و يكون هدفها النهائي الوصول بالأبحاث المعتمدة إلى منتجات صناعية ذات مردود اقتصادي يساهم في دعم الاقتصاد الوطني . إن الدول المتقدمة وشركاتها العملاقة وضعت ثقلها خلف أبحاث تقنية النانو ورصدت ميزانيات ضخمة لهذا الغرض وصلت في اليابان إلى أكثر من مليار دولار. هذا الاهتمام وتلك الميزانيات الضخمة تعكس أهمية ذلك التوجه الذي تسعى من خلاله تلك الدول والشركات إلى استمرار هيمنتها على السوق العالمية في جميع المجالات الأخرى من طبية واقتصادية وبيئية واستكشافية وتكنولوجية أخرى. وعليه فإننا بحاجة ملحة إلى اختصار الزمن وتقصير الطريق بالبداية من حيث انتهى الآخرون ولعل الإسراع في إعداد الكوادر الوطنية المؤهلة والمتخصصة في مجال تقنية النانو في جميع المجالات والتخصصات له أهميته ومبرراته وكل ذلك يقع على عاتق جامعاتنا.لذلك يجب أن تهتم كل جامعة بهذا التخصص في ظل تعاون بين جميع الجامعات. ويجب هنا الإشادة بأكاديمية السودان للعلوم التي نظمت ورشة عمل حول (برنامج الدراسات العليا في مجال النانو تكنولوجي) التي نظمتها برعاية كريمة من البروفسور إبراهيم احمد عمر وزير العلوم والتقانة مما يبشر بأن هذه التقنية قد بدأت تتبلور في السودان. كما يجب أن أشير إلى أن فتح باب البحث في مجال تكنولوجيا النانو ووجود وزارة كوزارة العلوم والتقانة كجسم يدعم هذا التوجه لهو أمر مبشر يجب أن نؤكد عليه وندعمه ولكن تجب الملاحظة أن التنسيق مع المصنعين من قطاع عام وخاص له أهميته لأن هذه التقنية لها أثر اقتصادي كبير في المقام الأول، فلابد أولاً من إيجاد هذه الآلية في عملية التواصل وتسويق القدرات البحثية. والأمر الثاني, لا نستطيع أن نفرض قدراتنا على قطاع التصنيع حتى ثبت هذه التقنية وجودها، فيجب أن لا تدور الأبحاث في فلك بعيد عن التطبيق، والاستفادة المباشرة، مع ملاحظة وحدة الأبحاث حتى لا تصبح الأبحاث مجزأة متناثرة، يأتيك طالب تعطيه بحثاً لرسالة ماجستير أو دكتوراة في موضوع، ثم يأتي طالب آخر تعطيه موضوعا آخر فتجد كل هذه الأبحاث تشتيتاً للمجهود بلا فائدة محسوسة منها ، فيجب أن يوجه البحث العلمي في شكل مشاريع محددة تعمل لها دراسة على مستوى استراتيجي، ثم تسوقها بعد أن تحدد من سيشترك فيها، قدراتها، آلياتها، فتستطيع الجامعة أو الجهة المسئولة أن تسوقها . ويجب أن الفت إلى حقيقة أخرى وهي يجب أن ندرك أن الاقتصاد السوداني قد بداء يقفز بخطوات واثقة نحو الأمام والجامعات هي حاضنات التقنية لذلك يجب أن تلتفت جامعاتنا إلى هذه التقنية لان التحليل التجريبي يمكننا أن نتوقع مستقبلا أكثر بريقا للتقنية نظرا لطبيعتها وتأثيرها الخاص في مجالات صناعة الصيدلانيات والالكترونيات، كما أنه لها التأثير الذي يمكن ملاحظته على التقنيات الحيوية التقليدية وحتى الوصول إلى المستوى الحالي باستخدام تقنيات المعلومات والاتصالات وسوف يكون لهذه التطورات تأثيرها الواضح على عدد الوظائف في مجال الصناعات الإنتاجية ولا أشك في مقدرة جامعاتنا التي تذخر بالكفاءات الوطنية التي تستطيع أن تجعلنا في مصاف الدول المتقدمة. محمد [[email protected]]