كانت جائزة أو "عيدية" كبرى لكل مشاهدي القنوات الفضائية السودانية في أواخر أيام الشهر الفضيل وفي أيام العيد المبارك، فقد تزينت كل هذه القنوات فجأة بصورة شيخ المبدعين الأستاذ هاشم صديق وهو يعانق مشاهديه بعد غياب امتدت سنواته. نثر هاشم صديق درره بنفس كلماته البسيطة المفهومة لكل مشاهد وقال إن معاناة المبدع الحقيقية ليست في الظروف المعيشية أو الاجتماعية أو السياسية الصعبة التي يواجهها ولكنها تكمن في رؤية المبدع للواقع من حوله بما لا يراه الآخرون ويجسد هذه الرؤية بتعبير إبداعي، وقال أيضا إنه لا يحب التلاعب بقضايا الناس المصيرية مثلما تفعله الآن الحركة الشعبية وما يفعله المؤتمر الوطني بكل الوطن. في إحدى القنوات قال إنه لن ينصب من نفسه حكما ،وليس من حق الآخرين أن ينصبوا من أنفسهم حكاما، على التجارب الغنائية للأجيال الجديدة، فهذه التجارب تعبر عن ثقافات ورؤى مرحلة تاريخية معينة في المجتمع. وغير ذلك كثير من الدرر التي نثرها هاشم صديق فأجاد وأشبع وروى عطش المشاهدين. أما لماذا كان على المشاهد أن ينتظر كل هذه السنوات (17 سنة) ليتواصل من جديد مع هاشم صديق فذلك أمر غير مبرر. كان المغفور له الشيخ عوض الله صالح مفتي الديار السودانية يقدم برنامجا إذاعيا عبر الإذاعة السودانية في أم درمان يتناول الأمور التي تهم الناس ويشرح المسائل الفقهية ويقدم الفتاوى بلغة مبسطة يفهما عامة الناس، وكان البرنامج يجد رواجا واسعا وسط المستمعين حتى جاء انقلاب 25 مايو 1969م فأحيل الشيخ عوض الله صالح للتقاعد المبكر جريا على نهج "الصالح العام " القديم المتجدد، ليس ذلك فحسب ولكنهم أوقفوا بث ذلك البرنامج الجماهيري ، ولكنهم بعد سنة واحدة اكتشفوا الخطأ وطرقوا باب إلى الشيخ عوض الله، وهو لم يتعود على طرق باب أحد، وطلبوا إليه أن يعود ليقدم برنامجه في الإذاعة من جديد. اكتشفوا فجأة أن الشيخ عوض الله رجل طيب وعالم ينفع الناس. سألهم بطريقته الساخرة المعروفة لماذا أوقفوا برنامجه أصلا ، هل لأنه فصل من وظيفته؟ ولم يحر المسئولون في الإذاعة جوابا. وهكذا عاد الشيخ عوض الله صالح لمستمعيه المحبين من جديد. القنوات التلفزيونية السودانية، قديمها وجديدها، اكتشفت الخطأ، ولكن بعد 17 سنة، وليس سنة واحدة، فطرقت باب الأستاذ هاشم صديق الذي لم يتعود هو الآخر على طرق باب أحد، واكتشفوا أن هاشم صديق رجل طيب ومبدع عظيم وأن غيابه من شاشاتها يخصم منها أكثر مما يخصم منه وأن وجوده فيها يكسبها ألقا وصدقية ويجذب المشاهدين. هاشم صديق، شيخ المبدعين .. الثروة القومية الضخمة واللؤلؤة التي تزين جبين كل شاشة تلفزيونية في جميع الأزمنة ... تعظيم سلام. (عبدالله علقم) [email protected]