رواية طارق الطيب، بيت النخيل 2006 – الحضارة للنشر شارع ابو السعود- الدقي 12311 القاهرة – رقم الايداع بدار الكتب 2827/2006 الرقم الدولي :977-5429-50-1 إنها رواية الراوي الذي يجيد السرد إلى حدود الابهار . كثيرة هي الكتب التي تناولت ظاهرة الإغتراب . دراسات أكاديمية في علم الاجتماع. دراسات إحصائية في جانب آخر. علماء النفس وقد تبحروا في استقصاء جوانب الظاهرة . قد تختلف بيئة المَهَاجر ، من مكان إلى آخر ، من بحرٍ إلى آخر،ولكن هي الغربة في حميّها، تأخذك إلى جحيمها اللاهب ، وتحاصرك في كتابة بهيّة مثلما جاءتْ من الروائي طارق الطيب . . تأخذك الرواية في نموّها المضطرد من بيئة سودانية طاردة ، تفاصيلها تتصل بأوضاع البلاد ونزاعاتها الداخلية ، وتورط الحكومات وأجهزة السلطان في ايقاد حروب متتالية ، يساق إليها شباب لا يعرف فيم تدور المعارك ولمَ تقام المعسكرات لصبية يحاصرون في الشوارع إلى معسكرات التدريب القاسية . البحث عن ملاذات آمنة ليس بالشيء اليسير ، إذ في الحياة من التعقيدات ما تستحيل معه الطوحات . . الراوي يخرج بهويته ، بلا مهنة واضحة ولا هوايات مكتملة الملامح ، فلا هو راوٍ ولا هو رسام ولا هو عامل محترف . جاء من هامش في أرض مجهولة وقرية لا مكان لها في الخرائط، إسمها "ود النار" . يدخل الراوي بعد معاناة في مصر إلى دنيا جديدة لا يعرف عنها إلا أغنية أسمهان ليالي الأنس في فيينا ، وبعض حكايات ووصايا من ولي هجرته من مصر "ركابي". عالم الغربة في أوروبا عالم مركب من عناصر معقدة ، تصادم اللغات كما تصادم الثقافات . تصادم السحنات، ومغالبة السلوك العنصري البغيض. عليك أن تضحك في وجه جلادك وأنت تحت رحمته . بين قطة تبناها ، وحبيبة نمساوية ، نمت مشاعر من الحميمية بين الثلاثة ، تخللتها تداعيات السرد تكشفت لنا ، كما للفتاة النساوية "ساندرا" والقطة "حكيمة"، أسرار حياة الراوي في تقلباتها المأساوية بين ود النار و الخرطوم ومدينة عين شمس ، ثم فيينا . يندلق السرد في براعة تأسر ، وتتكشف لنا كم هو مرتفع ثمن الهجرة والإغتراب عن الوطن ، عن دفء الأسرة الصغيرة . لا يحمل معه الى الغربة غير أغنية وفانوس أثري وكتاب ألف ليلة وليلة، يقول ركابي راعي غربة الراوي في ص 313 :( لا احد يدرك أنه من أهمّ الكتب في فن الحكاية الحديثة. في الغرب يقدرون هذا الكتاب أكثر منّا. يتهكّمون هنا على انبهار واهتمام الغرب بتراثنا وآثارنا. كثير من التراث المكتوب في فن الحكاية ممنوع باسم الأخلاق البعيدة عن الدين...) فيما تهرب من الموت الذي يصنعه الإنسان في حذق وكمال ، تجده أمامك حيث لا تحتسب . موت يأتي من القدر ليحكم حصار المأساة على نواحي الحلم ، فيحيله رمادا . الاملاذات التي يحسبها الواحد آمنة ، تتقرح عن جراحات جديدة ، عن عبقرية في المعاناة . النهايات المأساوية تتربص بما ننجز من علاقات حميمة . يبدع الروائي طارق الطيب في روايته بيت النخيل ، أيّما إبداع . للطيب قدرة على الحكي الذي يتنزل قطراً وندى من ورق الزهر ، لكأنك تسبح معه في بحر من لغة الشعر وتصاوير التشكيل ، فلا تحس أن ثمة فاصلة أو شولة أو نقطة على السطر ، تجبرك لتأخذ نفساً قبل أن تستأنف السباحة. طارق الطيب ،كما قال الناشر في غلاف الرواية: تصدى بالفن لهذا الكائن الخرافي العملاق /الاغتراب، فتعود للإنسان إنسانيته . عرض: السفير جمال محمد ابراهيم يوليو - 2010 jamal ibrahim [[email protected]]