تبدو الفترة المتبقية السابقة لموعد اجراء استفتاء جنوب السودان في التاسع من يناير المقبل، فترة بالغة الصعوبة ومفتوحة على كل الاحتمالات والمفاجآت والأحداث الساخنة، وربما حتى المواجهات. فبعد أن سمّمت تصريحات قادة الوطني في الأيام الفائتة أجواء ما قبل الإستفتاء بحملهم على المواطنين الجنوبيين في الشمال حال حدوث الانفصال، جاء رئيس حكومة جنوب السودان الفريق سلفاكير ميارديت ليفجّر الأجواء من جديد، وهو يصرّح بأنه إذا حدث تأخير وتعطيل للإستفتاء من قِبل المؤتمر الوطني، فإن الجنوب " يحتفظ بحقه في تنظيم استفتائه الخاص بنفسه "، أي أن الجنوب سيسعى لإعلان الاستقلال من جانب واحد. وأطلق سلفاكير تصريحاته تلك لدى استقباله وفداً من مجلس الأمن الدولي، ابتدر زيارة للسودان بمدينة جوبا، ويبدوأن سلفا أراد ايصال رسالة واضحة لأعضاء الوفد، هي أن "اجراء الإستفتاء أمر مقدّس وغير قابل للتأجيل أو التعطيل". ولم تكن تلك التصريحات هي الوحيدة لرئيس حكومة الجنوب التي أثارت ردود افعال مختلفة، فقد صرح الاسبوع الماضي بأنه يفضل خيار الانفصال للجنوب، وأنه سيصوّت للإنفصال لإنهاء ما سماه "الاستعمار". غير أن المحلل السياسي بروفيسور حسن علي الساعوري لا يرى غرابة في تصريحات سلفاكير، ويصفه بأنه لم يكن وحدوياً في يوم من الأيام، مضيفاً بأن د. جون قرنق حاول اقناع سلفاكير والإنفصاليين الآخرين في الحركة بالعمل للوحدة أكثر من الإنفصال، لكنه فشل في ذلك، ليلجأ أخيراً إلى حل وسط هو ادخال فقرة في منفستو الحركة، تطالب بحق تقرير المصير، حتى يوفّق بين الإنفصاليين والوحدويين داخلها. ويعود الساعوري ليشير إلى أن تصريحات سلفاكير الأخيرة حول الإنفصال تبقى في النهاية تصريحات فردية، لا تُعبّر عن رأي وقرار رسمي من الحركة، ولا يمكن محاسبته عليها، لكنه لم يستبعد أن يخرج اجتماع القيادة المقبل بقرارات مشابهة، ويؤكد الساعوري في حديثه ل (الأحداث) أمس بأن المشكلة الحقيقية داخل الحركة الآن تتمثل في فشل الوحدويين "أولاد قرنق"، في مواجهة وتثبيت التيار الإنفصالي الذي علا صوته وارتفع نجمه بصورة واضحة. ويأتي رأي القيادي بالحركة الشعبية د. محمد يوسف المصطفى في ذات الإتجاه، إذ يرجع تصريحات سلفاكير حول الانفصال بأنها " رأي شخصي، بالرغم من كونه رئيس الحركة الشعبية "، وأكد المصطفى ليومية المدينة السعودية بأن مؤسسات الحركة الشعبية كلها وعبر مؤتمراتها المتعددة، أكدت "تمسكها بهدف بناء السودان الجديد المتعدد الديمقراطي الموحد". وقلّل الكاتب والمحلل السياسي د. عبد الله آدم خاطر من تصريحات سلفاكير بإعتزام الجنوب اجراء استفتاء خاص به، في حال تأخير وتعطيل الوطني اجراء الاستفتاء في موعده، وقال ل (الأحداث) أمس إن سلفاكير أراد أن تأكيد قطع الخط على الشمال والوطني، حتى لا يطالبوا بأي تأجيل للإستفتاء، مضيفاً بأن سلفاكير أراد أيضاً أن يؤكد في جوبا بمثلما أكد في اجتماعات نيويورك بأن الاستفتاء بكل شروطه وضماناته، أصبح أمراً مُلحاً بالنسبة للجنوبيين، وأنهم غير مستعدين للدخول في أي مزايدات مع الوطني، وليس لديهم أي استعداد لتأجيل الاستفتاء حتى ولو لشهرين. ويمضي خاطر ويؤكد أن تلك التصريحات ليست لها قيمة، ولا تعني أكثر من التأكيد على قيام الاستفتاء في موعده، وعدم قبول أي مزايدات عليه. ... وتبقى الحقيقة الماثلة الآن أن الإنفصال بات هو الواقع الأقرب للحدوث أكثر من الوحدة، في ظل تباعد الشقة بين الطرفين، بل واقترابها أكثر من خيار المواجهة، مثلما حدث أمس الأول على الحدود بين ولايتي أعالي النيل والنيل الأبيض.